مقتطفات الجمعة 95

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 95 . أرجو أن تنال رضاكم.
 
غزة استقلت. ولكن استقلت مِن مَن؟ لا تسألني. فأنا مضطربٌ ومندهشٌ وغاضبٌ مثلك. ما الذي يفعله "المسؤولون" الفلسطينيون، ألا يستحون؟ وبأي تبرير؟! أ لا تنزل منهم قطرةُ عرق حياءٍ واحدة؟! لا أطلب منهم أن يخجلوا أمام العالم، بل أن يخجلوا أمام طفل فلسطيني لا يدري كيف سيكون له مستقبل. أن يخجلوا أمام رجل أو امرأة عجوز قضوا معظم أعمارهم إما في المعاناة وإما الكفاح ضد اليهود، فإذا الإخوةُ هم الفرقاءُ ويمزقون ضميرَ الأرض. كيف سيكون موقف الملك عبد الله الآن في أوروبا حين يشرحُ ويطلبُ التأييدَ للفلسطينيين ضد غلـَظةِ ونـَيـْر اليهود، بينما الفلسطينيون أنفسُهم يحررون الأرضَ من.. أنفسـِهم؟! ويريقون الدمَ من عروقهم؟ ماذا سيدور في رأس الملك عندما يُسأل: أعطنا ضمانة نجعلها أرضية لفهم الفلسطينيين والثقة بهم، ألم ينذروا لك العهودَ في أقدس مكان للمسلمين على الأرض؟ ماذا بعد يا رعاة الفلسطينيين؟ ماذا بعد؟! .. من أنتم؟ أيكم الفلسطيني الحقيقي؟ إنما الفلسطيني الحقيقي هو ذلك الذي يدفع الثمن من دمه وحياته ووجوده.. ولا يتسلم إلا زاداً من الخذلان!
 
الدكتور محمد أحمد الغامدي كاتب جلي الظهور في جريدة "اليوم"، ولا يتوانى في سبيل رأيه، ويمضي بلا هوادة مدلـِّلاً، وشارحاً ومنتقداً. يكتب منذ فترة مقالاتٍ متتابعة ًعن الثروةِ المهدورةِ كما يسميها: الماء. ويتكلم بفصاحة ومكاشفة وليس "بفمه قطرة ماء!". ويوجه سؤالا استنكاريا بمقاله الأخير بعنوان: "هذا الماء.. الأمر يتخطى نهر الأحساء." فيكتب:" ما هي القضية الأساسية يا وزارة الزراعة؟ يا وزارة المياه؟ يا سكان المريخ؟" وأما سؤاله لسكان المريخ، فكأنه يقول إنه يائس من إجابات من الوزارتين كيأسه أن يرد أحدٌ من المريخ. ونقول للدكتور محمد: ثبت أن المريخَ خال من السكان، وخال من المياه، هل تقصد أن الوزارتين خاليتين من.. السكان؟.. وأننا سنتحول إلى بلدٍ بلا مياه؟ .. أُوغـِلُ في استفساراتي لأنه يقول أيضا:"إن مشروع الري والصرف بالأحساء يهدر أكثر من مئة مليون متر مكعب سنويا نتيجة الري الجائر.." تصور!. ويزيد روعَنا قائلا إن الهدرَ تجمع ليصير "نهرا" يمتد عبر الصحراء أكثر من ستين كيلومترا.. تصور!، وأن شركة أرامكو سمته نهر الأحساء، وأنها:"شيدت الكثيرَ من العبارات على جسم النهر لتسهيل حركة مركبات الشركة ومعداتها..". ثم يسدد الدكتورُ الضربة َالقاضية َقائلا باستنتاجٍ مبطـَّن ": لماذا جفتْ عيونُ الأحساء؟". لو صح كلامُه، ولا دليل على عكس ذلك حتى الآن لدَي؟ فإن الذي جفّ أيضا شيءٌ آخر.. الإحساس!!
 
العراق.. العراق.. أخ يا عراق. مع كل المآسي والمذابح ينجحُ خبرٌ ليكون سيد المآسي والفواجع.. ويبيض صورة الجيش الأمريكي، ويزيد سوادَ صورة السلطة العراقية. بينما فرقة أمريكية بجوار مبنى ارتاب جندي عندما رمى كرة بداخله، اقتحمته الفرقة لتجد أنه مبنى لرعاية الأيتام.. وماذا وجدت؟ يا للعار، وضياع كل ما نعرفه من إحساس يغلف الحالة البشرية، وجدوا أطفالاً عراةً ومقيدين لأسابيعَ في أسرّتهم على الأرض الجرداء، ضُربوا وأُجـِيعوا وانتـُهـِكتْ أعراضَهم بجوع ذئبي سادي ضارٍ من مسوخ لا يجري في عروقهم إلا نتنُ الكهوف. أما ملابس الأطفال الجديدة وأغذيتهم فيبيعها مديرُ المركز ومساعدوه في السوق، بعد أن صارت ضمائرهم مستنقعات من الوحل والهوام. العراق، بهذه الصورة التي تعلن حضورا للشيطان وأزنامه، مهددٌ بعدوٍ أكبر من الاجتياح العسكري.. وبكثير!
 
سمعتُ بإذني وزير الرعاية الاجتماعية العراقي في محطة عراقية يقسم للمذيع أن ما حدث هو من إعداد أمريكي؟ يعني هو عاتب وغاضب لماذا يقتحم الأمريكان الميتم في هذا الوقت؟ يا الله، نسي موضوع الأطفال وتذكر فقط الاقتحام؟ ثم يؤكد أن قسَمـَهُ غالٍ عنده.. ليت أن قِسْماً نزيرا من هذا الإغلاء راح لمن هو مسؤول عنهم!
 
إلى الأطفال المنزوعي اللحم وكرامة الحياة بالميتم العراقي: لم يعد لكم في عيوننا دموع.. نزحـَتـْها بجورٍ الأحداثُ حولكم!
 
كتب الجمعة: ويسألني القارئ صديق المقتطفات كما وصف نفسه، الأستاذ الفاضل عبد الرحمن العمر عن إن كان هناك أدبٌ إداري كما قرأ في مجال النقد الأدبي بالإنجليزية، وإن كان هناك سبيلٌ لضرب الأمثلة، وأنه يسعدني جدا أن أجيب عن سؤال يُفصح عن عقليةٍ باحثةٍ عند السيد العمر. نعم، الأدبُ البيروقراطي واضح بصورة كبيرة في القرن التاسع عشر وقرننا هذا والكتب الدالة كثيرة، ولكني سأسرد ما أتصورُ أنه يقع في قمة هرمها. يعرف أي مختصٍّ بالإدارة حجم تأثير "ماكس ويبر" على الإدارة، ولي أن أسميه (مع تضاربات آراءٍ أخرى لدى بعض دارسي ومؤرخي الإدارة) رائدَ أو أب البيروقراطية، وتعني بأصلها الإدارة التي تنبع من المكتب لضبط إجراءاته وقولبة نظامه، وتخلـّقت كي تكون قواعد إجراءات التكوينات الإدارية الكبرى. إن كتابَ ماكس ويبر :"الاقتصاد والمجتمع" Economy and Society أخرجه بأدبٍ راقٍ، مستخدما أجمل صيغ التعابير الإنجليزية وأرفعها، أوصلت الكتابَ فوق علميته ليكون أيقونة أدبية يدرسها المختصون باللغة. إذن، أولُ كتابٍ علمي إداري يحدد معنى البيروقراطية كان عملا أدبيا بذاته. وأميل شخصيا إلى ما يُقال إن الذي وضع الصورة النمطية عند العامة"نهائيا" للبيروقراطية هو "فرانز كافكا"، ومَن غيره يمكن أن يكون؟ مجرد قراءتك لقصته "القلعة" The Castle قد تخرج بنتيجة بأن "ماكس ويبر" منظـِّر البيروقراطية و"كافكا" شاعرها أو أديبها، الذي أعطاها صورةً أعم .. وأوقع. وأرشح لك كتاباً آخر للأدب البيروقراطي "لتشارلز بكوسكي"Bukowsky: "مكتب البريد" Post Office عن قصة رجلٍ يلتحق بالعمل كفارز رسائل. ممتازة!
 
(خمسة ملايين مكتتب في "جبل عمر")- إعلان. تحول بلدُنا إلى "اكتتابستان"، فأُنشِدُ أمامكم بحماسة : " نحن المكتتبون لنا... الغدُ!!"
 
مع السلامة..