سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 107 ، أرجو أن تحوز رضاكم.
استعاد اللهُ أمانته في العم أحمد عبد الله العلي الزامل، وكان أحبابه – وهم أعداد غفيرة تشمل المنطقة الشرقية، والقصيم، وأنحاءَ البلاد، وبعض دول العالم- يحبون أن ينادونه بأبي طلال. كان أبو طلال من أشد الرجال لمعانا في المنطقة، وكان لمعانه فيما لا يتاح لإنسانٍ واحدٍ إلا نادراً، لأنه أضاء أكثر من ميدان من ميادين الحياة في الأعمال وفي المجتمع، فهو عقلٌ نفطيٌ عريق، وهو خبرةٌ صناعية متخصصة، وهو قائدٌ إعلاميٌّ موفق.. وأهم ما كان الرجلُ الكبيرُ يملكه هو ذاك التغلغل العجيب في قلوب الناس، ولو فُتح العزاءُ شهوراً لما انتهى تقاطر الناس، ولو كل مقال كتب عنه نُشر لما وسعت الصحف، بلا أقل مبالغة.. وأنا هنا أرتكب خطأ مخلا جالبا الفعل الناسخ "كان".. فالناس ما زالوا يحبونه وهذا الحب سيبقى. عاش أبو طلال فريدا في شخصيته، وفي ذكائه وفي طاقته الطاحنة حتى له، وفي علاقاته، وفي سحر شخصيته التي لا تجارى.. حجم أعماله يذهل ويكاد يفوق التصديق من الوهلة الأولى. إلا أن هناك آلة صوتية واحدة لم يكن يملكها العم أبو طلال، ولم يرد، ولم يسمح لأحد بجواره أن يحملها.. إنها آلة الطبلة! مشى في الحياة ومضى بلا صوت.. ولكن يا حبيبنا الكبير: من ذا يستطيع أن يسكت صوت الأعمال؟! *** * لماذا يقول الأستاذُ "طارق العبودي" في مقالته في جريدة الرياض في عدد الأمس، إن قمة الرياض هي قمة الفرصة الأخيرة؟ هل يعني هذا رأيا شخصيا أم يعبر عن حالةٍ عامة؟ واضحٌ أن الكاتبَ يُعبر عن شعورٍ عام حين يلتقي أكبر صنـّاع القرار في العالم العربي ثم تضيع في النهاية كبرى الفرص. حتى الآن لم تنجُ قمة واحدة حتى بالخروج بمجرد اسمها، مما زعزع ثقة الشارع العربي حتى بقي شرخا في الأرضية النفسية العربية. ولكن الأستاذ العبودي يرى الفرصة الكبرى الآن هي في وجود الملك عبد الله كزعيم يتمتع بثقل كبير وإخلاص أكبر لقضايا مجمع الأمة. هل السيد العبودي بالـَغَ، بحكم حبه المنقطع لمليكه؟ الحبُّ لا نناقشه فهذا أمرٌ محسومٌ، ولكن ألا يقيّدُ الحبُّ الرأيَ؟ بلى. ولكن الذي أيد رأي العبودي أعمالٌ مسجلةٌ للمك عبد الله، فلكل إنسان هبة، وهبة الملك عبد الله الكبرى هي الوجدان الكبير، وهذا ما يتلمسه الجميع بكل الأطياف، لذا برأيي- وأظنه رأي الأستاذ العبودي أيضا - أن الملكَ عبدالله يحب السياسيون أن يثقوا به بكل أطيافهم، وهذا ما يوفر عنصراً نادراً لجمع الآراء ووضع الحلول. لم يتوفر للأمة من قبل رجلٌ يحمل كل هذا الوجدان، وكل هذا المنبع من الثقة. هذا ما نعتقد أنه الظن الأصح، ألا ترى ذلك يا أخ طارق؟.. لا أستسيغ صفة "الأخيرة"، فالدنيا مفتوحة بتجاربها وإخفاقاتها.. ولكن يؤلمني أن قلبي يوافق ما قاله السيد العبودي. والأيام حبلى!
" اللومُ الحقيقي علينا نحن القادة وخلافاتنا أفقدت الأمة الثقة في مصداقيتنا... فماذا فعلنا طيلة الستين عاما؟" - الملك عبد الله مخاطبا الزعماء العرب في قمة الرياض. هل سمعتم هذا النقد الذاتي في عالمنا العربي وفي قممنا من قبل؟ من سمع فعلاً، فرجاءً.. أرجو أن ينعش ذاكرتي!
ويكتب الأميرُ الشاب تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز رثاءً في الفقيد أحمد العبد الله الزامل في جريدة اليوم عدد الأمس، فيقول" لقد اقتربت من "أبو طلال" يرحمه الله، وشاركته هموم الإدارة في شركة أسمنت الشرقية، فرأيت فيه الرجل المخلص الذي لا يبخل برأي ولا يتردد في إبداء نصيحة، متسلحاً بثقافة إدارية غزيرة مكنته من التعامل بحنكة في أحلك المواقف.. أضف إلى ذلك تعامله الأبوي الحاني، وابتسامته الصافية التي لم تغادر محياه، يعززها قلب كبير..". سقتُ لكم هذه العبارة فوق أنها – معترفا - تسرني شخصيا، إلا أنها مدلولٌ عام على نمطين من الشخصيات، نمط الأمير الشاب الذي يذكر بإكبارٍ وبروح الابن لمن جاوره إداريا وبتجربة شخصية فتحمس له وأبدى مزاياه وأقرّ بقدراته.. ونمط رجل كان يترك هذا الانطباع كما قلت في كل أطياف الناس. وهنا تختلط العاطفة، فهل تزجي إعجاباً بالأمير الشاب؟ أم تأخذك عاطفة الإكبار لرجل كان أكبر من الحقيقة؟ أم كليهما؟!
دعوني أناقش معكم هذا المرض الذي يسمى السرطان. لماذا كل ما ذكرناه ألصقناه بالوصف المريع "خبيث"؟! لقد تغير وجه والدتي وأنا أنقل لها أن شخصاً غالياً ابتلي بالمرض الخبيث، فقالت على التو: "إن الله يا بني لا يرسل خبيثاً، بل سمّهِ مرضَ الرحمة، إن خرج المريضُ من محنته فهي رحمة، وإن قضى اللهُ أمراً كان مكتوبا فهي الرحمة ـ لأن المرضَ تطهيرٌ للعبد، وكلما اشتدت تجربة المرض كان التطهير أمضى، وعاد المريضُ لربه أنصع مما كان قبل المرض". فكرت في كلام والدتي كثيرا، وقلت وليكن! لماذا نسميه خبيثا؟! لماذا نلقي الروعَ في قلب المريض من أول ما يلامس خلاياه ليتلاعب بأدائها؟ ما يضرنا لو سميناه مرض الرحمة؟! ما الذي يمنع من استخدام اسم مريح لمرض غير مريح فيقلل من قسوته ولو أقل القليل، ولو ومضة راحة بالذهن؟ لماذا نزيد قسوته بصفةٍ أقسى؟ نقلتُ رأيَ الوالدة لمريض غال وواحد من شجعان الأرض، وراسخي الإيمان، فلم يعد يرى إلا الرحمة، وزاد سفورُ وجهـِهِ سفورا!
من أوقع جُمـَلِ التعازي التي نُشرت في الصحف: "أحمد زكي يماني، ينعى أخاه وصديقه أحمد العبد الله الزامل".. يا لحجم الوفاء في قصر العبارة!
مع السلامة..