مقتطفات الجمعة 140

سنة النشر : 22/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة رقم 140 ، أرجو أن تنال رضاكم.
 
قضية الأسبوع: انتحارُ الفتيات. مِن أول الشهر حتى الآن وصلتني ثلاثة عشر رسالة من فتياتٍ سعوديات، في كل رسالةٍ إشارةُ جادةُ للانتحار. أنقل هذه العبارة من إحدى الرسائل: "لا أحد يحميني، اغتصِبتُ في طفولتي، ومازلت أتعرّض للشيء ذاته وأنا على مشارف الثلاثين.. لقد اهتز إيماني بكل شيء، لذا قررتُ الانتحار". ولما أرسلتُ للفتاةِ محاولا فتح باب الحوار، أرسلتْ لي مرة أخيرة بجملةٍ خلعَتْ رتابتي: "قررتُ الرحيلَ لجهنم". وأنا مستعدٌ أن أعرض لأحد المختصين الموضوع ويطلع على رسائلٍ لا أستطيع أن أفصح عنها إلا لمختصٍّ ومحلـَّف لأنها من أقوى خصوصيات الأسرار. ما الذي حصلَ لتجري كلمةُ الانتحار سهلة هكذا؟ ولماذا الفتيات أكثر؟ من عشرات الرسائل التي وصلتني، لا أذكر إلا صبياً حاول الانتحار، واستطعتُ الوصول إليه، وساعده مختصون، وكتبتُ عنه.. والباقي بنات. قد تقول ليست ظاهرة عندنا، وقد تقول غير ذلك، على أن ذلك لا يهمني لسببين: الأول: كل روح تعني لي ولكم، كل شيء. والثاني: أتعجب أن يقول أحدٌ إنها ليست ظاهرة، فهل ننتظر حتى تكون؟! برأيي أن علاجَ ما هو أقل من الظاهرة أهم من التصدي لها وهي ظاهرة. ثم لماذا هذا العدد من البنات؟ معناه أن هناك خللا عظيما، بل جريمة عظمى ترتـَكـَبُ بحقـِّهـِن.. في مجتمع يرى مرتكبو هذه الأعمالَ ضد هاته الأنفس البائسة أمراً عادياً. إن الاهتمامَ بموضوع انتحار الشاباتِ يجب أن يرصد من الآن، وتوضع الأسسُ لعملٍ مؤسسي ناجع وفعّال من أجل التصدي لمسبباتها، بشرط أن نعمل الشيءَ الأولَ، الذي بدونه لن تكون هناك أي خطوة تالية: الإفصاح.
 
"أجسادٌ ناعمة تنسابُ مشنوقةً ومحروقةً ومسمومةً إلى القبور"، هل تعتقد أن هذا عنوان فيلم من أفلام الرعب التي تخرج بها هوليوود في الهالويين (عيد كل القديسين المسيحي)؟ لك الحق، فهو عنوانٌ يجعل تياراً شوكياً يجري في عمودِك الفقري رُعباً. ولكنه عنوانٌ ظهر على صفحةٍ كاملةٍ من جريدة "الوطن" السعودية في عدد الثلاثاء 19 من أيار (مايو) الجاري. تقريرٌ رهيبٌ، محزنٌ، مفاجئ.. يجعلك تطوي الجريدة ثم ترغب في البكاءِ قهرا وحسرة وغيظاً ليس فقط من غباء ناس تحجّر بهم العقلُ والقلبُ والضمير، ولكن تكاد أن تحقد على نفسِكَ أن يحدث هذا في بلدك لبناتٍ من طلائع الحياة، ومن ألمهن وقهرهن، وعذابهن المستطير حين تكون الرحمة هي الموت بأقصى أنواع الألم شنقا أو حرقا أو تقطيعا في اللحم الحي.. يا إلهي، الرحمة. تقريرٌ أعتبره تقريرَ العام، وأعتبر من أعده الأستاذ "محمد الصالحي" صاحب أقوى وأصدق وأهم تقرير خرج لهذا العام. تقريرٌ فيه شجاعة وفيه مشهدية وفيه نقل لآلام الشابات الصغيرات، للبيئةِ الرهيبة، للوحشةِ، للخوفِ، للظـُلمةِ، لغياب الأمل، لضياع الثقة، ونضوب آخر نقطةٍ في نهر التصبر بالإيمان.. إن لم يرتفع هذا التقريرُ ليكون من أهم قضايا المجتمع.. فعلى المجتمع أن يراجع أهميته ذاتها!
 
في جريدة "الرياض" السعودية بعدد الثلاثاء 19 أيار (مايو) الجاري لفتتني ثلاثُ مقالاتٍ تغذي روحَ الوطن، لثلاثةٍ من كبار كتاب الجريدة، الأستاذ "فارس بن حزام" بعنوان لافت هو "مجالس غير شرعية"، يتعرض فيه لانتهاء مدة المجالس البلدية بدون إنعاش الآمال المرتجاة وراءها، ويتساءل بأن فترتها انتهت ولم تتضح صورة الخطوة التالية، وابن حزام لا تعنيه الشكلية النظامية، ولكن يعنيه الدورَ العملي من خلال أمرين مهمين: مسألة الانتخاب، ومسألة القدرة على الإنجاز، وسنرى معك في المستقبل يا أستاذنا إن حصلنا على أجوبةٍ لتساؤلاتك. ويكتب الدكتورُ "محمد محفوظ" مقالاً بعنوان" المواطنة هي الحل" والعنوان يغني عن شرح معنى المقال، ولكن الدكتور محمد يحب أن يذكر الأشياءَ بمسمياتها، ويطرح سؤالاً مهماً، صحيحٌ أنه يجيب عنه، ولكن هذا السؤال لابد أن يعلـَّق كلافتةٍ كبرى على سماءِ الأمة: ما الذي يسبق، الأمّة أم المذهب؟ وأظنه يسألنا جميعا. ورأيٌ شجاعٌ من الدكتور "محمد بن علي الحسون" أستاذ الأدب المقارن في جامعة الإمام محمد بن سعود، ونصفه بالشجاعة لأنه ينتقد بعض توجهات الجامعة وهو من أحد أعضائها، ومن داخلها، وبما أنه أستاذ الأدب المقارن نصفه بالمحب الشجاع، كما في مسرحية "بجماليون" لبرنارد شو، يعترض الدكتور الحسون على تحسّس بعض مسؤولي الجامعة من إلقاء محاضرة للدكتور "عبد الله الغذامي" الناقد، وبرأيي "المنظـِّر التفكـّيكي"، وهو ابن الجامعة، واعتبَرَ ذلك ضيقَ رؤيةٍ واختناقٍ بأحاديةِ التوجّهِ، وطالـَب جامعتـَه بتفتـّحٍ أكبر، وأن تكون منصةً لالتقاءِ الأفكار لا لطردها.
 
لا أجد تعبيرا محزنا أشدّ ممّا ورَد في رسالةٍ من التي سمّت نفسَها "ذاهبة": "كيف تصف شعورَ فتاةٍ مغتصبة قيل لها كان بإمكانك المقاومة لو أردتِ. ثم تذهب للفحص عند طبيبٍ ليجد أنها تحمل مرضَ.. الإيدز؟!"
 
في أمان الله.