مقتطفات الجمعة 98
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 98 ، أرجو أن تنال رضاكم.
تسلم الأميرُ خالد الفيصل مقاليدَ إدارة منطقة مكة المكرمة أميرا لها، أهم مهمة في كل مهام الأمير على الإطلاق، وستكون أعلى مرحلة من مراحل حياته من غير مقارنة. وسيكتب التاريخ فصلا جديدا ومهما للأمير، فإدارة مهمة مثل هذه لك أن تطلق أي صفة عليها، إلا صفتين "سهلة" أو "أكيدة". إنه السير على حبلين معلقين في آن: حبلُ إدارة منطقة كوزموبولاتينية (أي يتقاطر عليها أجناسُ العالم) من هندسة البناءِ التأسيسي، إلا سعة الجهاز الخدمي، إلى الضبط الأمني، إلى الارتقاء بمدن المنطقة وأولها جدة – التي ما زالت تعاني التهابا إداريا حادا، نرجو، بلغة الأطبّاءِ، ألا يكون مزمنا - إلى مصائب بشرية قابلة للانفجار، هي الجاليات المتبقية من سنين في المنطقة بكل تراثها، وانفلاتها، وعشوائيتها، وتطفلها على أنسجة المدن والمجتمع، إلى الأطباع السلوكية البيروقراطية المعطـِّلة التي تلاحظ في الدواوين الرسمية. وحبلُ الإدارة الروحية الدقيقة والحساسة والبالغة الرقة في غشائها بحيث إنها تكاد تمزِّق نفسها لو لم تمتد يدٌ وتتعمد تمزيقها، أيّ هتكٍ لهذه الشبكة الرقيقة سيضرب في وجدان كل مسلم على الكوكب لا يرى أن هويته الحقيقية في الدنيا، ولا مآله النهائي لبوابة الدينونة والخلود إلا عن طريق أرض مهوى قلوبهم المقدسة. إنها مهمة فوق أي مهمة في العالم.. صدقني!
وفي جريدة "المدينة" عدد الأمس الخميس 30 من مايو الجاري، خبر كتبه الأستاذ عبد الهادي خلف، عن دعوة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي علماء الأمة إلى عدم الخجل من كلمة " لا أدري" مؤكدا أن هذا كان نهجُ الأئمة العظام. ويصيب العالمُ الكبيرُ قلبَ الحقيقة، فما قادنا إلى أنفاق الخلاف والدم والإرهاب والحقد إلا أن كلمة "لا أدري" اختفت، لأن "العلماءَ العارفين" صاروا بندرة اللؤلؤ الأسود، رحم ربي من قال :" من قال لا أدري فقد علـِم." وها أنت ترى أسواقاً للفتوى تأتيك من كل مكان، من صِبْيَةٍ لم يغادروا مهادَ العلم، ومن مدعي المعرفة، ومن موغري الصدور، بل حتى من يقف من الجهة الأخرى من الدنيويين (سمهم المتحررين أو الراديكاليين.. على كيفك) صاروا يلقون مغارفـَهم في عيون الفتوى.. هل تسألني من له السُلطة كي يقرر من يحق له الإفتاء من عدمه؟ يا أخي .. "لا أدري"!
انتشرت صورةٌ في صحف العالم لحالة إنسانية مزرية في عام 1951 من واقع حال المهجرين من عرب فلسطين بعد نكبة 1948، خيام بالية في نهر البارد شمال طرابلس اللبنانية بجوار الساحل، والذي كان أشد تمزقا واعتراءً من الخيام، هم سكان المخيم. يحق لمخيم نهر البارد إذن أن يسجل نفسه أمام التاريخ كأول مخيم يقيمه اتحاد جمعية الصليب الأحمر الدولية للفلسطينيين المنزَّحين من قرى الجليل شمالي فلسطين. نهر بالبارد اليوم جرحٌ يرعُفُ دما قانيا في شمال لبنان، هذا النسغُ الصغير الذي ولغت فيه سمومُ التفرقة، والخطط اللئيمة، وغـُرست بالأرض شتلاتُ الموت الأسود. إن منظرَ المخيم الآن يعطيك الصورة القاتمة للمشهد اللبناني، ساحة المعركة التي تقيمها أطرافٌ بالداخل نيابة عن أصابع، كمناجل الموت، من الخارج.. وتـُشـَبُّ فتيلاً نارُ عراكٍ من عقولٍ صغيرةٍ في الدائرة السياسية اللبنانية حيث المصلحة الضيقة، والنزَق الصبياني، والاندفاع الأزعر تقود القرارات التي سيدفع الوطنُ الصغيرُ ثمنها، ليس فقط في ما نراه اليوم من تدهور الحالة اللبنانية، ولكن، ولحزننا الحارق، سيستمر لعقود.. إن غرسات الموت لها ثمارٌ قاتمةٌ حادة ولاذعة وعمياء اسمها الانتقام، والانتقامُ لا يفهم ديناً ولا مذهباً ولا طائفة.. إنه ثمرة الموت من نبتة الموت يسقيها الغضبُ والغباءُ العدَمي، لمصلحة من؟ لا أدري!
ظهْرُ لبنان مكشوف لكل نصلٍ خارجي، من كشفه للأصابع المنجلية الخارجية؟ لا أدري!
سيتغير اسم نهر البارد، إلى نهر البارود.. هل أسجلُ الاسمَ كبراءةِ اختراعٍ لي، أم سبقني أحد، أم سبقني البارودُ نفسه؟.. لا أدري!
جميل ما حصل من إدارة تعليم البنات في المنطقة الشرقية، وكبُر إعجابي بعقلياتنا التعليمية النسائية. ربما تتفق معي غرابة أن يقام ملتقى من موجهات علم من العلوم من أجل ماذا؟ من أجل كتاب.. ولكنه حصل. في يوم الأحد الثالث من جمادى الجاري تمت إقامة الملتقى التربوي الثالث عشر لمشرفات العلوم الدينية في المنطقة الشرقية حول كتاب "دليل معلم العلوم الشرعية" الذي أعده محمد بن عبد الله الدويش وسليمان بن سعد الخضير. ولقد عرفت، مما وصلني، النقاشات التي حصلت والتعليقات حول مواضيعه وأفكاره، وذلك بعد أن تم مسبقا قراءة الكتاب من كل مشاركة. موضوعَ الكتاب مهم فقد أطلعتُ عليه، والأهم هذه الروح العلمية التي تتقاطر فيها صانعاتُ المناهج التدريسية من أنحاء المنطقة الواسعة من أجل كتاب.. أرجو أن أرى ملتقيات قادمة لموجهات اللغات، والعلوم التطبيقية، والرياضيات والعلوم الإنسانية، ثم مؤتمرات أوسع للمدرسات والمدرسين من أجل نقاش كتاب منهجي قرأه مسبقا المشاركون وخرجوا بانطباعهم عنه. هل هذا سيكون ديدن إدارة التعليم في المنطقة، وباقي الجهات التعليمية في البلاد؟ أم هو بالفعل ديدنهم ولكن كنت لا أدري؟.. لا أدري!
وتفقد عائلة بريطانية طفلتها ذات الأربع سنوات، "وبوحمة نادرة في حدقة عينها اليمنى" في البرتغال. ثم تقوم الصحافة البريطانية ولا تقعد، ويلحقها جبروت الميديا الأمريكي ولا يقعد.. ويكون همُّ الأمة البريطانية طفلة فُقدت. تسألني ما سر أن يكون فردٌ من عشرات الملايين بهذه الأهمية القصوى في دول الغرب؟ أسألك أنا.. هل تدري؟!
أخيرا.. لا أدري!