مقتطفات الجمعة 90
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 90 ، أرجو أن تنال رضاكم.
كسعودي أصبت بعارض خيبة صغيرة بعد مباراة منتخبنا مع المنتخب العراقي، خصوصا بعد الهدف الذي كاد أن يحققه مالك معاذ في الوقت المـُزاد.. لأنه كان سيكون هدفا يلامس جمال الخرافة.. ولكن كان مكتوبا للعراق أن بفوز، وأردت أن أقول إني لست حزينا ولا محبطا، وربما كان العراق حتى أحوج للفوز، في وقت لطـّخَ الدمُ المراقُ كلّ مشهده..
المنتخبُ العراقي أثبت أن كرة القدم تسامت هنا فوق السياسة، ولم يكن دليلا كما هو حال المنتخب العراقي، لقد توحد كامل العراق أمام فريق، يمثل أحلاما، ورغبة خنقها الدم، ونجمة غابت عن سماء حجبها دخانُ الرصاص، والقنابل، وسيارات مفخخة. توحّد العراقُ وراء فريق، بعد أن مزقته السياسة ، والأعراق، والمذاهب، واليد الدولية الظاهرة والخفية، وعبثت فيه وحوله أصابع إقليمية بأظافر موحلة بتراب قديم من الرغبات التي حسبنا أن تركها الزمن في المسرح القديم.
شبابنا، إجمالا، أجيالٌ تتغير للأحسن. لاعبونا الآن في مقدمة لاعبي آسيا، والسبب أنهم أجيال تعلمت، وتأدبت، وارتفعت قيمتها لأن عقلها زاد، لأن تدينها زاد، لقد لاحظ الملايين أن الشباب السعودي، يسجدون، وأنهم يتوجهون لله دائما، وأنهم لم يظهروا بشكل مناف للمظهر الرجولي القويم. التدين كان لاعبا خفيا واضحا، وهذا الذي أعطاهم الطاقة حيث للمتدين الوقت ليعمل على لياقته، ولا يسهر حفاظا على رتم دورة الحياة في جسده، ولا يقرب المكيفات ولا التدخين فتهف رئته أو تثقل كبده.. لذا رأيناهم، حتى قبل المباراة الأخيرة، غزلانا يتقافزون في الملعب.. ربما كنا بحاجة لهذه التراجعة الصغيرة، لأن لاعبينا شباب صغار، ويجب أن لا يتخدروا على نصر قد يخبو مبكرا، وإنما على حقائق الكرة، وهي كفاح وسجال، وعرق وجهد، وأن يعرف كل لاعب أن هناك من سيتفوق عليه لو ضيع نصف لحظة في غرورٍ أو سهوٍ أو خدَرٍ غادر..
عُرضت المباراة، وكان الوقتُ صلاة العصر، ورأيت المسجد مليئا بالشباب الصغار، وسألت واحدا من أبناء الجيران مشى معي للمنزل: "ألم تتردد في الحضور للمسجد فقد ضاع الآن جزء من الشوط الأول؟"، ورد علي الصغير الذي لم يتجاوز المرحلة المتوسطة: "يا عمي هذه لعبة.. وأعوضها، ولكن كيف أعوض الصلاة؟"هذا الفهم المتوازن أن الرياضة ليست شيئا مستنكرا ولا شيئا يجب أن يعف عنه الشباب لتقوية البدن، وتهوية النفس.. ولكنه أمام حقائق الحياة الكبرى لا يتعدى مجرد لعبة قابلة للتعويض. وراح الولدُ يجري.. وخاطري يقول : هذا الولدُ انتصر!
صحت أمريكا قبل الأمس على كلمة في "الوول ستريت جورنال" لناشرها "جوردون كورفيتز"، تقول:" إن نفس المستويات من الدقة والحيادية والعدل ستطبق، مهما تغير مالك الجريدة".. وكانت من أكبر الأكاذيب. لأن الذي ملك الجريدة بل "الداوجونز" مؤشر سوق المال الأكبر في الدنيا وتملكها أسرة بانكروفت الأمريكية العريقة (أو التي كانت..) هو "روبرت مردوخ" قيصر الميديا الكوني. وتأكيد الكذبة جاء من "ليزلي هيل" واحدة من عائلة بانكروفت، وعضو مجلس إدارة "داوجونز"، التي استقالت مؤكدة على ضياع مصداقية الجورنال. مردوخ لم يثبت يوما حياديته ولا عدالته وأكده القيصر مردوخ دائما. الصحف الأمريكية أجمعت على أن يوم الأول من أغسطس الجاري كما وصمه كاتب في "النيويورك بوست" بأنه يوم عيد الصحافة الأمريكي الدامي. بتملك الداو جونز وملحقاته سيكرس مردوخ نفسه عبر إمبراطوريته "نيوز كورب"، التي تملك من بعض ما تملك التايمز اللندنية، محطة فوكس، ومجلات وجرائد إباحية، لتكون أكبر شبكة إعلامية في الأرض.. والفضاء، متخطيا " تايمز وارنر".. وقال معلق شهير : "قبـّلوا الإعلام الأمريكي قبلة الوداع!". لقد تماسكت الأسرة ووراءها المساهمون ضد دهاء وخبث التاجر اليهودي لأشهر طوال، حتى نجح في تفكيك جدار الأسرة والمرور من الشقوق والصدوع، فانهالت حصونها وسلمت نفسها بخمسة بلايين دولار. مهمة مردوخ التفوق على النيويورك تايمز صانعة الخبر في أمريكا والعالم، ما لا يظهر على صفحتها الأولى ليس خبرا.. إن لم ينشر. ومردوخ سيقوض عرشها من أجله لا من أجل أمريكا. اعتذر صحفيٌ في جريدة بكونيكت مع طرده لأنه كتب : "هذا ما نجنيه من يهودي!".. ولكنه قال الحقيقة التي لا تستطيع أمريكا أن تسمعها.. ما أثر هذا التملك فينا كعرب؟ الجواب في السؤال!
كتاب الجمعة: خرج الكتاب السابع من "هاري بوتر" للسيدة " جي كي رولنغ" يحمل عنوانا عميقا وغامضا كما تجيد المؤلفة عمله من كتابها الأول، ويعرف نقاد الأدب الإنجليزي أن براعتها في العناوين التي تحمل نفـَسَ ودخائل عالمها السحري لها دورٌ مؤثر في جذب القراء وخصوصا الشبيبة. والعنوان هو: "هاري بوتر والأقداس المميتة"، مستخدمة لتقدم المقدّس الكلمة العميقة الانطباعHallow ، وهو المعنى الذي يطبع اسم عيد القديسين "الهلاوين" وهو عيدٌ يربطه الغربُ بالخرافة والرعب والمفاجآت والتنكر. برعت السيدة "رولنغ" في الغموض وأتقنت اللعبة، فهي تحيط كتابها بطوايا الأسرار، ولا يوزع إلا في بهيم الليل بخطة موقوتة بجغرافية المواقع عبر العالم المتحدث بالإنجليزية، فيتوزع عبر القارات مناظر الطوابير والظلام يكتنف المدن يحملون الشموع، ويتلهفون على التقاط النسخة الجديدة من كتاب الفتى هاري.هذه المرة نشرت "رولنج" الرعبَ في بريطانيا وخارجها للتشويق، وسرّبت بعنايةٍ وقصد بأن البطولة الملحمية تتطلب موت رمز من رموز القصة، فأغمي على الطلبة بالمدارس، وطارت البرقيات ورسائل الإلكترون تتعطف السيدة رولنج ألا تحزنهم بموت هاري بوتر.
الكتاب ممتع، واخترعت "رولنغ" أسلوبا في اللغة الإنجليزية مشابها لطرق التعبير عند "إدغار ألن بو" مع حداثة صارخة في تصوير النص الخيالي.. والقصة شديدة الدموية، والأبطال الثلاثة هاري وصديقه رون والبنت هيرميون عاشوا محاقاً نفسياً انعزالياً وتناثروا في أصقاع البلاد الإنجليزية، ولم تعد مدرسة السحر كما كانت في الكتب الستة الماضية، ولا وزارة السحر حيث تجبروا ضد سيطرتها.. ونام القراء هانئين بعد نهاية الكتاب المتوثب الأحداث، والشخصيات والرعب، والغموض، ومرارة الانتقام، وغور التضحيات. قرابين من أبطال القصة المحبوبين سُفحت أمام اللورد "فولدمورت" المقيت الشر لتعويض الموت الذي وفر حياة الأبطال الثلاثة الرئيسيين.. هل تستحق القراءة؟ نعم نوع جديد.. هل تـُفيد؟ سؤالٌ عويص!
مع السلامة..