مقتطفات الجمعة 111
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 111 ، وأرجو أن تنال رضاكم.
شيء مؤسف الحادث الذي وقع ضد فرنسيين في المملكة ومقتل أربعة منهم كخسارة فادحة ولا تعوض. فالحياة يجب أن تكون عندنا مصانة، ولكن هي هذه الأيادي التي تريد أن تقتل من يقيم في البلاد – أحيانا باختيارٍ عشوائي - وهي عن قصد أو بغير قصد، سيان، تضرب الرصاصة في رؤوسنا، وتوغل الخنجرَ مثلوما في ظهورنا. الفرنسي اليافع الذي فقد حياته على أرضنا جاء لا يحمل إلا قلبَ مراهقٍ لا يعي أي خلاف حضاري أو سياسي، جاء مطمئنا مع عائلته ليعود مطمئنا، وهو لم يذهب بتصوره وأهله لمستنقع حروب، بل لأرض صلبة يقف عليها بثبات الأمن وحفظ الأمن، وحماية الأجنبي مهما كان كما هي حماية صاحب الأرض. لم يدُر بخلده أبدا أنه لن يخرج منها حيا، ولا أهله.. ولا نحن. لذا يا فرنسا لا ندري هل نعتذر؟ فنحن قطعا لم نفعلها، ولن نفعلها. إنها أيادٍ تنبتُ من حقول الشر في الخارج أو الداخل.. إننا لا نزرع حقول الشر ضد الآخرين, بل نحن نبحث عنها، ونزيلها من جذورها.. ولكنها ثمار زقوم انفلتت من المجهول عمياء فتصيبنا وتصيبكم. خسارتنا تماما كخسارتكم.. نؤمن أنه لما يأتي ولدٌ فرنسي لأرضنا فهو مثل ولدنا.. والذي مات إذن سبب ألما غائرا لكم.. ولنا. كما أن المسلمين الذين في أرضكم لا ذنب لهم بما يجري من زارعي حقول الشر.. فهم في حمايتكم أيضا، وهذا ما نقدّره، لأننا نفهمه تماما فنحن نقوم بالمهمة نفسها هنا.
عبد الله عمر خياط من أعرق الكتاب الصحافيين في المملكة، ولن يمكنك أن تستعرض الكتابة الصحافية في مخيلتك دون أن يلمع نجمُ عبد الله خياط شاهقَ الحضور. والبازغُ في الرجل الكبير هو التزامُه المطلق بقضايا مجتمعه، ولم يقدم نفسه أبدا فوق أو تحت ذلك.. التزامٌ يعني أنه ربط مصيره عقلا، وضميرا، ومهارة، وحنكة، مع مصير بلاده.. ثم سار. تعرّض الأستاذُ الكبير لموضوعٍ مهم، جمرٌ تحت الرماد حاول الأستاذ خياط أن يمسح الرمادَ ليرى المجتمع الاقتصادي مدى خطره. فمقالته المعنونة "لجنة المنازعات المصرفية.. ومخالفاتها" التي خرجت بتاريخ 27 شباط (فبراير) في جريدة "عكاظ"، يجب أن تقف عليه أعلى سلطة اقتصادية في البلاد.. فأنا كواحدٍ من الناس أفزعتني كلمة (مخالفات)، لأنها جاءت كالتهمة المبرمة. أي زللٍ تقوم به لجنة استراتيجية بهذا المستوى سيغور أثره الممرِض في النخاع الاقتصادي. إن معظم الذي هز اقتصاديات أعتى دول الدنيا من الفساد العظيم في أمريكا في أول الثلاثينيات إلى انكماش الاقتصاد الياباني، هو مسألة تسوية القروض المصرفية. صحيحٌ أن هناك اتفاقيات مكتوبة من الممكن أن تقصف رأسَ المقترض في الحال، وصحيح أن مسؤوليته أنه وقع الاتفاق، ولكن الأمور ليست اتفاقات عمياء, إنها نظرة بانورامية كاملة لاقتصاد البلاد، ومن ثم نظرة واقعية لإتاحة القدرة على السداد، والإ ضاع الديْنُ لما ضاع مقترضُ الدين.. فمن الرابح؟ لا أحد. إن جاز ـ وهذه أيضا كلمة مريعة- الخروج عن التعليمات في أي مجال، إلا أن المخالفة في لجنةٍ حيوية لا تعطي فسحة استيعاب المخالفة. إنها سمومٌ تصب تماما في الدم.. بلا مناعة وبلا محاولة الوقاية. الأستاذ خياط ليس رجلا صنعته الأعمال والمال حتى يهتم لأمرٍ يخصه.. وهنا الذي يجعلنا نضع أيادينا على قلوبنا لما يحذرنا. أذكرك أننا قلنا إنه ربط مصيره بوطنه.. ومضى!
لو قرأت الصفحات الأولى يوم الأربعاء الفائت في كبريات الصحف العالمية كـ "الواشنطن بوست"، و"النيويورك تايمز"، و"التايم"، و"الهيرالد"، لوجدت عنوانا واحدا وبالخط الناري الأحمر: "سوق الأسهم الصينية تهوي، فتهوي معها أسواق الأسهم تباعا كتيار كهربائي صاعق بدأ من الصين وسرى برقا إلى البوصات الآسيوية، ثم الأوروبية، وعبر المحيط للولايات المتحدة.. في ساعات. أما الهبوط الكبير فحدث يوم الثلاثاء 27 شباط (فبراير) ليهز بعد ساعات مؤشرات السوق في اليابان وهونج كونج وأوروبا, ثم إلى مؤشر داو جونز "للمعدل الصناعي"في بورصة نيويورك، منخفضا قرابة أربع درجات في المائة (تعدى 416 نقطة) كأكبر انخفاض منذ انخفاض شهر آذار (مارس) عام 2003. وغرق السوقُ عميقا في الأحمر. وبالمناسبة فمن أسباب الأزمة الصينية في سوقها المالي هو التحذير الذي سبق للحكومة أن وجهته للمصارف الصينية بعد التوسع في عمليات الإقراض للمضاربة في السوق(!).. ألا يذكرك هذا بشيء؟! أنا أقول لك: لا تلم كثيرا هيئة المال عندنا.. إن العالم صغير، والناس والمصارف يعيدون الأخطاء نفسها.. والكوارث نفسها. وكأن العبرة من دروس التاريخ مجرد خرافة!
استضاف منتدى آل زامل في المنطقة الشرقية الإخصائي النفسي الدكتور خالد بازيد، واختيار بازيد ليكون محاضر اللقاء هو الاعتقاد بما أسميه عندنا الطب المفقود.. وهو الطب النفسي. ما زال مفهومُ الأمراض النفسية محاطا بأوهام الخرافة والعار. لذا فإن مرضانا النفسانيين تتفاقم حالتهم لأننا لا نفهم السبب العلمي لهذه الاختلالات العقلية والتفاعلات الكيميائية والكهربائية في أدمغتنا فنلجأ للمعالجة الخاطئة.. إن المريض النفسي تماما كالمريض العادي لمرضه أسبابه وظواهره وسبل علاجه، ويجب أن تكون زيارة الطبيب النفسي مثل زيارة الطبيب الباطني لا فرق.. ولكن المسؤولية بالنهوض بالمفهوم الصحيح لا تقع على الناس فقط بل على الأطباء النفسانيين عندنا الذين يصفهم البعض- للأسف بوجود بعض الأدلة - بأنهم أطباء البروزاك.. البروزاك لا يمكن أن نعتمد عليه لعلاج مرضانا النفسانيين كما يجب ألا نعتمد عليه لصرف أجور الأطباء النفسانيين. وكانت محاضرة الدكتور بازيد متخصصة ودقيقة علميا في تربية المراهق الذي تفور في كيانه الهرمونات، وهي عملية حيوية كيمائية حتمية لابد أن نعيها قبل أن ننتقد تصرف المراهقين. ولقد كانت النتيجة سريعة ولحظية فجاءت أسئلة الحضور والمستمعات من واقع الفهم العلمي لمحاضرة علمية.
وأخيرا: أطول رحلة، هي المسافة بين شخصين!