مقتطفات الجمعة 139
سنة النشر : 15/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفاتِ الجمعة رقم 139 ، أرجو أن تنال رضاكم.
سُعِدتُ أن استضافنا الصديقُ العزيز الدكتور عثمان الروّاف في بيتِهِ تحت شرف الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز. وكانت مناسبة لألتقي، ولو لمدّةِ المصافحةِ، كثيرا من الزملاء الذين لم أرهم من سنوات، أو أراهم لأوّل مرّة. والأميرُ الشابُ تبادل النقاشَ بعفويةٍ وتلقائيةٍ مع العقول الفوّارة التي ملأت المجلسَ حتى فاض.. كان الأميرُ بعقليةٍ متفتحةٍ جداً وهو يستقبل آراءً مثل آراء الدكتور عبد الله الفوزان، والأستاذ حمد القاضي اللذَيْن عرضا موضوعاتٍ من أجل الناس، ولم يكن ردُّهُ إلا بالموافقةِ والأخذ بالرأي، وسارَ مِيلاً آخرَ وهو يؤكد للجميع أنه سينقل الآراءَ لمن هي مهمتهم النظرَ فيها. العقليةُ الشابة جهـّزتْ الأميرَ ليتعامل مع طبيعة العصر والمتغيرات، وجعلته متفائلا، وينظر للمستقبل، وهي النظرةُ التي تميزُ الشبابَ لأن لديهم شيئا يجب أن يُعمَل للقادم من الأيام، فتراهم يتحدثون بأجمل ما يُلقى من الكلام، فالكبارُ عادة يتحدثون عن إنجازات الماضي، وهم حُرَّاسٌ على الحاضر، بينما الشبابُ في الطبيعةِ والرؤيةِ يحدثونك عما سيكون في المستقبل. العقلية الشابّة متصلة مع التغيير، وعقلياتُ الكبار مُسَيَّجة على الحاضر بإطلالةِ الحماية على إنجازات الماضي. وفي البلد حركةٌ دؤوبٌ من قِبـَلِ شباب الأمّة، شبابٌ تحلـّوا بالعزم، وأشرق بهم أهم عُنصُرَي العقلية الشابة: التغيير للأفضل، والنظر للسماء.. للمستقبل. وبما أن الأميرَ في سنٍّ تقرّبه للتعامل مع الشباب، فهناك تنظيماتٌ شبابية رائعة تعمل الآن على الأرض، وبظني أنه سيتكفل بها ويتبناها ويدعمها حين يطـّلع على أعمالها فالشبابُ لن يبقوا طويلا في القافلة الاجتماعية في آخر الصف، وبدأوا يتـّخذون مواقعَ أكبر حتى من المقدّمة.. مواقعُ كشـّافي الطـُرق!
موضوع الأسبوع: ثروةُ المستقبل. ولا نعني المستقبلَ المرهون بالثروةِ النفطية، أو كل ما هو إلى نضوبٍ إن لم يكن اليوم ففي يومٍ قادم، وإنما نعني ثروةً لا تزول، ثروةٌ متجددةٌ ما بقيت حياةٌ على الأرض.. ثروةُ الشباب. نعقدُ الخيرَ، كل الخيرِ، على الطلائع من الشباب. الشبابُ قرّروا ومضوا في طريقهم ليصنعوا حياتـَهم، ليضعوا الأساسَ المتين لبنيان المستقبل.. قرر الشبابُ أن ينفضوا العجزَ والتخاذلَ ودواعي الحسرةِ والتشاؤم، وأن يتسلقوا جبالَ الآمال حيثُ الهواء النقي، وحيث استشراف العالم القادم بأفقٍ فسيحٍ مترامي النهايات. * ملَّ الشبابُ الاستماع لصرخاتِ وبكاءِ المقالات الحزائنية، والمعاقبةِ للذات، والناعبةِ على خراب الإدارة العامة.. وعرفوا أن الاستماعَ لكل هذه البكائيات الناحبة في التذمر والجأر بالشكوى لن يجدي فتيلا، ولن يـُغيِّر وقائعَ تجري كل يومٍ على الأرضِ، إلا أن نفضوا أنفسهم وانتشلوها من بـِرَكِ الوحل الثقيل، وخرجوا يجْرونَ بهمَمِهم وطاقاتهم يحملون آمالـَهم وأفكارَهم وأحلامَهم بسهول المستقبل الخضراء الموشاة بأزاهير التفاؤل والعزم والتصميم، والقدرة على التغيير. وكما قلنا أكثر من مرة: قرر الشبابُ، وهو القرارُ الصحيح، أن يكونوا هم القاطرة التي تجرّ عربات قطار مصائرهم، ولا يتركونها لمن ينعقون بوجوههم كل يوم، أولئك الذين لا يريدون للشباب إلا أن يحدّقوا بالظلامَ.. برأيي، إن إطالة التحديق في الظلامِ هي التي تسلبُ في النهايةِ القدرةَ على الإبصار.
ولديْنا إثباتاتٌ على الأرض لعشرات الأعمال الشبابية التي تبرزُ تفوقَ شباب هذه الأمة واعتمادهم على أنفسِهم، وصياغة المجتمع الذين يريدون أن يعيشوا به، ويرسموا ملامحَ الوطن الذين يريدون التعلق به، ويُذهِلون بنتائجهم ليس المراقبين فقط.. بل يذهلون حتى أنفسهم.
كتاب الأسبوع: قصة من النوع الذي يُسمى بقصص الصِّبا Juvenile novels، بعنوان "قبل أن أموت Before I Die"، والمؤلفة هي "جـِني داونهام" شابةٌ صغيرة، وهذا باكورة أعمالها، وضرب في القائمة الشهيرة للصنداي تايمز، وجرائد كبرى أخرى. والقصة تحكيها عن نفسها البنت "تيسا" التي لم تتعد السادسة عشرة بعد، ثم تعلم أنها ستموتُ من سرطان الدم المستفحل. في أول سطر من الكتاب تنذرك "تيسا" بأنها ستموت، بجملة تقولها لأبيها الذي بذل كل ما بعاطفته وممتلكاته من أجلها: "بابا، لا تهرب من الواقع أنا في طريقي للموت. بالتأكيد". وأمّها هربت مع رجل آخر وهي ما زالت طفلة لا تعي، ولما ظهرت الأمُ فإنما لتزيد الأمورَ سوءاً بخـَرَقها وفساد ذوقِها الأخلاقي.. على أن البنتَ الشابة لم تبك على الحاضر، وقرّرت أن الأسابيعَ القليلة الباقية لها هي المستقبل، وأن تعيش سعيدة بكل يوم تشرق فيه الشمسُ وهي على قيد الحياة. وناضلت بجماليةٍ رائعةٍ وحزينةٍ لتحقق ذلك، ثم وهي تموتُ عمّر قلبَها الصغيرَ الحبُ، وصارت أسعد من فراشة تحتضنها حديقة من الأزهار. لن يكمل الكتابَ أحدٌ مهما بلغَتْ به قوة البأس إلا والدموع ستسيل منه مدرارا، وفي داخله هذه السعادة المغموسة بالنبل والشجاعة. ستقلب الصفحة الأخيرة وأنت تعلم أنها ستموت، وتود لو ودعتها الوداعَ الأخير. عبرةُ الرواية أن قدرة الروح الشابّةِ ليست بالضرورة مسافة بالزمن، ولكنها في الأكيد عمقٌ في الزمن.
لكل من شاء أن يمضي في تشكّيه، وأن يُصرّ على النظر في حُفـَر الطريق، وأن يحدّقَ في الظلام، ما يريد. ولكن الشبابَ سيرفعون رؤوسَهم للسماءِ الصافية، ويعملون للتغيير للأفضلِ والأبهى، وسيكسرون تروس الآلةِ الجامدة، ويصمِّمون آلتـَهم العصرية المنطلقة، وسيتملـّونَ بعيونهم في رائعاتِ النهار، وفي أنوارٍ صادرةٍ من مكانٍ يختبئ في ركن الزمان.. مكانٌ اسمُه: المستقبل.
في أمان الله..