مقتطفات الجمعة 84
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 84 ، أرجو أن تنال رضاكم.
أبارك لكم بهذا الشهر الفضيل، وأرجو ألله أن يأجركم فيه على كل ما تقومون به من أجله بإذنه تعالى. ولعلنا نجدها سانحةً أن نتعلم، ونتثقف أكثر في رمضان حول حقيقة ديننا، وحول معنى الإيمان، وما يجب علينا عمله بعد ذاك. ففي هذا الزمن الصعب بات لزاما على كل منا أن يُبحر، ولو لوقتٍ وآخر، في متون كتب الإسلام الكبرى، ويفقه نفسَهٌ بمعانيها وتفاسيرها، حتى يخرج برحيق كافٍ يجعل كلاًّ منا يعرف طعمَ شـَهـْْد الدين الحقيقي، ولا نترك فراغا في عقولنا كي يزيفه أحدٌ بدعوى أنه أعلم منا، فيسقينا بدل العسلِ الخالص سُمّاً خاما، فينقلنا معه حيث يهلك الخاطئون. وكما أننا نُؤجر ونحن نستقي من ديننا من مناهِلهِِِ المباشرةِ الصافية، فهو سبيلٌ واضحُ الاتجاهِ كي نبني معرفة مكينة عما هو من الإسلام، وما هو ليس منه.. وهذا صار أوجب من أي زمنٍ مضى.
وتكتب الأستاذة عالية عبد المجيد با ناجة، في جريدة "الاقتصادية" في عدد أمس مقالا بعنوان: ( هل للعمل ِآدابٌ رمضانية؟)، وبعد قراءة متأنية للمقال الغني بالمعاني كنت أود مقترحا لو كان عنوانُ المقال: هل تطغى العبادةُ على العمل ِفي رمضان؟ فالأستاذة باناجة ركزتْ على توجّه الناس إلى العبادة المنقطعة، خصوصا بعد منتصف الشهر الكريم، وتقول إنه يؤثر في مجمل الناتج القومي والفردي والمؤسسي ( أو هكذا) في حسبة الربح والخسارة الربعية.. وتستشهد بأن الصحابة والتجار منهم، لم يُعهَدْ عنهم أنهم أوقفوا تجارتهم في رمضان، بل تستشهد بعمل أعظم وأقسى وهو غزوة بدر التي شنها المسلمون في رمضان، ومضمون فكرتها أن العبادة مطلوبة، وتنقية العمل مطلوبة ولكن ليس تركه تماما، أو الإنقاص كثيرا من جهد القيام بأعبائه ومستلزماته، لذا استدراكا فهي تطرح هذه الأسئلة:" لماذا تتوقف وتقل الأعمال في شهر رمضان المبارك في عصرنا الحاضر؟ وفي مجتمعنا بصفة خاصة؟ هل لقلة عدد ساعات النوم، أم لعدم وجود الغذاء ليمدهم بالقوة، أم الشراب الذي يفيقهم من نعاسهم؟" ولكنها أيضا تمدنا بالإجابة بما تراه صائبا فتقول:" يمد اللهُ الجسمَ البشريَّ بقوى هائلةٍ في هذا الشهرِ الكريم يستطيعُ من خلالِها القيام بإنجاز أعمالٍ هائلةٍ من فتوحاتٍ وغزواتٍ وغيرها، ولكننا نأخذُ هذا المدد َالإلهيَّ، ونبقى في منازلِنا، ونتوقفُ عن العمل، ونساعدُ عقولـَنا على التقاعد المبكر."
ولا أظن أن أيا من القراء الذين اطلعوا على مقال الأستاذ عبد الرحمن الشهيب، الكاتب الجيد في جريدة "اليوم" والمعنون "لا تكترثوا لنتائج أبنائكم وبناتكم" لم يتغلغل كل كلمة فيه إلى سويداء قلبه. وقد كان الأستاذ الشهيب صريحا، غير موارب، ولا متقنع، وأدى المعنى بسخريةٍ مُرّةٍ تشبه الكوميديا التراجيديا الدامية، وإن تأثر بها القراءُ من الناس فهذا طبيعي، لأن السيد الشهيب يقول شيئا صاعقا- حقا-:" من الآن وصاعدا علموا أودكم فن الواسطة؟" يا ساتر ما هذا يا أستاذ عبد الرحمن، أحقا وصلنا لهذا الدرك؟ أم أنك تتألم – ومن يلومك؟- على كل صبيٍّ وكل صبيةٍ كادا يذرفان الدمعَ دما، وهما يريان مستقبلـَهما كاملاً يحترقُ أمامهما بلحظة. نعم يصرّ السيدُ الشهيب مكرِّراً يقول لكل أبٍ وأمٍ: "علموا أولادكم الواسطة، كيف تكون؟ ومن أين تؤتى؟" لماذا؟ فيبرر الشهيب:" طالما أن نتيجة 99 في المائة لن تدخلهم كلياتهم التي يرغبون." ثم إن السيدَ الشهيب- رعاهُ الله- يشد عزمَه فيتوجه مباشرة إلى الأبناء والبنات موجـِّها: "اعلم رحمك الله تعالى يا بني/ يا بنتي أن الواسطة علاجٌ فتاكٌ تحل بها كل معضلات القبول وكل أزمات التوظيف ونقل المعلمات وخلافه وما شابهها من أزمة أسرة في المستشفيات ومن الدوران الغثيث في الدوائر الحكومية. اعلم رحمك الله أنك إن أردت أن تأتيك ترقيتك في العمل قبل وقتها فعليك بالواسطة وإن طمحت إلى علاوةً محترمة في راتبك فعليك بالواسطة... لا تعتمد على واسطة والدك دائماً يا بني فعلم نفسك الواسطة منذ الصفوف الدنيا، عاشر الكبارَ وجارِهم وتحمل غثاثتهم وثقل دمهم لأنهم سينفعونك يوم تتكالب عليك المحن..". وقلنا إن كل كلمةٍ من المقال مسّتْ شغافَ قلوبِ الناس، ولكن بقي شيء آخر.. أن تلامسَ قلوب المسؤولين!
ضربت سلسلة من الزلازل يوم الأربعاء الثاني عشر من الجاري جزيرة سومطرة الإندونيسية، بعضها كان عظيما وقد وصل إلى معدل 8 على مقياس ريختر.. ويتخوف الخبراءُ بعد أكثر من عشرين ضربةً عنيفةً ومتتابعةً أن تنشأ ظاهرة تسونامي جديدة. لقد خص الله هذه المنطقة بقابلية الزلازل، ويسميها علماءُ الجيولوجيا بحزام النار. الخسائر ستكون كبيرة، ولكن من لطف الله أن الحكومة الإندونيسية، والمنظمات العالمية المقيمة هناك اكتسبت خبرة كبيرة من التجارب الأليمة والمريعة السابقة. وننتهز هذا الشهرَ بالدعاء لإخواننا الإندونيسيين، بأن يلطف الله بهم، ويحميهم، ويعوضهم خيرا وأجرا.. وألا تقصر أي دولة إسلامية بالخصوص عن تقديم الرفد والعون للمنكوبين الدائمين، وأن نحمد الله كثيرا على بعد منطقتنا عن اضطرابات القشرة الأرضية.. ولكن، من يعلم سواه؟
ورحم الله إمامنا الشافعي فقد قال: يا جامعَ المالِ ترجو أن تفوزَ بــهِ كلْ ما أكلتَ وقدِّم للموازينِ ولا تكنْ كالذي قالَ إذْ حضــــَرَتْ وفاتُهُ: ثٌلثُ مالي للمساكيـنِ
مع السلامة..