مقتطفات الجمعة 147
سنة النشر : 24/07/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 147 .
قضيةُ الأسبوع: هل تعتقدونَ أن لدينا ظاهرة أطفال الشوارع؟ لم أزر مدينةً كبرى في العالم الثالثِ إلا وأجدُ ظاهرة هؤلاء الأطفال تفقعُ العينَ والضميرَ. تراهم مباشرة في زوايا الشوارع، وفي ظلمةِ الأزقَّةِ، ومرتمين في الميادين، وعلى أرصفة الشوارع، أو تراهم متسترين تحت أعمالٍ رثّةٍ في الطرقاتِ بجانب التقاطعاتِ وإشارات المرور.. ولهم عالمٌ خفي، عالمٌ كله رعبٌ وقسوةٌ واستغلال وتعذيب، وفي البرازيل يتسلى بعضُ الشرطة، وهواة حقيرون بممارسةٍ وحشيةٍ عمّتْ في شوارع المدن الكبرى مثل برازيليا ( وبها أكبرُ الأحياءِ الُسفلى في كل أمريكا الجنوبية) و''ريو دي جانييرو''، وهي اصطيادُ هؤلاء الأطفال بالبنادق والمسدسات كالطرائدِ في مسابقات الصيد.
أطفالُ الشوارع عادة يموتون قبل العشرين بمعدل 60% إلى 70% في كل مناطق وبلدان أميركا اللاتينية. وهذا الإحصاء غير متوافرٍ في مدن آسيا (في عاصمةٍ آسيويةٍ عرضتْ علينا ساحرةٌ طاعنةٌ بالسنِّ طفلة في الثالثةِ عشرة من عمرها بيعاً دائماً بخمسين دولارا، ولما صعقتنا المفاجأةُ تصورَتْ الحيزبونُ أننا محتجين على السعر، تصوّروا! يعني البيعُ عادي، السعرُ هو الذي يتطلب تفكيراً!!) وسيأتي قطعا من يقول إن بلادَنا مختلفة، وإن ظاهرة تشرد الأطفال جدّ محدودة، وإنهم من غير السعوديين، وأقولُ: فليكن، إذن فلنحاربها قبل أن تستفحل!
وجودُ الأطفالِ في الشوارع لا يعني أنهم قليلو الذكاءِ، بل بعضهم ذكيٌ بالفطرةِ، وتنمو ملكاتـُهم الذكائيةُ في مهاراتِ البقاء وهم في الشوارع المفتوحة، لذا يخرج منهم عتاةُ المجرمين، ودهاةُ مخططي الأعمال التحت أرضية، وحرباواتُ التهريبِ وشبكاتِ التوزيع لكل الممنوعات، وتتخطى قدراتُهم ما يعرفه سجلُّ الإجرام من عبقريةِ المخادعةِ وابتكار وسائل التمويه والتغطيةِ والهرب. ومرّةٌ، في القاهرة، استوقفنا ونحن بسيارةِ أجرة طفلٌ لا يتعدى السابعة من عمره، وألحّ في طلبِ النقود، ثم عرض علينا عرضاً لم نستطع رفضه، وهو أن يلقي نُكَتا واحدةً بعد الأخرى بلا التقاطٍ للنفس حتى تفتح الإشارة مع ''ضمان التسليم'' كما قال قبل أن تفتح الإشارة، فمسك بيدِه طرفَ الخمسة جنيهات، وبدأ يلقي النكاتَ التي كنا نضحك فلا نسمع النُكَتَ التي تليها، وبعبقريةٍ أداءٍ مذهلةٍ. ولما تحرّكتْ السيارةُ، طارتْ ورقةُ النقد في يدِه. ولكني لما جنَّ الليلُ فكرتُ بهِ كثيرا.. ما مصيرُ هذا الذكاء؟ بل ما مصيره هو؟ لا يعلم إلا الله..
وتكتب ''ماريا مارزيا- كاتز'' في عدد 27 يوليو الجاري، بمجلة ''التايم''الدولية استطلاعاً بعنوان '' ماذا تستطيع معتزلات الفقر في المغرب أن تعلم بقية العالم؟'' وبعد أن أثبتت مع مرافقها المهتم الإنساني المغربي أن معظم مخرجات الإرهاب والأعمال الخارجة هي من الأحياء الفقيرة، وهجرتهم من الشوارع إلى الأحياء وبالعكس، يتقدم الرجل المغربي واسمُه ''أبو بكر مازو'' والاسمُ أنقله من الإنجليزيةِ فقد يكون نطق اسمه مختلفا، هذا الإنسانُ الرائعُ أقام مركزا باسم ''مركز سيدي مؤمن الحضاري'' وصرّح أن هؤلاءَ الناس الفقراء البسيطين بقليلٍ من المساعدةِ يستطيعون أن يعملوا المعجزات''، ولم يستعن السيد ''مازو'' بأي فردٍ من خارج الحيّ المعدَم، بل درّبَ شبابَ وشابات وأطفال الحي على العمل، وصار المركزُ معْلـَماً من معالم مدينة الدار البيضاء، ولفت العملُ الفائقُ مهتمي المراكز الإنسانية فغطته أكبر مجلةٍ في العالم وطلبتْ من العالـَم أن يتعلم من تجربةِ معازل الفقر في المغرب. وأرسلتُ للسيد ''مازو'' أستفهم عن تجربتٍه لأن ''مجموعة أولاد الدمام''، وجمعية الثقبة النسائية بالمنطقة الشرقية تهتم بمواضيع الأحياء الفقيرة ولها تجارب مسجلة، ورد: ''تعال وانظر.'' أما أين أقام السيد مازو هذا الصرحَ الثقافي .. فعلى أرضٍ كانت مزبلة المدينة!
وبرسالةٍ تلقيتها من المعلمةِ ربى وهي قارئةُ متابعةٌ من الأردن، تقول إنها فوجئت ببرنامجٍ تلفزيونيٍّ جعلها لا تنام من سطوة القلق والتفكير، وكان البرنامجُ عن أطفال الشوارع في الأردن.. ولم تستطع أن تهدأ إلا بالكتابة والنقاش مع كل من تعرف للتصدّي للمشكلة، ولكنها تقول: يجب أن أستوعب أن هذا الشيءَ أولا موجود بيننا في مدننا، فهي مذهولةٌ ولا تصدِّق. وهنا مأزقنا دائما أننا نُخفي مشاكلنا التي تعوم على سطح المجتمع حتى تتضخم وتصيرُ مثل الفالـَج الذي لا يُعالـَج، بينما كان يجب علاجها وهي طفحٌ صغير. إن صرخةَ وذهول المعلمةِ ربى يجب أن تدوّي عندنا من الآن، وفي كل المدن العربية الكبرى.. الآنَ وليس غداً!
قرائي الأحبة: أتمنى عليكم الإدلاءَ والمشاركة بآرائكم ومقترحاتكم وحلولكم لظاهرة أولاد الشوارع، فأنا واثق بأن الحلولَ تبدأ مِنا.. من الناس العاديين، لأن اهتماماتهم فوق العادة!.