مقتطفات الجمعة 122
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 122
توفي الشيخ سليمان بن عبد الله العمران والد الدكتور سمير بن سليمان العمران، وقد كان الشيخ ـ رحمه الله ـ من الناس الذي نسميهم بالروح العذبة، ويبقى طعم هذه الروح بعد أن يغيب عنك. كنت أقول لأصدقائنا إن الدكتور سمير متعلق بأبيه لأنه ابن بار ومحب، ولكن هناك آباء يسهلون مهمة الأبناء حينما تكون رفقتهم متعة من متع الدنيا الرائعة. لقد أنجب الشيخ سليمان، وأحسن تربية من أنجب. فالدكتور سمير يبقى من الناس الذين يرسمون بالفكر، ويعيدون صياغة المفهوم الوظيفي من خلال ترؤسه أكبر مؤسستين تعليميتين للبنات في المنطقة الشرقية على التوالي، وقبل ذلك كان بفكر شخصاني نابه أهلـّه ليلفت الأنظار لتبوؤ مناصب حساسة.. هل ترك الوالد الراحل في الدكتور سمير وأخيه الدكتور عبدالله العمران عذوبة الروح؟ عايشهما وسترى.يرحم الله الشيخ سليمان، لقد كان ـ يا إلهي ـ روحا عذبة، فاسقه من ماء الخلود العذب.
انتقل إلى الرحمة الربانية معالي عبد الوهاب عبد الواسع، وبرحيله يبقى فراغ في الصف الأول القيادي والإبداعي الذي قاد تشكيل الدواوين الحكومية في الدولة السعودية الحديثة. وهو من الرعيل الأول الذي تخرج في الجامعات المصرية ثم أخذته الوظيفة الحكومية حتى النهاية. لم يكن عبد الواسع رجلا عاديا، فلقد أثر أثرا ملموسا في تاريخ هذه الدولة، كانت له بصمات واضحة في أكثر من ميدان حكومي، غير صنعه رجالا من بعده أمسكوا ناصية المناصب العليا، وكان بلدياته الدكتور فايز بدر ـ رحمه الله ـ يقول لي باعتزاز أن عبد الوهاب عبد الواسع كشافنا الذي رسم أمامنا الطريق. وبقي الرجلُ كشافا للطرق طيلة الأربعين عاما الذي قضاها لتملس الطرق التي تكفل التقدم لدولته. وقد كان الراحلُ عقلا إسلاميا أخاذا بنظرة استراتيجية طلائعية، ومتى قرأت كتابه الكبير "الأمة الإسلامية وقضاياها المعاصرة" ستعرف أنه هذه المرة لم يكتف بكشف مسار الطرق لأمته، بل شق طريق جديدا ومضيئا. رحمه الله، مضى وسحب طاقة كبرى معه.. وسيبقى تاريخٌ كبيرٌ من بعده.
هيئة المال تشهّر بمتلاعب بالسوق وتغرمه أكثر من تسعين مليونا. إذن ثبت قطعا أنه تم التلاعب بأموال الناس، فلم تكن اللعبة عادلة أبدا، ولم يكن يجب أن نلوم الناس لأنهم ساهموا بأموالهم، فلم يكن هناك عدل في اللعبة، بل غشاشون كبار.. ولكنهم مهما عوقبوا، سيكون الأثر الفظيع الذي تركوه في قلوب الناس وفي عقولهم وفي حياتهم أثرا لن يزول.. ويبقى أننا نشجع عقاب المتلاعبين بمقدرات الناس، ولكن نسأل الوقاية قبل العلاج.. الوقاية عبارة عن ثلاثة أمور مهمة وهي: الشفافية، ثم الشفافية، ثم الشفافية!
الدكتورة هند طاهر ظاهرة سعودية اقتصادية، ثم تعدى نبوغها ليكون عربيا، ثم تجاوز منطقتنا كاملة لتصير عقلا عالميا، ليس بشهادتنا، ولكن بشهادة مجلة الاقتصاد الأولى في العالم "الفوربس". ولذا لم يكن مفاجئا أن نقرأ الخبر الذي ظهر في الاقتصادية عن تسلم الدكتورة طاهر أفضل سيدة أعمال لعام 2006. ولكني أود أن أركز على موضوع أعرفه تماما عنها، وعن قرب، وهو كتاباتها معنا في هذه الجريدة التي بها كثير من الأقلام المحللة المحترمة، ولكن تبقى كتابات السيدة طاهرة بمذاق آخر.. وهذا المذاق لن تعرف سائغية طعمه المعلوماتي والفكري والواقعي إلا أن أدمنت قراءة المقالات التي تخرج في كبريات الدوريات الاقتصادية مثل "الفورتشن" و"الوول ستريت" و"الهيرالد" وحتى بعض مقالات مجلة "هارفارد" الدولية الشهيرة. كتاباتها ذات مذاق واختراق عالميين، وهي تكتب من الواقع، وتغمس من خبرة مباشرة، وتستخدم أدوات عقلية باهرة، فهي، استنتاجا، مُنحت هبة عقلية أخاذة.. وقرأت مرة عن مقابلة معها ووُصِفت بالخجل والتواضع. همم، الحجل والتواضع؟ اسأل عن العظماء.. ما أهم صفاتهم؟! السيدات العظيمات مثل هند هم من نعتز بهن.. فهن لا يحاربن ولا يتجرأن على المجتمع، ولكن يقودهن ضوء عملي وقاد.. لا غير!
وفي جريدة اليوم بتاريخ 14 كانون الأول (ديسمبر) كتب الدكتور سعد الناجم مقالا بعنوان:"من المسؤول عن اللشمانيا في الأحساء؟" والدكتور سعد من كتابنا الذين يمكنك أن تتعلم منهم الكثير فأفكاره كبيرة، وأسلوبه في غاية السهولة، وله تفرد في نقل طبيعة الشعور الذي يستحقه الموضوع.. ولما كتب عن منطقته ذاك المقال، فإنك تلمس الألم والحزن وغضب مكتوم تحت قوة من التهذيب الصارم، إلا أنه يصل إليك لقدرة الدكتور في نقل الإحساس، فكيف إن كان يتكلم عن عودة شرسة لمرض شرس وهو "اللشمانيا". أنظر إلى هذا الوصف الذي يحرك قلبك ويهزه هزا:" أكاد أغص بالمرارة وأحجم عن الكتابة في هذا السكوت الذي يفقد معظم الناس المواطنة، والطوفان أيها السادة وصل إلى البيوت بالأمراض ونحن نجامل على حساب أجيالنا المقبلة. رسالة: أتدرون سبب الدم الوراثي في الأحساء وبعض المناطق، وكيف انتقل من مكتسب إلى وراثي؟ إنها الملاريا التي كانت في السابق هي السبب الرئيسي وانتهت وبقي الانتقال وراثيا. فكم حجم الأمراض المتوقعة مستقبلا؟ وما طرق الوقاية والعلاج؟... هكذا حالنا في الأحساء فهل من شهم مجيب؟". من يكون مسؤولا صحيا أو حضَريا ولا يهتز من قوة كلام الدكتور الناجم وما به من الرجاء والغضب والاستعطاف والتحذير.. فلا بد أن البعوض نقل له مرضا عطل ضميره!
وفي الجريدة نفسها والتاريخ ذاته في ملحقها الاقتصادي كتب الشاب "مساعد سعد السيف" عن فكرة تناولناها مرارا في تشجيع روح العمل الحر Entrepreneurship عند الشباب لأن الوظائف لا يمكن أن تكفي الجميع هذا ثانيا، ثم أولا أن أي أمة تحتاج عضويا هذه الروح التي تبني الأعمال الصغيرة وهي مفاصل كل اقتصاد كلي حيوي، والكاتب الشاب يقول:" ليس لأن الشباب مهيأون أو غير مؤهلين للإبداع، لا، بل لعدم وجود قنوات تحتوي هذه الشريحة من الكفاءات الشابة التي تحمل أفكارا جديدة وإبداعات نيرة فهي لا تستطيع أن تقف وحدها خاصة إذا أرادت أن تقدم منتجا مختلفا، فنسبة التعرض للفشل كبيرة." أما لماذا يكون هذا الفشل، فيتابع الكاتب:" فهناك ظروف بيروقراطية في الجهات الحكومية تصل إلى حد التعقيد وظروف اجتماعية وظروف مالية، من هنا نأمل وجود جهة أو هيئة حكومية تقدم الدعم والتسهيلات المناسبة للمنشأة الصغيرة ولأصحابها".
العنوان الرئيس في جريدة الـ "نيويورك تايمز" في 14ديسمبر الجاري: "الختان يقلل احتمالات التعرض لمرض الإيدز إلى النصف".