مقتطفات الجمعة 146

سنة النشر : 16/07/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
توفّي علـَمٌ من أعلام الأمةِ الشيخُ العلاّمة عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين، رحمه الله. وكتب في نعيهِ فضيلةُ الشيخُ محمد صالح المنجد:» ها قد رحل الشيخُ وقد قارب الثمانين عاماً قضاها في العلم والدعوةِ والعبادة، جلس للتدريس عشرات السنين، ودوّن المؤلفاتِ النافعة، وتولىّ الإفتاءَ، وظهرَتْ صنائعُ المعروف على يديه، فعمّ نفعُه وكثر خيرُه..». وكان تشييعُه مشهداً من مشاهد الرحمةِ، بإذن الله.
 
رأيُ الأسبوع: لقد صارَ للتدينِ تفسيرات نمطية شاعتْ في العالم، وأكثرُها مصحوبة بالانطباع السلبي عن كونِ المتدينين من المتجهمّين الماضويين، يخالفون العصرَ والعلم الحديثَ، ورِقةُ أن يكون الإنسانُ بمشاعر فيّاضةٍ ومحبةٍ لكل الناس. وهاكم تجربتي المثبتة، دون داعٍ للشروحات، في المقتطفِ التالي..
 
لما أردتُ معرفة مزيدِ عن تقنية المياه، أعطاني صديقٌ اسمَ مهندسٍ أكد أنه عقلٌ نابهٌ هذا المضمار، تحدثتُ معه عبر الهاتف، وأثراني بمعلوماتٍ نادرة. ولما تواعدنا، أقبل بإهابِه القليل وبسمتِه التي تسبقه وخبَبَهُ السريع، تجلـِّله هذه المسحة التدينية. ولما مرض والدي، رحمه الله، أوصاني طبيبٌ أمريكي أن أستشيرَ طبيباً سعوديا مختصاً بالمخ، ووصفـَه بالنابغة، وعرفتُ الدكتور «عبد السلام السليمان»، ولا تُخفي عبقريتـُه هذه المسحةُ الدينيةُ في ملامحِه. ولما تعقـّبتُ عمَلاً تربوياً أعجبني في تنشئة الأولادِ بالمدارس حكى لي عنه ولاةُ أمورٍ، وجدت أن مدرِّساً شاباً يعكف على بناء عقول المراهقين ويسهم في تحويلهم إلى ناضجين ومتّزنين في هذه السنِّ الجموح، مضحّياً بوقتِهِ الخاص، ومن مالِهِ المحدودِ، في سبيل مهمته المبدئية، ووجدتُهُ شاباً ملتحيا رقيقَ الملامح يتدثر بهذا الحياءِ الرصين.. ولولا الحرج لضممته! ومن أنجح نشاطاتنا المُعَدَّة للترفيه وإفادة الشباب، معسكر «قافلة الخير» الذي يُقام كل صيفٍ في مدينة الدمام، ويتطور بآليةٍ فائقةٍ عاماً بعد عام، ووراءه كتائب من الشبابِ تطل من محياهم تلك المسحة التدينية .. ولن أنسى جهودَ مديرة مدرسةٍ وزميلاتها في مدرسة لتحفيظِ القرآن في الدمام، وضعنَ حياة تلميذاتهن، لما شبَّ حريقٌ، قبل حياتِهن. ونوابغـُنا كالدكتور الربيعة، ونرجو ألا تأخذه الوزارةُ عن نباهته الجراحية، والدكتور «زهير الحلِّيس» الذي يعد من أفضل أطباءِ العالم في جراحةِ قلب الأطفال، والمتخصص في الأورام الدكتور «أحمد الصغير» المتفوق علماً، وسلوكاً مع مرضاه، كلهم من ذوي المسحة التديّنيّة.
 
لماذا أقول ذلك؟ هل من ليس بلحيةٍ غير متدين؟ لا، فالتدينُ نيّةُ وعملٌ، وليس الإبداع والتفاني مقصورين على المتدينين. القصدُ أن هذا ما نحتاج إليه كصورةٍ تعكس الشخصية المتدينة، لتقف ضد ما يتصوره الرأيُ العالميُّ عن أن كلّ الملتحين ليسوا إلا مجموعاتٍ من المتعصبّين.
 
وهنا، انتبهوا.. في دراسةٍ نشرها «نيكولاس كريستيف» في جريدة «النيويورك تايمز» عدد قبل الأمس 15 من الجاري، حذّرَ من الملوثاتِ الكيماوية التي تستخدم في تليين صلابةِ البلاستيك والمعروفة باسم «الفثالات» phthalate، لأن التجارب المعملية أثبتت أنها عندما تكثر في دماءِ السيدة الحامل من تنفس الهواء الملوَّث بها، فإن الجنينَ معرضٌ لخطر تشوهٍ جنسي. وأنّ التجاربَ بيّنت أن الجنينَ الذكرَ بالذات يتأثر بوجودِ هذه الملوثاتِ الكيميائية في دم الأم فتتشوّه الهرموناتُ الذكرية بصِبْغياتٍ وهرموناتٍ أنثوية، ما يجعل الذكورَ المواليدَ أكثر ميلاً للأنوثة.. وبما أن من صناعاتنا المنتشرة بكثرةٍ، حتى قرب المدن، صناعةُ البلاستيك، فربما كانت هذه الفثالاتُ تلعب الآن وتمرح بالأجواءِ المشبعة بالملوثاتِ، فنرجو الانتباهَ لهذه الدراسةِ ومدى صحتها، حتى لا يحتار موظفو الأحوال المدنيةِ في المستقبل في ماذا يكتبون في خانةِ جنس المولود!
 
الهندُ أمةٌ من أعظم الأمم تاريخاً وتنوعاً وثقافاتٍ وأديانا ولغات. الهندُ سحرُ العالم، والدرّةُ الأكبر في التاج البريطاني المرصّع بحقبةِ رومانسية الاستعمار. الهندُ الآن تحتل صدرَ الصفّ الأممي في البحوثِ الطبية، والصناعةِ الدوائية، وفي البرمجيات الحاسوبية، وفي غزو الفضاء، وفي المهاراتِ المالية، والتفوق في الأعمال العصامية، والفنّ والإعلام. والكاتبَ «سونيل كارنيك» يقول شيئاً آخرَ، وهي أنها أمة مهدّدة بالسقوط، فتنوعها، سرّ سحرها، وبذرة المرض العصي في نخاع وجودها. فهي تتكاثر من غير هدى، والسكان أممُ في أمم، ومذاهب في أديان، ولغاتٌ في لغةٍ، وأعراقُ بأعراقٍ.. ويقول، إن الجبهةَ الهندية المتماسكة هي الجبهة الإسلامية لأنها تحرّرت من العُقـَدِ والأساطير والانصياع غير المنطقي في الديانة الهندوكية (معظم الهند)، ولأن إخلاصَهم للإسلام يأتي أولا، ويطلب الاقتداءَ بالمسلمين. ومن اسمِهِ الذي هو تبرك بأحد الآلهة الفرعيين في الهندوسية نجزم بأنه غير مسلم. فيا لهذا الإسلام!
 
وأتركُ قرائي الأحبّةَ لمناقشة هذا الموضوع: هل الصدفُ اليومية مجرّدُ أحداثٍ مرسلةٍ بلا تخطيطٍ ولا برمجةٍ؟ أم هي هندسةٌ ربانية مقدّرة ومسبقة؟ «ألبرت أينشتاين» يقول: «لا خيارَ أمام المرء إلا موقفان في هذه الدنيا.إما أن يؤمن بأن لا شيءَ اسمه صدفة في هذا العالم، وإما أن يؤمن أن كل شيءٍ صدفة». فماذا تقولون؟
 
في أمانِ الله