مقتطفات الجمعة 114

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 114 . أرجو أن تتمتعوا بالقراءة.
 
إخوتنا فلسطينيو اجتماع مكة: "أفلحتم إن صدقتم". عن كل فردٍ في المملكة العربية السعودية، وكواحدٍ من مواطنيها، عن كل عربي في هذا الوطن العربي المثخن، وكعربي، عن كل مسلم على هذا الكوكب، وكمسلم، أناشد وأطلب من الإخوة (لن أقول الزعماء) الفلسطينيين المجتمعين في أطهر مكان أن يعدونا فقط بشيءٍ واحد، لا أكثر: أن يلتزموا أمام الله ثم أمام أهلنا في فلسطين، وأمامنا كعرب وكمسلمين بما قالوه بعد اجتماع الأربعاء السابع من شباط (فبراير) الجاري.. لا غير!
 
تركي الحميدان، أخونا الحبيب: أين أنت؟ كيف أنت؟ متى تأتي؟ لم غبت عنا؟ لا تقل لي إنك رغبت في البقاء هناك.. ولا تقل لي إننا نسيناك.. هناك. هيا، تعال نحن في انتظارك.
 
لم يبقَ على أكبر وأعرق معرض كتاب عربي إلا أن يساق للتكهين, وهي العبارة المصرية التي يستخدمها المحاسبون المصريون الحكوميون عندما يحيلون أصلا من الأصول إلى ركن النهاية والنسيان .. ثم عمت الدواوين العربية. كان معرض الكتاب في القاهرة لهذا العام أي شيء إلا أن يكون معرضا للكتاب، إن جو الكآبة والغبار اللذين تضافرا معا كان دليل ما قبل نهاية الحياة، أو اجترار حياة لا بد أن تدفن إكراما لها. ليست الظاهرة فقط في التنظيم المدقع، ولا التجهيز البالي، ولا ركام الكتب المزكومة، هناك ظاهرةٌ أهم: ضياع الإبداع. لا كتب تستأهل أن تكون إبداعا، بينما قرأت كتبا الشهر الفائت من أمريكا، والآخر ترجمة إنجليزية عن الإسبانية، وكاتب هندي، وكتاب عن كاتبة صينية، وأقرأ لكاتب ياباني ترجمته بنت إنجليزية، كله إبداع، وكأن المطابع في العالم لم تعد تخرج إلا إبداعا. بينما حالة كتبنا مؤسفة، تراوح بين الرواية البائسة إنشاءً وضعف ثقافةٍ ومراجع، أو اجترار لقضايا ثقافية دارسة وتعداها العالم، وغيابٌ رهيب للإبداع القصصي الموثق، والأدب العلمي، وطبعا لم ترج الكتب حيث بقيت كتبٌ لم يُبع منها نسخةٌ واحدة.. الذي سجل مبيعات كبيرة هي عرباتُ الأكل السريع (رغم بؤسها).. وأما أسطع الحضور: المللُ العظيم.
 
قضية "طليقة النسب" شغلتنا، وتلقفتها مواقعُ خارجية. يجب ألا أتكلم هنا كشرعي، أتكلم كمسلم يؤمن إيمانا قاطعا، وبضمير مرتاح أن الإسلام يضع الأسرة في المقام الأول، ويبشر أننا كالبنيان المرصوص، كل طوبة تهتز ستربك ثباتَ الجدار، الذي بشرنا أن الجسدَ الإسلامي كيانٌ واحد إن شكى عضو تداعت بقية الأعضاء، الذي وضع صلة الرحم وتماسك الأسرة وصحة بيئتها في أرفع مقام، فكيف لي كمسلم بسيط وعميق الإيمان بعظمة دينه أن يفهم أن تفكيك أسرة قائمة، وتدمير حياة أطفال إلى الأبد لا ذنب لهم بأي خطأ ارتكبه الأبوان، بفعل نصٍّ إسلامي يرضى أن يرى أفرادا ستنتهي صلاحية حياتهم ثم يختم عليها بالموافقة. وكان الأستاذ "إبراهيم محمد باداود" أكثر وضوحا وأجهر رأيا حين كتب في جريدة "الاقتصادية" هذا الأربعاء مقالا بعنوان" "خالي كوهين"، وانظره يقول: " ... ديننا دين المساواة فكلنا لآدم وآدم من تراب ولا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، فما علاقة التقوى بالقبيلة؟ أين نحن من أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لفاطمة بنت قيس، رضي الله عنها، أن تنكح مولاه أسامة بن زيد، رضي الله عنه، وأين نحن من زواج سيدنا بلال بن رباح، رضي الله عنه، من أخت عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه، بل إن ديننا أباح لنا أن نتزوج من النصرانية واليهودية وإن جاء الأبناء فقد يكون خالهم كوهين أو تكون خالتهم مارجريت فكيف برجل مسلم تشهد له زوجته المسلمة بالاستقامة أن يدعى عليه بعدم كفاءة النسب فيحكم القاضي بالتفريق بينهما وتؤكد ذلك محكمة التمييز؟!". أما عني، لست واضح الرأي وقوي الجنان كالأستاذ باداود، ولكني مسلم بسيط مشوّش، قلبه يعتصر حزنا على عائلة هانئة، ثم انتهى هناءها إلى الأبد. والله رغما عني لا أجرؤ أن أقول إن السبب في هذا هو شرع دين الإسلام. اللهم عفوك، اللهم رحمتك لهؤلاء الصغار.. اللهم لا تؤاخذني.
 
كتاب الجمعة: لو أن هذا الكتاب يؤكل، لكان على مائدتي الآن. كتابٌ ضخم، سطوره مكتظة، حروف متراصة على طول 670 صفحة، كل كلمة تكال بمكيال. الكتاب الفذ لكاتب مؤرخ، وعالم، وساحر لغة اسمه: جون جوليوس نورويتش J.J.Norwich والكتاب بعنوان البحر المتوسط The Middle Sea وعبقرية العنوان اختيارُ كلمة وسط " ميدل" مشيرا إلى البحر المتوسط، ولم يـستـخدم كلــمــة The Mediterranean. والكتاب توثيق حضاري لدور هذا البحر الذي اعتبره المؤلف أندر البحور عبر كل الأزمان، فعلى ضفافه مهدُ أولى الحضارات الإنسانية البازغة، كالحضارة المصرية المبهرة، واليونانية، والرومانية، ومنه أشعت أعظم وأبقى الديانات، اليهودية ثم المسيحية ثم الإسلام. المتوسط كتابٌ تاريخي من الماء دارت فوقه المعارك الكبرى التي غيرت مجرى التاريخ، وأبحرت فوقه مراكب التجارة والمعرفة، والمترحلون والبناة والفاتحون والقياصرة والعشاق والقراصنة، كتاب من ماء ألهم كتـّابا شموسا عبر القرون من هومير وفيرجيل وصولا لنورمان دوجلاس، وباترك ليف، وكاتبنا هذا.
 
والدقة في الكتاب أن ما يعنيه هو ما يجري على أو حول ضفاف المتوسط ، أي حضارة أو دولة مهما كانت قيمتها لا يُعنى بها الكتاب ما دامت غير متوسطية، فلم يقم شأنا لفرنسا، لأنها مهتمة شمالا، ما عدا مرسيليا الجنوبية، أو بتاريخِ أثيل مثل المغرب واعتبرها دولة أطلسية. لم أقرأ كتابا علميا - مع أني قرأت كتبا شيقة علمية لمثل إسحق عظيموف الأمريكي العبقري الراحل - إلا أن تتناول بحرا، ثم يكون قصة علمية غرائبية تأخذ النفـَسَ وتغذي العقلَ وتطوي الصفحات، فهذه تجربة فريدة.
 
ومن الأستاذ محمد عبد الرحمن الزامل، وصلتني هذه الرسالة الهاتفية:" 542 رواية صدرت هذا الشهر في فرنسا. المصدر: المنتدى الثقافي – الشرق الأوسط" . ثم يعقب: ".. اللهم لا حسد!"
 
هل صحيحٌ قولُ الشافعي: ولا تعطين الرأيَ من لا يريدُهُ فلا أنتَ محمودٌ، ولا الرأيُ نافِعُهْ .. أترك الإجابة لكم.
 
مع السلامة..