مقتطفات الجمعة 152

سنة النشر : 11/09/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 152 .
 
حافزُ الجُمعةِ: ما أغلى سلعةٍ على الأرض؟ الماسُ، الذهبُ، أم الحجرُ النفيس؟ لا، أغلى سلعةٍ على الإطلاق هي.. الوقت. نردّد دائما « الوقتُ هو المال Time is money»، وأوّلُ من قال ذلك هو «بنجامين فرانكلين»، ومع أن قصدَهُ تعزيز أهميةِ الوقت، لا أوافقه! الوقتُ أغلى من المال، ومن أي نفيسٍ آخر. كلّ المعادن الثمينةِ والمالِ من الممكن استعادة التزود بها، بإعادة استخدامها، أو باكتشافِ مكامن جديدةٍ، أو طباعةِ نقدٍ أكثر، إلاّ الوقت. فما فاتَ، فات، ولن يعود. إذن، فأغلى وأندرُ سلعةٍ هي الوقتُ لأنها لا تُستعاد. القوة الحقيقية هي «الآن» اللحظة التي تعيش بها وتشعر بها، إن لم تستثمرها، فإنها لن تعود، وتذكر قول «هيراكليتوس» الفيلسوف: «لا يمكنُ للمرءِ أن يخطو على ذاتِ النهرِ مرتين، لأنَّ النهرَ لم يعد نفس النهر، ولا الرجل يعود ذات الرجل».. النهرُ هو الوقت.
 
قضية الجمعة: هل العنايةُ في تلمس الذائقةِ العامة والإحساس العام مهمٌ عند إعداد القرارات الرسمية؟ أظنّ، نعم. قرأنا في أكثر من مكانٍ عن اللجنة التي اجتمعتْ من أجل مناقشة قضية تعطيل المدارس للتحكم بانتشار مرض إنفلونزا الخنازير.. ورأيي أن تعليق الدراسة أمرٌ ضروريٌ وحيويٌ، ليس فقط وقائياً، بل لتهدئة العاطفةِ العامة، وتعزيز الاستعداداتِ التي اتُفِقَ عليها في التنسيق بين الصحةِ والتعليم.. على أن اللجنةَ، برأيي، وبعيداً عن صحةِ الرأي التي خرجت به أو عدمه، طلعتْ بأسلوبٍ يصدم الذائقة العاطفية. عندما يكون الأسلوب هكذا: «نقفل عندما يُصاب سبعة من الأطفال، أو بعد أن يموت واحد»، فهذا ضربٌ في قاع العاطفة الأبوية.. أول ما يتبادر لذهن أي متلقٍّ: «هاه؟! إن مرضَ ابني أو مات؟» فيصيبه نوعٌ حادٌ من الانقباض العاطفي. ثم إن كل القصد بأي إجراءٍ صحيٍّ هو إبعاد إمكانية مرض فردٍ واحدٍ بلـْه موتِهِ.. فكيف نجرب بصحةِ وحياة الأطفال أولاً، هذا ما لا تستسيغه أبدا الذائقة الإنسانية، فكيف يقع على الأمِّ والأب؟.. عندها، لن يكون مناقشة الرأي هو صحته من عدم صحته، لأن أول ما سيتبادر للذهن: «من سيمرض؟ من سيموت؟ ولدي؟ ابنتي؟ ابنتك؟ ولدك؟»، لذا نرجو، حُبـّاً للجنةِ، وليس انتقاداً، ولكل قرارٍ رسمي، بمراعاةِ الأسلوب الذي يُخاطـَبُ به الناس، أو يخرج إليهم، حتى لا تصل رسالةٌ منافيةٌ ومناقضةٌ للرسالةِ المقصودةِ بالنوايا أصلاً.
 
وهذه رسالةٌ بالإنجليزيةِ وردتني من الدكتورة «هبة رضوان»، رداً على مقالتي «هل نقفل مدارسنا؟» إخصائيةُ الأمراض المعدية بمستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام، مجتزئاً منها هذه العبارات: «مقالـُك يعكسُ تماما ما أفكّر به. الأطفالُ لن يستطيعوا الانصياعَ للتعليمات الصحية الحازمة للوقاية من مرض «هـ1 ن1». فبرأيي باستطاعتنا أن نؤجل المدارسَ حتى يبدأ وصول الأمصال الواقية، ثم، على الأقل، تحصين الأمهاتِ إن كنّ حوامل، والأطفال المصابين بأمراض مناعيةٍ وتنفسية. فالتأجيلُ لشهرٍ أو شهرين لن يعتبر كارثياً بأية حال. فالتأجيلُ المدرسي يحصل في انتشار الأمراض وفي الحروب، وأثناء الحرب الأهليةِ اللبنانية توقفنا عن الدراسةِ لمدة عام، ثم استرجعنا الدراسة لعامين بعام واحد، ولم تعد إلا ذكرى. والهدفُ هو تجنبُ انتشار العدوى في الجموع مما سيشكلُ عبئاً هائلاً، مالياً ومادياً وصحياً ومعنوياً، على الأمّة».
 
هل سيمكن اعتبار مرض السرطان مرضاً اعتيادياً ويُقفل نهائياً كونه ضارا غير قابلٍ للعلاج الأكيد؟ هذه ما تقوله بحوثُ السرطان الجديدة (التايم 14 سبتمبر 2099)، والبحوثُ الجديدةِ تعتمد على «إبرة التطعيم». فنحن نُحَصَّنُ ضد كل أنواع الأمراض إلا ذاك المرض الذي نخافه أكثر من أي شيءٍ آخر، ولكن هذا قد يكون الآن في طور التغير، هذا ما تقوله التايم. في الماضي القريب كانت الجراحة هي الوسيلة الوحيدة، يستؤصَل الورمُ، يُقفـَلُ جرحُ العمليةِ والباقي على الدعاء والترجي. والآن تطورتْ العلاجاتُ الكيماوية والإشعاعية الدقيقة (أي التي توجه فقط على الخلايا المصابة وتتجنب السليمة ما أمكن) ولهذا ضريبة، أو ضريبتان: الأولى، تبعات ومضاعفات العلاجين. والثانية، احتمالُ عودة المرض. في المستقبل القريبِ سيظهر التطعيمُ وسيكون الحلُّ الأنجَعُ بحول الله. والتطعيمُ يعني إدراج الجهاز المناعي في المعركةِ ضد السرطان، والخللُ المناعي هو الذي يسبب الأورامَ السرطانية. وسيكون التطعيمُ بعد الجراحةِ أو بعد العلاج الكيماوي والإشعاعي، حتى يُضمن عدم عودة المرض. هل ستكون الإبرةُ التي تنتظرها البشرية للخلاص؟
 
ويعتذر الشيخُ «عائض القرني» بقصيدةٍ ظهرت يوم الثلاثاء 18 رمضان في جريدة «الشرق الأوسط» عن تعرضه لبائعةٍ نيجيرية عجوز وهو يحتجّ على رأي مَنْ قلـَّلَ من أهمية قصيدتِهِ التي أنشدها الفنان محمد عبده، وبرأيي أن التعرضَ بالإقلال القيَمِي لأي إنسان ليس مقبولا بأي حال، ولكن من شيخ إنسانٍ وجزيل العاطفة مثل القرني كان نوعاً من الزلة.. وليس العيبُ في الخطأ، وإنما العيبُ في المكابرةِ أثناء الخطأ. ومن حسنِ المروءَةِ الاعتذارُ، وهذا ما فعله الشيخُ بقصيدةٍ أعتـَبـِرُها من عيون قصائدِهِ، فقد ثارتْ شلالاً من نبْع قلبـِه، ومنها حين يقول: يا أمّــنا عفــواً فلسـتُ بســاخرِ والابنُ أهلٌ للحنــانِ وإن جفا والصفحُ من شيمِ الكريمِ سجيةً لـُطفاً بابنكِ إنْ هـَفـَا وتأسـَّـفا
 
في أمان الله..