مقتطفات الجمعة 89
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 89 ، أرجو أن تنال رضاكم.
أثار ما قرأته في "التايم" ألف سؤال في دماغي، وأرجو أن يكون قد قرأه صانعوا القرار حتى يضعوا الأشياء في نصابها ولا يُشاع ما يكدر الجو الدبلوماسي والسياسي مع إيران. خرجت مجلة "التايم" الدولية في عددها الأخير 13 آب (أغسطس) بعنوان في صفحتها التاسعة يقول: "تسليح أعداء إيران"، وقد أخذني العنوانُ في دوار أول ما وقع عليه نظري، لأني عرفت المقصد مثل أي قارئ من المنطقة. ولا يترك لك التقرير نفـَسا، فمن أول سطر تقرأ التالي ( مترجـماً): "شحناتٌ بـ 20 مليار دولار من الأسلحة للمملكة العربية السعودية، ودول الخليج المجاورة، و13 مليارا آخر لمصر ".. انتهت الترجمة. أما إسرائيل فأحذركم؟ هه.. 30 مليار دولار بالتمام، وليت أن الأمر يقف هنا، فنحن ندفع كل دولار أخضر قشيبا سلخاً من ميزانياتنا، بينما إسرائيل تتمرغ بكل ذاك كهبةٍ ومنحةٍ ولها المِنـّة.. على أن الموضوع لا ينتهي هنا، فـ "التايم" اعتبرتنا ( نحن دول الخليج ومصر وإسرائيل) أعداء إيران. وتقول المجلة (مترجِما):" وهذا من ضمن خطة إدارة بوش لاحتواء إيران، ولترسيخ الوجود الأمريكي الطويل في الشرق الأوسط رغم النكوص في الوضع العراقي." انتهت الترجمة. وترون لم تعد هناك أسرار، ولم تعد أمريكا بحاجة إلى ذلك من أصله.. ولكن هل ما ينشره الأمريكان على عيون العالم حقيقة.. أم ما تقوله الحكومات في المنطقة، أو التي لا تقوله.. ويبقى أن نجيب وبوضوحٍ حول ما تزعمه المجلة والإدارة الأمريكية على سؤال:" هل نحن فعلا أعداءٌ لإيران؟!"
المسؤولون في مصر ودول الخليج راشدون، ويعون الحتمية الجغرافية - السياسية، وبالتالي لا يمكن أن نقبل، أو نعلن بأي صورة أننا نعادي إيران. فليس من مصلحة هذه الدول ولا من نهجهم السياسي إثارة الاضطراب والعداء في المنطقة، فالعداءُ إعلانٌ لاضطراب مقيم، لا يمكن لسياسيٍّ مدركٍ أن يدعو له بـَلـْه التصريح. فالجغرافيا قدر.. كما يولد معك أخوك أو أختك، فإن جيران حدودك قدرٌ جغرافيٌ معك حتى ينتهي الزمان، ومهما تقلبت الظروف والمصالح. فإيران حتمية باقية، وأمريكا مصلحة مخططة، وسياسة عابرة.. ولما تذهب، وهي سترحل حتما، كاسبة أو مدحورة، الذي سيبقى هو ما نتج من بقائها من تحالفات وسياسات وألغام زُرعت بين الحكومات والشعوب.. لنا كل الحق أن نتسلح، ولكنّا لا نؤمن بالعداءِ، بل بالصداقةِ والسلام والاحترام المتبادل واعتبار الحقوق الوطنية والسيادية لكل دولة.. ثم يجب أن تعلم أمريكا والعالم أننا لا نقبل بأي حالٍ أن نكون في خندق واحدٍ مع إسرائيل.. فكيف بخندق ضد دولة جارة أبدية وتعادي إسرائيل. نتسلح كما يتسلح غيرنا لفرض سيادتنا واستقلالنا.. وبينما لن نتسامح مع أي اعتداء على وجودنا من أي كان، فإننا أيضا لا نقبل أن تحدد أمريكا ولا غيرها من هو عدونا.. ومن هو الصديق!
ومقال في "الاقتصادية" عدد يوم الأربعاء التاسع من آب (أغسطس) الجاري للدكتور فهد أحمد عرب بعنوان "فشل المشاريع العامة.. من المسؤول؟" وهي الشكوى التي يجأر بها الناسُ في سوء تشغيل المرافق العامة، وغيابٍ لمنهج صيانة على مستوى الأمة، فيفنـّد نظامَ المشتريات الحكومية، وأوجه القصور به، مع تقديم ما يراه من اقتراحات، وأختصر لك ما يريده الدكتور عرب بفقرةٍ مغنيةٍ ومعبرةٍ وردت في مقاله: "للأسف، مع أن لدينا طفرة هائلة في المشاريع الإنشائية والترميم والتجهيز والتشغيل والصيانة, إلا أننا نفتقد قيادات إدارية متميزة يمكنها إحداث نقلة نوعية في إدارة وإنجاز هذه المشاريع مستخدمة ما توافر من تقنية لرفع مستوى الأداء.." ومع أن الدكتور أفاض وخاض في النظام، إلا أني وددتُ منه، وأكرر رغبتي أن يتعرض له مستقبلا عن الموضوع الذي أثاره وأظنه هو الأهم، لأنه لو حصل لصلحت الأمور تباعا، وأعني: كيف نوجد قيادات إدارية متميزة لتطوير وتفعيل ما نملكه من تجهيزات تحتية ومشاريع ومرافق؟ هذا هو السؤالُ الذي عادة يلِدُ كل الإجابات!
والسيد "محمد التونسي" رئيس قناة الإخبارية، غاضبٌ وعاتبٌ وحزينٌ معا. ونقول للصديق الكبير إن داهية سياسيا قال مرة: "من أمريكا صديقته، فهو لا يحتاج إلى أعداء"، ولم أرَ أصدق من هذا في المشهد السياسي الأمريكي مع حلفائها، ولن نخرج من هذه الدائرة، رغم كل ما نفعله من أجل أن تطمئن لنا. كل هذا قفز إلى خاطري وأنا أقرأ في جريدة "الوطن" بتاريخ السابع من آب (أغسطس) الجاري مقالا للسيد محمد التونسي، بعنوان:"رسالة حقيقية من مواطنٍ سعودي إلى السفير الأمريكي في الرياض".. ولك أن تسأل نفسـَك لماذا اختار السيد التونسي صفة "حقيقية" لرسالته، وكأن هناك رسائل غير حقيقية، المغزى كما أفسره شاهق الوضوح، فهو من فرط تأثره يفهِّم سعادة السفير (بالعربي) أن الرسالة ليست دبلوماسية، ولا موشاة بالمصطلحات الرسمية، هي رسالة - لا أدري إن كان لي حق إبدال "س" المعلوم بالمعادلة من صفة الصدق إلى صفة التحذير- إنها رسالة تحذيرية فيما وصل لجهازي الفكري، بأن الناس وصل بهم الإحباط من معاملتنا كسعوديين إلى حد الموسى كما يقول التكساسيون (ربع بوش).. خصوصا وأن نار الاستعلاء والشك الأمريكيَيْن طالت حتى من هم يقفون في صف المفهوم الأمريكي للإرهاب والحرية.. وهم الصف الأهم لرواج النوايا الأمريكية في الداخل. والمقال مؤثرٌ وقوي، وأرجو أن يكتبه السيد التونسي وبخط يده إلى السفير الأمريكي وبلغته.. فنحن لا نخاف على السيدة حرمه لأن الشافي هو الله، وهي بحماية الرحمة الإلهية وليست الرحمة الأرضية مهما كانت قوتها.. ومن مكاني الصغير جدا، أقول للسفير الأمريكي لا مصلحة لك ولا لبلدك أن تقف ضد علاج السيدة التي وقفت تنشر وتقاوم وتحارب.. وإن منعت، فالعلاج في غير أمريكا أيضا. الأهم مراجعة حساباتنا مع الله أولا، ثم إن نعرف أن من ليس منا لا يهمه أمرنا.. كبشر.
ونرجو ألا تكون علاقتنا مع أمريكا مثل ما يقول الشاعر ألفيضي عبد العزيز خوجة: قيدتُ قلبي في الهَوى.. لكن خَفـَق لما رأى بحريْكِ.. حنَّ إلى الغرق!
.. مع السلامة.