مقتطفات الجمعة 86
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 86 ، أرجو أن تنال رضاكم.
في الملحق الاقتصدي "بالجلف ويكلي" البحرانية دراسة عن ارتفاع معدل تضخم الأسعار في المملكة، وأن مؤشر الأسعار الكلي ارتفع بمعدل قياسي غير مسبوق. وكنت أسأل البحرانيين عن مسألة الرز هذه ولم ألاحظ تغييرا دراماتيا في الأسعار، عكس الحاصل في أسواقنا. أي دارس لأبجديات الاقتصاد يعرف أن سعر أي منتج أو حتى أي سلعة يعرف أنها تجب وجوبا سوقيا سواء بالبداهة السوقية الغريزية، أو بقانون "آدم سميث" في "اليد الخفية" التي تنظم السوق، بأن الأسعارَ يجب أن تكون في مصلحة السوق السعودية، والسببُ شساعة السوق الكلية، فعندما تنقل كيساً من الرز إلى البحرين يكلفك أكثر من نقله إلى السعودية (قانونُ تناقص التكلفة مع حجم الكمية) لذا يعمد البحرينيون التجارُ إلى التحالف مع السعوديين في نقل بضائعهم للاستفادة من المزية المرجِّحة للتاجر السعودي.
الغلاءُ عندنا خللٌ، والخللُ يعانيه من يضع يدَهُ ويدَ أولاده في الصحن اليومي للأمة. وما قرأناه عند كلِّ من كتب سيطلق لهبَ إثارة الغضب ثم الحنق على التجار، وعلى السلطة المختصة بالسوق الاستهلاكية.. والحل أن يصر الكتاب الآن على وضع الحلول حتى لو تلقت الجهات المسؤولة الحلول بإذن من عجين ( يبدو أن العجينَ سلـِم من ارتفاع الأسعار!) ولكن هناك لابد من أذن تسمع. والحلول كما أشرت في مقالات سابقة لا تحتاج إلى اختراع فهي موجودة.. فهل الحكمة موجودة؟
الدكتور عبدالله الطويرقي من المهمومين بأمر المواطن، كاتبٌ تُشغله فعلا أي شكوى تأتيه أو يسمع بها، وهو هنا اختار المهمة الصعبة. ولكن هي الضمائرُ الكبيرة لا تنام على الضيم يصيب الآخرين. كثيرٌ من الكتاب أجد فيهم حرصا وغيرة، ولكن االدكتور الطويرقي اتخذهما منهاجا شاملا، وبوصلة إبحار، ومسارَ طريق. وهو أيضا رجلٌ مرن ويعيد السمعَ مرة ثانية، ويحكـِّم الأمورَ، ويخبر قراءَه عن تجاوب المسؤولين ويشجعهم على التجاوب بعد أن قال وكتب ما أملاه عليه الضمير. ومن مقالته "من أجندتي" التي نشرت أمس الخميس في (اليوم) اخترت لك هذه الفقرة: ".. صدقوني إننا اليوم لسنا بحاجةٍ إلى من ينافح عن الوزير سين، أو الوكيل صاد فى الحكومة... اليوم اعتبر أن التغطيّة على قصور همومنا المؤسسية وسلبيات أدائها وتفريطها فى حقوق ومصالح المواطنين جريمة لاتغتفر في حق البلد... والبلد اليوم ليس فى حاجة إلى من يرسم الصور الزاهية لأحوالنا وكأننا فى أحسن حالاتنا.. نحن في مرحلة تحتاج إلى متنوّرين حقيقيين يدفعون بالبلد فى مسارات الإنتاج .. وهذا غير ممكن إلا بمزيد من الشفافية ومزيد من الموضوعية.." ولابد أن قراء الدكتور الطويرقي- ونظن أنهم يتزايدون يوما عن يوم- يحيون أنفسَهم بكاتبٍ له النفـَس الشجاع والمتواصل في المنافحة عنهم، لأنه في سبيل ذلك يقود إلى المنافحة عن سلامة وصيانة مكتسبات بلده. وأسجل نفسي قارئا منهم، ومعجبا فخورا.
معصومة المبارك وزيرة الصحة الكويتية المستقيلة إنسانة تحمل صفة وزير، وليست وزيرة لا تحمل إلا صفة وزير.. في الشكل الأول مهما تألقت الصفة الوزارية أو انطفأت يبقى السبكُ الإنساني الأصيل، وفي الشكل الثاني برقٌ خـُلـَّب لا يسقى أرضا، ولا يشفّ عن روح إنسان.. صحيح. لن نعلم أبدا إن كانت الدكتورة معصومة تصرفت بنبل إنساني وشرف ضميري بسبب موت مريضين في مستشفى الجهراء الحكومي، أم بذكاء ودهاء لتنقذ نفسها من استجواب ضارٍ من أكثر من سلطة في الكويت.. ولكنها قدرت أن تتحرر من أسر شهوة السلطة في كل الحالات..
تثبت الكويت شعبا ومجتمعا ومؤسسات أنها تثقفت، ورقـَتْ ليس فقط لمفهوم المشاركة الوطنية، والفعل الديمقراطي، بل صارت ثقافة فكر، وآلية تطبيق، وكرامة شعب.
وكنت من زمن أحب أن أحدثكم عن الصومالية الدكتورة "حوا عابدي" الصومالية التي نشرت عنها "تايمز" اللندنية في الأول من آب (أغسطس) تقريرا ضافيا، والعنوان يقول " طبيبة صومالية تقيدها الإنسانية A Somalian doctor bound by humanity " وهي حاولت فعلا أن تترك بلدها التي مزقتها الحرب، وقطّع أوصالَ شعبها لوردات الحروب، ومعظم عائلتها هاجرت إلى الغرب، وهي حاولت واستعدت للذهاب، ثم فتحب الباب كي تخرج لتلحق بالطائرة، عندما فوجئت بجريحٍ يزحفُ نازفاً إليها، فلم تستطع إلا أن تضع حقيبتها وتهرع لمعالجته.. تلك الحقيبة لم تـُرفع عن الأرض حتى الآن.. وذلك الجريحُ الذي زحف يرعفُ دماً، صاروا طوابير من الجرحى والمرضى.. عيادتها التي تتكسب بها، صارت مقرّاً للعلاج الأكبر في الصومال.. وبلا مقابل. صورةٌ أعظم وأنصع عن كل ما يجري في الصومال. امرأة عظيمة.. أخرى.
الأمة السامية تبقى روحُها جمرة ملتهبة تحت الرماد، والروحُ الميتة تبقى رمادا تحت رماد!
.. مع السلامة