مقتطفات الجمعة 96

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
في ضميري أن الشيخ عبد العزيز التويجري لن يرضى أن أقف حزينا، ثم أُجري الحزنَ خطـّا كاملا. قد عرفناه رجلا عمليا حكيما لا يعرف الالتفات إلى الوراء إلا لأخذ العبرة.. وعندي، بما يشبه اليقين، أن جيلي إن لم يعلم، فأجيالٌ قادمة قد تعلم الدورَ الكبيرَ الذي ساهم فيه الراحل الكبير لصياغة شخصية هذه البلاد، يفوق ما نعرفه اليوم، "ربما" ما وصلنا عنه هو قمة جبل الثلج، وما تخفيه لجة الحاضر أعظم. شيخنا ومعلمنا انتهت رحلةُ خلاياه المجهدة، وسيبقى نتاجُ عقله العبقري قبساً مضيئا لكل حاطبٍ في الظلام.
 
هذه الزاوية من المقتطفات تتوج الرقم مائتين، بعد المائة الأولى، تعرضَتْ لمعظم الأحداث المهمة محليا وعربيا وعالميا، ولم يكن القصد نقل النبأ، ولكن الأثرَ الذي يتركه الحدثُ في القلوب وفي النفوس، وإعادة تذكير بأحداث مهمة لإعطاءِ الذهن فرصة ًبعد زوال الشعور المباغت كي يدير الفكرَ، ويعيدُ الترتيبَ الذهني، ويُعْمـِل المنطقَ لأخذ موقف سليم، لرأي سليم، ثم.. لتصرف سليم.
 
ومرت المقتطفات على أسماءٍ مهمة ومغمورة في مجتمعنا السعودي والخليجي والعربي والعالمي محاولة أن تعيد وضع آرائهم المهمة عبر مقالاتهم المنشورة إن كانوا كتابا، وعبر أقوالهم وأفعالهم وتصريحاتهم متى كانوا من الشخصيات العادية، أو العامة والتي تلحقها الأضواءُ، أو تلاحق الأضواءَ. ولقد تعدت الأسماءُ المائتين في الزوايا المائة الماضية من المقتطفات، راوحت بين أفعال وأقوال وكتابات من صاحب القرار الأول في الدولة، إلى أي كاتب عبّر، بما رأيتُ حينها، عن ضمير الأمة بصوت واضح وفكر أوضح وبمنحى إيجابي ومثمر، ولقد قادني هذا، لحظـِّي، للتعرف والاتصال مع معظم من تعرضتْ لهم المقتطفاتُ، وكسبتـُهم أصدقاء ومعلمين ومرشدين، ومن معظمهم وجدتُ سلوكا راقيا، وفكرا متسعا، وصورة أعم مما ترسمه عنهم الكتابات. وقليل منهم من لم يتواصل، ولم يحاول أن أعرفه، وكنت أوعزُ السببَ لضيق انتشار في مساحة قرائي، وليس تجاهلا أو صلـَفا منهم، ولم يكن هذا هو المهم، لأن الأهم نقل نضح فكرهم.
 
أجبرتني المقتطفات أن أقرأ كثيرا وبصفة لازمة ومضنية من أجل تحليل وتقييم أي مقال يمكنني قراءته في الصحف المحلية والعربية، فعرفت من الكُتـَّابِ من يضع النبضَ قبل الحرف، والعاطفة الصادقة قبل الكلمة المتحذلقة، ومنهم من يملك البراعة الأخاذة، أو الذكاء الخاطف، أو القدرة على المِلحة اللماحة، أو اللسعة التي لا تلحقها العين المجردة.. ووجدت في بعضِ ثقلَ الأسلوب، وتشحم العبارة، واغتصاب الموهبة، وتركيع الحرف من أجل نفسه قبل كل شيء.. فبقدر ما كنت أطرَبُ وأُسعَدُ وأغتني من كتـّابٍ نابهين وصادقين، بقدر ما أصابني الدوارُ وتجرعتُ الغذاءَ الفاسد والمعطل لشرايين الدماغ، وسحق الثقة بين الكاتب والقارئ بالكذب الجريء، والتزلف المزكم للذائقة. وعندي كتـّابٌ أقدمهم للعالم بفخرٍ، وترجمتُ لهم مقالاتٍ صغيرة في جرائد دولية وكأني أضع شاراتٍ أباهي بها العالم، وعندي كتـّابٌ شعرتُ أن القلمَ بأصابعهم أسير يرتجف هلعا، لأنهم يغتصبون حبره، ويلوون ريشته، ويشوهون مهمتـَه.. حتى الكـُتـّابُ على كثر حاملي النور منهم، إلا أنّ بينهم.. مغتصـِبين!
 
قدّمَتْ المقتطفاتُ أكثر من ثمانين كتاباً معظمها نُشرت بالإنجليزية، حرصا مني على نقل المتيسر من الفكر العالمي، وراوحت الكتب بين العلوم، والقصة، والسير الشخصية، والخرافة، والسياسة، والاقتصاد، والبيئة، والرحلات، والتاريخ، والأديان، والحضارات، والمستقبليات.. وقدمتُ كتابا انتشرت أسماؤهم في أكبر مقالات النقاد العالميين، محاولا أن أخرج بانطباع خاص من قراءة مثابرة، وكأن القارئ ورائي يحاسبني عن كل صفحة، وعلما أكيدا مني أن هناك قراء ممتازين يضارعون أمهر المفكرين والنقاد.. ولقد شجعت القرّاءَ على قراءة كتب معينة، ولاقتْ صدىً، نتج عنها مجموعةٌ عفوية من النابهين تجتمع بصفة غير دورية لمناقشة ما يدور في عالم الكتب، هذه المجموعة من النابهين أثـْروا المقتطفات باقتراحاتهم وتنبيهاتهم، وبعضهم اتصل بالمؤلفين الأصليين الذين تواصل بعضهم مع صاحب المقتطفات، وكانت من فرص الفكر النادرة.
 
الدكتور "أنس الحجي" الخبير النفطي الدولي أشعل مساءَ "منتدى آل زامل" بالشرقية الأربعاء الثالث عشر من الجاري، مواقدَ الطاقةِ المعرفية في مدّةٍ حصيرةٍ من الزمن أمام جمْع من المهتمين، وأثارَ موضوعين مهمين يجب أن نعتني بهما كسياسة أمة، وهما مشروع الثقافةِ النفطية (أي المعرفة العلمية والاقتصادية والجيوبوليتكية للنفط.. للجميع)، و"أكدمة العداء" ضد العرب، وخاصة نحن، في مناهج الدراسة بالغرب وأمريكا، بدس معلومات عن نوايا تخريبية مزعومة موجهة من الدول المنتجة للنفط ضد الحضارة الغربية. موضوعان في غاية الأهمية "استراتيجيا".. أطلب من الصديق الدكتور الحجي أن يضع جهدا أكبر في مواصلة الكتابة والدعوة إليهما.. ونحن من ورائه!
 
وغلافُ "التايم" الأمريكية في عددها الأخير في الحادي عشر الجاري بعنوان "نفط إفريقيا".. وتبشر مقالاتٌ ضافيةٌ في المجلة أن الساحلَ الغربي لإفريقيا قد يكون مستقبل النفط الرخيص والأسهل تناولا ( من البحر للبحر) والبعيد عن الزلازل السياسية والاجتماعية ( بحكم العزلة البحرية).. وتجد المفارقة: أهو البحث عن الطاقة البديلة؟ أم البحث عن النفط في المنطقة البديلة؟!.. على الصناعة النفطية عندنا أن توسع حدقات بوصلتها.. كثيرا!
 
"الفناءُ ينحني أمام الخلود"- سعد زغلول الزعيم السياسي المصري، وهو ينحني أمام أحمد شوقي أمير الشعراء، نقلاً عن جورج جرداق من مجلة "المجلة".
 
لكنني أسعى لأنفــَعَ صاحبـــي وعارٌ على الشبعانِ إن جاعَ صاحِبُه