مقتطفات الجمعة 91
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 91 ، أرجو أن تنال رضاكم.
المسابقة انتهت، الفريق السعودي فاز. بالنسبة لي على الأقل. لم يكن التغلب على اليابان كما يصف المعلقون أن كرة القدم فوز وخسارة. كان أكبر من ذلك وبكثير. كان امتحانا شاقا لقدرة هؤلاء الشباب على تحمل الظروف الصعبة التي أتت حادة وقاهرة عليهم، ورخيّة على اليابانيين.. أن يسافر فريق بكامله إلى دولة أخرى لساعات طوال، مع كل ما يسبقها وما يتبعها مع مباراة وشيكة، هي توفير ما يتوافر في سوق هزائم كرة القدم: الإنهاك. أن تواجه فريقا يعد بالمقياس المسجل لكل فرد الأكثر سرعة في أكل مساحات الملعب، والأكثر شوطا في الأميال المقطوعة، وأدق التزاما في الخطة الموضوعة، والذي قال عنه معلق بريطاني إنه الذكاء الصافي على العشب الأخضر.. فريق تسابق المراقبون بتسميته من الكمبيوتر إلى محاربي الساموراي.. كان أفضل ما في سوق الحرب النفسية لكرة القدم. وما رأيت فريقا متحمسا وسريعا وقويا وثابتا وذكيا مثل فريقنا قبل أمس.. وهنا المفاجأة. شبابنا فاقوا تصوراتنا، كنت، أعترف، من الذين توقعوا هزيمة ( تحمل كل التبرير)، أو تعادلا (وسأعتبره، كنتُ، نصرا) ولكن أن يأتي فتحا مبينا، فإذا الأولادُ السعوديون هم الذين ينتصرون على كل ما توقعناه وأملنا فيه.. من يصدق؟ هذا الفريق بُهدِلَ قصدا وعمدا ليسلمه القائمون على المسابقة الآسيوية سائغا مثل السوتشي الياباني على الصواني.. فإذا السوتشي ينقلب قرشا يشق الموج، ويبلع الفريق الياباني ويسجل فوزا يُكتب في صفحات التاريخ. أرجو ألا ينفـّذ أبناء الساموراي تقليد الشرف لمحارب الساموراي: الانتحار.
كان مالك معاذ هو مالك المباراة مع اليابانيين. تصرف كما شاء، جال كما شاء، تفنن كما شاء، جرى كما شاء، مرّ من لاعبي الدفاع الياباني وكأنهم ألواح العبور المتموج الذي يوضع للتدريب، وصنع دروسا في الذكاء اللماح في الوقت العصيب، وكأن له رجل ثالثة باستخدامه المتقن لضربات وتمريرات الكعب.. إنه بيليه السعودية، وأنظر إلى بيليه يلعب في أرشيف العقود يوم مونديال المكسيك، وسترى طريقة المرور، والتصرف والتهديف، والتواء الجسد أثناء إدارة الكرة.. ولا يتفوق على مالك أحدٌ في القفز، بجسده الصغير، يعلو فوق العمالقة بفارق، وكأن زنبركا من الأرض ينبع ويدفعه إلى الأعالي، أو كمن يقفز من على ترمبلين خفي فيطير فوق الرؤوس.. هدفه بسن القدم الأول في كل مباريات كأس آسيا. هدف سيرصع المحفل الكروي لسنوات. وعندما قال المذيع المصري في قناة الجزيرة الرياضية مالك معاذ ما لوش حل، لم أجد وصفا أبلغ.
وبمناسبة قناة "الجزيرة الرياضية"، والتي معظم عامليها من القطريين، وبما تابعته من تعليقات على المباريات، أظهروا في كل مرة ميلا شديدا لمناصرة الفريق السعودي، وخلعوا على لاعبينا أجمل الألقاب، وكنت سأقول إنه الشعور العادي، لولا تحمس المذيع المتألق علي الكعبي في عاطفته المسرفة مع لاعبي السعودية حتى مع شقيق آخر هو البحرين. كما أن منسق النقاش والتحليل جعل من أفراد الفريق السعودي وكأنهم أفضل لاعبي العالم بمدح مسرف الحب. وهنا أقول ليتنا لا نمزج الخلاف مع الخلاف، ونثبت الروح الرياضية، ونشجع هؤلاء القطريين الحقيقيين الذين يحبوننا ويحفظون تاريخنا الرياضي عن ظهر قلب، ونعطي مثلا بالروح الرياضية، وبفوقيتنا على الضغائن الصغيرة من ناس محدودين، فلا نحذر لاعبينا من التعامل مع إخوانهم المذيعين القطريين، فإن الناس يحترموننا أكثر حين نتعامل مع قناة "الجزيرة الرياضية"، حتى لو جاءتنا إساءات من الجزيرة الأم. وهو تأكيد على أخوة لا تنفصم بين السعودي والقطري.
اليوم هو يوم شبابنا، وهم ما ننظر إليه بعد إخفاقاتنا، لعلهم ينتشلونا وينتشلون أمتنا إلى ما يجب أن ترقى إليه. يثبتون أنهم عناصر مؤهلة للارتقاء في السلم العالمي وحمل أمّتهم معهم. أحيانا، أصاب بيأس واكتئابٍ وأكادُ أنفض يدي من زهر الأحلام وأنام قابلا مستسلما على الأشواك، أشواك الخيبة وضياع الرجاء. وعندما ذهبت لحضور ورشة برنامج (إثراء) الصيفي لإنماء المهارات والقدرات الذكية الذي تعده وتقيمه مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين، وهو برنامج لطلبة الثانويات متناثر في أرجاء المملكة وخارجها ( الولايات المتحدة تحديدا وبأكبر معقلين علميين بها إم آي تي، وهوبكنز) والذي كان مقاما بفندق قصر الظهران برعاية تشكر عليها شركة أرامكو السعودية، ولفتة خاصة لرئيسها عبد الله جمعة الذي استقبل بأريحية مجموعة من هؤلاء الفتية ليعرضوا عليه رجلا آليا اخترعوه كي يتحكم بمغالق الأنابيب تحت سطح البحر ليسوقوه كمنتج تجاري على الشركة ومشى ميلا آخر بأن دخل معهم في مفاوضات التكلفة.. أقول لما رأيت هؤلاء الفتية انبعث بي أملٌ جديد. رأيت عملا مذهلا، ولقد قسموا على شكل شركات ويرأس مجلس إدارة هذه الشركات فتى لم يتجاوز السابعة عشرة واسمه رائف عسيري، نابغة توهمت وهو يشرح لي عن عمل شركته ( اختراعا مكتبيا لم يسبقهم إليه أحد كما أكدوا لي) بأنه رئيس مجلس إدارة شركة كبرى. هؤلاء الشباب النوابغ والجادون والثابتو الجنان.. هم النور الذي يسطع باهرا في ممر الأمة.
وشبابنا في الخارج معتزون بملحقهم الجديد في الولايات المتحدة، والشباب يا جماعة، يشكرون ويمتنون ويضعون من يخدمهم فوق رؤوسهم، وليسوا جاحدين أو ثائرين، المهم أن نقدم لهم العناية والاهتمام وتقديرهم كعناصر مهمة وجديرة، لذا أرسل لي مجموعة منهم بفرحٍ وتفاؤلٍ هذه الرسالة التي بعثها لهم الملحق الثقافي السعودي في أمريكا الدكتور "محمد بن عبد الله العيســـــى"، كالتالي: "إلى جميع أبنائنا وبناتنا المبتعثين والمبتعثات المحترمين بمناسبة مباشرتي مهام عملي ملحقا ثقافيا لدى الولايات المتحدة يسرني ويسعدني أن أرحب بجميع أبنائنا وبناتنا المبتعثين لدى الولايات المتحدة سائلا المولى عز وجل أن يوفقني لخدمتكم و تحقيق جميع رغباتكم حتى تتوافر لكم، إن شاء الله، الظروف الدراسية المناسبة للتركيز على تحصيلكم العلمي وتحقيق الأهداف السامية والنبيلة التي أتيتم لهذا البلد من أجل تحقيقها والعودة إلى أرض الوطن مكللين بالنجاح وللإسهام في نهضة وطننا الغالي كما يسرني أن أدعو جميع المبتعثين والمبتعثات من الذين لديهم مشكلة أو استفسار ألا يترددوا بالاتصال بي شخصيا علـــــــى الهاتف.." ووضع هاتفه الشخصي.. يا سلام. يا دكتور شبابنا في أمريكا يحبونك. وبما أني من محبي الشباب فلن أغار منك. ولكن اليوم جمعة.. طيب، أغارُ قليلا!
مع السلامة