مقتطفات الجمعة 87

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 87 أرجو أن تنال رضاكم.
 
موضوعان استهلكا معظم ما حُبِّر من مقالات في صحف البلاد، الموضوع الأول: القبول في الجامعات، ومن المقالات، تتعرف على قصصٍ من الخيبة، والخوف، والغضب، والخسران، والضياع، وفقدان الأمان لدى قسم كبير من أجيالنا الطالعة، الأعمدة التي ستبني الهيكل المستقبلي للأمة، وتيـْهِِ بوصلتهم بأي طريق ستأخذهم الحياة بعد أن تـُركوا وحيدين في العراء تحت سماءٍ لافحةٍ، ولا ظل حتى لغيمة. إنها حرقةٌ تعمُّ البلادَ من الساحل إلى الساحل، ومن البرِّ للبر، ومن واقع تعلقي، مثل أي محبٍّ لبلده، أقول : يا ويلنا إن نشأ جيلٌ على الغضب، والاحتجاج والإحساس بأن وطنه تخلى عنه تحت الشمس وفي جنح الليل وحيدا مستوحشا.. ولن يجد هذه المتروكُ مصدوماً، ومذهولاً، أيَّ عزاءٍ بأي تصريح أو وعدٍ رسمي، فهو في دوامةٍ أحاطتهُ فسدَّتْ منافذ َالحسِّ، وانغلق في داخله يطلُّ على الخوف، والحيرة، وطعم ثقيل ومرير من الخذلان.. ولا يفهم بأي حقٍّ، وبأي منطقٍ، وبأي واقع، يهاجرون للجامعات في الجيرة القريبة ويجدون المقاعدَ في عشرات الجامعات، ولا يجد في وطنه.. ولا يعرف سبب تكرار المأساة عاماً بعد عام، وكأن العقولَ المسؤولة جفـّتْ.. وهو يتساءل: إن جفت العقول، فكيف تنضبُ مياهُ القلوب؟ لأنه لم يعد يطالب بالتفكير، فقط شفـُّوا بالورق ما قام به الآخرون. مرة ثانية وحبا في الوطن: لا تسحبوا من الأجيال حقهم في حبهم لوطنهم.. الذي يجب أن يعدهم، قبل أي شيءٍ.. لحمايته!
 
والموضوع الآخر، مولِّد الحراك التاريخي للشعوب والأمم.. الخبز. نعم، لا يجب أبدا وفي أي لحظة من لحظات الزمان الاستهانة بأهمية ما يقدمه المرءُ لعائلته على المائدة ثلاث مرات كل يوم. لم يعمل أي شخص، ويكدُّ العضلَ والعرقَ، ويسفحُ الطاقة إلاّ من أجل ألا تعرف عائلته معنى الجوع. من آشور إلى الباستيل إلى ثورة البلاشفة، كان الجوعُ هو محرك التاريخ الأممي، والتاريخ جارفٌ حتمي، لا يتغير، لأنه مرتبط بالغريزة الأساسية للبشر. عندما يتفق الكُتـّابُ للنقلةِ الشاهقة في أسعار سلع الغذاء الرئيسة فلأنهم يعون معنى الطعام. أحيانا، وهذا من ضريبة الوفرة، ننسى كم هو مهم هذا الطعام. غلاءُ أسعار المواد الأساسية للمائدة السعودية مؤشرٌ من المؤشرات لحالة لا نريدها ولا نتمناها، وألطف نـُذرها أن يعلن عنها الكتاب، لأنهم منطقة امتصاص الغضب والاتهام العام من الناس للمسؤول، ولكن منطقة الكتـّابِ تتشبع فينتهي مفعولها.. ولا نريد أن نتنبأ بما سيحصل في المنطقة التي تلي. وأذكِّر بأن على المسؤولين أن يعتنوا بتصريحاتهم خصوصا النافية أو المطمئنة، فما هو شعور المواطن، وهو يقرأ التطمينَ أو النفي في جريدة، وهو يحمل حزمة خضار تضاعفت قيمتها عشر مرات؟ ما الذي سيمزقه بيده غضبا واندهاشا.. الحزمة أم الجريدة؟! أثناء التهاب المشاعر، عدم التصريح أفضل – ولو كان يستند إلى دليل - حتى لا يشعر الناس أن المسؤول مهتم بأمور معيشتهم وتوفيرها لهم بأسعار معتدلة في متناول يدهم.
الحل للموضوعين أعلاه: رابطةٌ أهلية ٌمدنيةٌ مستقلةٌ لدراسة خطةٍ محكمةٍ للتعليم العالي.. أو التعليم إجمالا. ورابطة ٌأهلية مدنية لحماية المستهلك لها الحق في المدافعة، والنشر، والمرافعة ضد المخالفات. و.. حالاً!
 
يتصل بي بانتظام، وتقريبا كل من يوم منذ تعرفت على مجتمع المخترعين هذا الصيف، المخترعون السعوديون، ويحكون عن إنجازاتهم الكبيرة. بعضهم تفوق على مستوى العالم، ومنهم من مُنح جوائز سَنـِيّة ابتداء من عاهل البلاد وولي عهده، إلى المراكز والمؤسسات المتخصصة في الابتكار والاختراع.. ويؤلمني أن أجد هذه النبرة الحزينة، وهذا الإحباط َالذي بدأ يتسلل إلى النفوس، حتى أن واحداً يتقدم الصف للمخترعين السعوديين وهو يوسف السحار، لم يعد يفكر حتى في تسجيل اختراعاته في البلاد. والطريقُ طويلٌ أمام المخترعين، صحيح، ولكن يجب أن تبدأ معالمُ الطريق.. ولا أرى أمامي الآن إلا إعطاء دور استراتيجي عريض، وبقدراتٍ واسعةٍ لإحدى مؤسسات رعاية الإبداع، وأجد أن مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين، بطموح وهمة مجلس أمانتها المُنتقى وأمينها العام الدكتور خالد بن عبد الله السبتي، مؤهلة لقـَطـْر سفينة الإبداع في البلاد، ولكن القاطرة يجب أن تكون متطورة وبمحرك قوي ومؤشر ملاحي دقيق، حتى توصل السفينة إلى آفاق الإبحار في أعالي الأفكار.
 
ومع شاغلنا حمد القاضي.. مرة أخرى. كتب الأستاذ عبد العزيز بن عبد الله السالم في جريدة "الجزيرة" عدد التاسع من شعبان مقالا بعنوان "أبو بدر والمجلة العربية"، ولم تكن المقالة من الرسائل التطويبية الوداعية التي لم أوافق في المقتطفات السابقة على منطقها، لأنك إن اكتفيت بتوديع من تراه يستحق المكان الذي كان فيه ولديه القدرة، بلا مبرر واضح، هي موافقة مكتوبة على القرار. غير أن معالي الأستاذ السالم وقف صريحا محتجا بتأدبٍ بالغ ومموَّهٍ بغلالةٍ فكرية بين السطور- نقيض ما صرحتُ به أنا علـَنا وفي ضمن الاتجاه الاحتجاجي- فوجد نفسه مستغربا أنه غادر البلاد، والقاضي يحمل أمانة العربية، وعاد وقد "خرج" عنها.. وكأنه حادث جلل. وذكرني هذه بكتاب مهم لا بد أن مسؤولي الثقافة يعرفونه جيدا: "الثقافة والمجتمع" Culture and Society للمفكر والمثقف رايموند وليامز، وهو فاصلة فكرية تاريخية أكد فيها أن التاريخ المضطرب للفكر حينما لا ينتقل لواءُ المؤسسة الفكرية من مفكر إلى مفكر.. ولكن من اتجاهٍ فكري إلى اتجاهٍ آخر. وسترينا الأيامُ حالَ واقعنا الثقافي ابتداء من "واقعة المجلة العربية".. وعسى خيرا.ً
 
السيد عبد العزيز السالم غلـَّف احتجاجَهُ بسولوفان ناعم، ولم ينسَ أن يفجِّرَ رأياً قويَّ المغزى والمعنى في نهاية مقاله، متحصناً وراء درعٍ من الشعر: إذا ترحلتَ عن قومٍ وقد قدّروا ألا تفارقهم.. فالراحلونَ هـُمُ (!)
 
مع السلامة..