مقتطفات الجمعة 121

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 121 ، ومبروك علينا أرقام الميزانية الجديدة، عسى أن يصل خيرها لكل فرد في كل البلاد.
 
عرض التلفزيون السعودي برنامجاً خاصا عن الميزانية، أداره زميلنا طلعت حافظ مع وزير المالية إبراهيم بن عبد العزيز العساف. لن أخوض معك فيما تعرّض له من مواضيع وأرقام الميزانية، فلا شك أنك الآن تخوض في معلومات عن الميزانية حتى عنقك من كل وسيلة إعلام.. ولكن أود الحديث معك عن كيف ظهر وزيرنا في البرنامج. من عادة بعض الوزراء أن يحرصوا على أن يرسلوا لنا إشارات بين آونة وأخرى أنهم وزراء في سمتهم، وتصلبهم، وقياس كل كلمة بل كل نفـَسٍ شارد من رئاتهم. وساد شيء من العرف بين الناس بأن كل مسؤول لن يقول لك ما يفاجئك، فأنت تحفظ كل كلمة سيقولها، وربما سمّعتَ له مثل ملقن المسرح لو نسي كلمة هنا أو هناك، كلامٌ مقاسٌ ومعادٌ ومكررٌ ومضبوطٌ كساعة سويسرية.. وكلما علا المنصب كانت هذه الصرامة أشد. ظهر العساف في هذا اللقاء "مرتاحا"، لقد كان نفسه بلا صرامة منصبية، ثم إنه تحاور مع "حافظ" دون أن يرسل إشارات يذكره فيها بالمنصب السـَنِي.. وهذا سمح حتى لرجل مهذب مثل حافظ أن يناور، ويقدم أوجه النقد والاعتراض والندية الميسرة. كان الوزير معلوماتيا بالفعل وأعجبني تعريجه على اتفاقية "مايسترخت" مصححا مفهوما عند طلعت في مسألة تداول الإقراض الداخلي ، وهي اتفاقية محورية في هيكلة السوق الأوربي. لقد قدم لنا معلومات متفائلة، وهذا متوقع، ولكن لم يبالغ في طرد حقائق لا تخفى على أحد.. كان الوزير عموما في نفـَسٍ جديدٍ نتوقع أنه يكشف عن روحٍ رسميةٍ جديدةٍ في التعامل مع الشأن الوطني، ومع الإعلام.. وأن الوزيرَ إنسانٌ يحمل منصبا، وسيعود إنسانا بعد المنصب.. لا أكثر!
 
في مقالة وصلتني عن طريق البريد ونشرت في جريدة "الجزيرة"، للدكتور محمد الجهني رئيس قسم الهندسة النووية في جامعة الملك عبدالعزيز بعنوان: "حقيقة تقويم الجامعات السعودية" يفند فيها القائمة سيئة الصيت التي رمت جامعاتنا في نهاية الطابور العالمي، وأفاد منطقا وبحثا واستدلالا وبأسلوب أكاديمي معزز بالمراجع والمقارنات المقابلة توصلنا لنتيجة عدم قابلية القائمة من أصله. وأود أو أورد بعض ما كتبته في جريدة "اليوم" عن الموضوع:" العبرة في النتائج: لو كنتُ هنديا ما همني ترتيب جامعات بلادي في أي قائمة ما دمت أعرف أن العالم – وليس أنا كهندي- يعترف بأن معقل العقول البرمجية في الدنيا هي في الهند، وما دام العالم يعرف أن جامعات بلدي تخرج أفضل الأطباء وأفضل الممرضين والممرضات، وأفضل من يتكلم الإنجليزية خارج بريطانيا، وأحيانا حتى داخلها. ولا يهمني كصيني ترتيب جامعاتي مادام علمائي يصنعون للعالم كل شيء ويقدمون له أي شيء.. واليهودي لا يبحث عن ترتيب جامعاته بينما العالم يقول إن 70 في المائة من أي جهاز إلكتروني متطور يحوي الشرائح المتناهية الصغر الإسرائيلية." يعني وبأسلوب نرجو أن يخلو من الحدة وكأن ما يكتبه الناس تعني اتهاما لأحد أو تقليلا، فإن أي عقلية صحيحة تؤمن أن يُحكـَم بالنتائج: إذا كانت مخرجات جامعاتي تقنعني وتقنعك وتقنع المخرجات نفسها، فلتذهب القائمة سيئة الشهرة، إلى.. أي شيء في التاريخ!
 
ما قصة الانتحارات التي زادت وتيرتها في مجتمعنا؟ تفتح الجرائد من زمان وتقرأ أن هناك في بلاد بعيدة ناسا ينتحرون ثم تروح لحياتك العادية، لم يخالجنا أبدا يوما أننا سنقرأ ذات الأحداث تصير عندنا، وكأننا انضممنا إلى منظمة الانتحار العالمية. لابد أن تعالج هذه المسألة، لا أقول لكم غيروا الظروف مثل أن تحسنوا سوق المال لأن هناك من انتحر لأنه لم تعد هناك شبكة نجاة في حياته، ولن أحكي لكم قصة الطفلة التي أعرف قصتها من تعذيب والدها وكل مرة تحت أنظار المستشفى.. ولما يئست قررت أن تنهي المسألة بطريقتها فانتحرت.. وكل منا عنده قصة. ولكني أتكلم عن دور إما أنه مفقود، وإما أنه موجود ولكنه مثل المفقود، وهو العلاج النفسي الممتهن والاحترافي والسهل الوصول.. صحيح نحن ناس لا نطرق أبواب المعالجين النفسانيين لأننا لا نؤمن بأن العارض النفسي مرض ولكنه إما جنون وإما وسواس، وهذا الحكم يعطل كامل المسيرة العلاجية قبل أن تبدأ، نريد خطين متوازيين خط كما هو الاصطلاح المحبوب هذه الأيام "تجفيف المنابع" أي تحري أسباب الانتحار بمهمة بحثية تكون في أهمية القضايا الاستراتيجية، ومن ناحية أخرى توعية كاملة للعلاج النفسي للناس وللمعالجين النفسيين أنفسهم الذين أميل للاعتقاد أنهم لم يمارسوه مهنيا كما دُرس لهم خصوصا في الخارج، ولا بد أن يشفع هذا تأصيلا بالقضية الإيمانية، فكما استطاع نفرٌ منا إقناع شباب بالسقوط في مهاوي الموت والإرهاب، فما الذي يحول دون إقناعهم بمبررات الحياة؟!
 
و"التايم" الأمريكية العالمية في عدد 25 كانون الأول (ديسمبر) الجاري اختارت "شخصية العام". أما من شخصية هذا العام فاشتر المجلة وانظر في الغلاف وستتعرف من شاشة الكمبيوتر الصقيلة كالمرآة فورا على الشخصية، وهي : أنت. وحين اشتريتها كنت أنا. هو الفرد في هذا الكون المتعامل مع الإنترنت حيث يجول بعالمه وحده، ومن الممكن أن ينشئ عالما ومجتمعا وإعلاما له وحده بلا دخيل، ومن الممكن أن يطلع عليه كل العالم بلا حائل، إنه في رأيي الانهيار الأخير لنظرية الإنجليزي جورج أورويل " الأخ الأكبر". (ربما) شخص واحد لن يؤمن بشخصية العام، وسيتجاوزه العالم من غير أن يشعر بوجوده، وهو المأسوف على دوره: رقيب الإعلام!
 
أما أكثر المجلات رصانة في العلم الجغرافي والحضاري البشري " الناشنال جيوغرافيك" والتي تحرص على أن يكون موضوعها الأول عن موضوع كوني بعناصره المقننة، فقد وقع اختيارها في عدد كانون الثاني (يناير) للعام 2007م على أكثر مدن العالم حرارة في النمو.. ما هي؟ طبعا حزرتم: دبي. لم أكن أعتقد أن المجلة البيئية الرصينة ستختار دبي لاعتقادي بأن مشاريعها الخرافية ( تعتبرها المجلة المعجزة الكونية الثامنة) داخل البحر، قد أربكت السمت الأيكولوجي البحري مثل مشروعي النخلة والعالم ( الأثمن في العالم)، ولكنها وإن أشارت إلى ذلك، إلا أنها اعتبرت نموها رفيقا بالبيئة. ولقد ابتدأت المجلة بأسلوب رومانسي :" في يوم من الأيام كان هناك شيخٌ يحلم, فبينما كان الناس يرون دبي عبارة عن قرية سماكين وخور بحري ضحل، كان هو يحلم أن يكون الخور طريقه السريع للعالم. في عام 1959م استدان الشيخ راشد بن مكتوم من الإمارة الغنية الكويت عدة ملايين من الدولارات لتعميق الخور لتصل السفن." ثم كتبت أول صفحة أسطورة اسمها دبي، التي تقول المجلة إن هواءها يفرقع بالفرص، أسطورة ما زال التدوين في صفحاتها جاريا!
 
.. مع السلامة.