انتهى موسم الحج لهذا العام اليوم. ونرجو الله أن يكون كل موسم حج آمنا ناجحا، ولقد نجحنا حتى الآن في القيام بالمهمة البالغة الصعوبة، ولكن مررنا بمواقف حرجة وصعبة في مواسم سابقة، وفي بداية هذا الموسم.
إدارة أكبر تجمع بشري يسيِّرُ قطعة واحدة من مليونين ونصف من الأنفس مهمة تجاور المستحيل، لذا فإن ارتكاب الأخطاء، وعدم التركيز على بعض دقائق الأمور التي تكون كالشرر المبيّت، شيء متوقع، ومن المكابرة وضعف الخيال أن نعتقد أنها لا تحدث. من لا يتوقع أن تحدث الأخطاء لن يتعلم شيئا، ولن ينزع المعرفة من دروس الوقوع في الخطأ. إذن، جاء الوقت أن يكون هناك موقف كبير جدا، لمناسبة متكررة جدا.. إدارة جديدة، بنظرة جديدة، بتقبل جديد.. شيء مثل الوقوف على تاريخ المواسم الفائتة لاستشراف الحلول الكلية الكبرى للمواسم القادمة.. تتغير الدنيا، وتتغير التكنولوجيا، وتتقدم إدارة الجموع، وإدارة المرافق، والنظافة، والصحة المتحركة، والإمداد المستمر في المواقع.. والصيانة، ورفع أداء كل خدمة ومأوى وفندق ومطعم وطواف وحملات بدقة ومتابعة.. إدارة الحج كلها يجب أن تكون مثل شركة متخصصة مستقلة مرنة ومتطورة، وقابلة للمراجعة والحساب والقياس. قوتنا الأولى هي أننا نخدمُ أعظم مناسك الدنيا.. وقوتنا الأخيرة!
دائما أشبه المشاريع الصغرى كمفاصل للاقتصاد الكبير، مثل المفاصل المعلقة على أطـُرِ البوابات لتكون قابلة للحركة.. بوابة كبيرة وجميلة لا تعني شيئا بلا مفاصل. والأعمال الصغيرة هي التي يؤسسها أشخاص (عادة في أوائل أعمارهم) يملكون العقلية العملية، والطموح الذي يكون مثل مولدات الانطلاق في آفاق عريضة. إن مجتمعا يخلو من هذه العقلية ومن هذه الروح هو مجتمع معطل ومتعطل.. مجتمع لا يتحرك، كبوابة بلا مفاصل. من أجل هذه المفاصل يجب أن نجهز كل عناصر البيئة التي تتيح توافرها وتكاثرها.. لا إعاقتها. لقد رأيت بعيني عشرات المفاصل تتساقط وتموت وهي تحاول أن تتعلق بأطر البوابة الكبرى بسبب قوانين لم تتعرف على الحيوية "العظمى" لهذه المفاصل.. كل مفصل يقع على الأرض بفعل بيروقراطية ضيقة الرؤية، ولكن متنفذة، إنما هي حياة تسقط وتنزف.. مفصل يذوب ولا يعود. ميلودراما.. نعم، بكل عناصرها!
.. لذا يكتب "فهد بن عبد الله القاسم" مقالا في "الاقتصادية" الأربعاء ثاني أيام العيد كالمعلقات، يرص فيه كل ما قلناه وما يقوله غيرنا في مسألة تلك المفاصل التي تحرك بوابات الاقتصاد الكبير، والمقال بعنوان: "فن تحويل المستثمرين السعوديين إلى عمالة!!" (علامات التعجب أصلية!)، ما يقوله يقع تحت المشهد الميلودرامي ذاك، حيث يعتقد "القاسم" بأن قوانين وزارة العمل تقتل طموح الشباب الذين يريدون أن ينشئوا مفاصلَ هنا أو هناك، وهي تتحداهم وتضع أمامهم سدا عاتيا.. بل تحذرهم بإعلانات تمطر رصاصا يقتل الأمل.. في النهاية يقول إن شبابنا ينتهون إلى طوابير طلاب الوظائف، وبدل أن يحملوا المجتمع ينوء المجتمع بحملهم. يتساءل القاسم :"هل المقصود بهذه القوانين القضاء على البطالة أم القضاء على العمالة الأجنبية؟ إذا كان الهدف هو القضاء على البطالة فهذا لا يتحقق إلا بخلق فرص عمل جديدة، وهذا لا يتأتى من خلال التضييق على المستثمرين". وأسألكم، أليس ما يقوله "القاسم" منطقا ساطعا مثل إشراقة الشمس في رائعة النهار؟ ثم يستنتج في نهاية المقال استنتاجا من آلية المنطق: "إن كل تعقيد لا بد أن يثمر عن فساد يكون ناجما عنه، ونتيجة له" .. وإني أكاد أوافق جدا على هذه الجملة لولا كلمة "يثمر!"، لأن التعقيدَ لا يثمر. أشد على يد كاتب المقال الشاب وأطلب منه فقط التأمل في عنوان المقال كي يعيد النظر في كلمة "فن".. هل تقعيد الشباب يعتبر فنا؟
شاب من عائلتنا يريد أن يقوم بعمل مِفصـَل.. في هذه العطلة أخذ أمر عمل تصميمي من مؤسسة، صممه ونفذه فقط في أيام هذه العطلة، واستعان بعمالة ( في إجازة). ورأيت العملَ، كان إبداعا صغيرا جميلا.. ووضع الشاب في جيبه آلاف الريالات في أيام قليلة. لن تتيح له أي وظيفة هذا الربح وتلك النشوة الطموح.. وسيجد الفرصة عسيرة للخلق والكسب، وإفادة كل بيئته. وإن أردت أن تعرف ما العائق.. أعيدك إلى المقالة- المعلقة للكاتب الشاب الممتاز فهد القاسم.
مجلس الأمن قد يفرض المقاطعة الاقتصادية على إيران إذا استمرت بركوب رأسها. تلهث وراء هذا القرار أمريكا والعصبة الأوروبية، وقد تقف ممولة ومهندسة المشروع النووي الإيراني روسيا ضد القرار بفيتو.. وقد لا تفعل (كما صار مع سورية). ما يشير إلى نوع من التراجع الروسي هو عرضها أن تخصب إيران اليورانيوم داخل روسيا.. ولكن إيران ركبت رأسها من جديد، ورفضت بقوة. إيران لها برنامج واضح، وأجندة لا يعلمها إلا الله. فهي ليست متمردة وقصية مثل كوريا الشمالية، ولكنها دولة تبحث عن القوة والهيبة والحضور الدولي اللائق.. وهي لن تتنازل عن برنامجها إلى النهاية. قراءتي للوضع تؤكد ذلك، ومع وجود رئيس شاب متحمس للرفعة الإيرانية وجاد في أهدافه (الواضحة والخفية) فإن هذا التأكيد ترتفع دلالاته أضعافا. علينا في هذه المنطقة أن نصدق أن إيران ساعية للنهاية. إن لم تقف إيران، فلماذا نقف نحن؟! إن لم تخف إيران فما وجوب تحذرنا إذن؟! مازال مجلس الأمن الدولي يطالب إيران بأن توقف مفاعل "ناتانز" وإلا فإنها المقاطعة.. كما فعل بشجاعة وعدل حين قاطع المجلس اقتصاديا دولة أخرى في الجوار لم تقفل مفاعلها (أوبس! مفاعلاتها) وهي.. إسرائيل؟ أليس كذلك؟!
طالبت بمقال سابق أن يعود الدكتور القصيبي إلى نفسه ( من واقع اعتقادنا أنه لم يتعرف على نفسه كما يكفي، لأنه لا يكف عن خوض معركة بعد معركة غير آبه للزمان وظروف الزمان) وإن هذا الرجل المحارب لن يستريح عقله متى اكتفى من العمل الرسمي، وسيفتح آفاقا كبرى إبداعيه له، ولنا. وسيكون له الوقت ليضم من يحب.. فلقد آن الأوان أن ينهي عناقا طالَ مع الملفات الرسمية، ليعانق من يحب.. أو ليتيح لمن يتفانون به حبا .. أن يعانقوه! وأعيد هذا الرجاء.. وأن يصدق بقلبه أنه رجاء!
أوقع ما قرأت جمالا وتأثيرا لهذا الأسبوع هذين البيتين من قصيدة غازي القصيبي في ذكرى أخيه عادل، يرحمه الله، التي نشرت في جريدة "الحياة": على كل قبرٍ من دموعــي قطرة وقافية ٌ تفدي المودِّعَ.. لو يُفدى! أصون عن الأنظارِ ضعفي.. وربما تماسكَ من هُدت قواعده هــدّا