مقتطفات الجمعة 83

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلاً بكم في مقتطفات الجمعة 83 ، أرجو أن تنال رضاكم.
 
فرصة سانحة في هذا الشهر الكريم أن نبدي الرأيَ الصادق، فالرأي الصادق ليس قاطع الصحة بالأكيد، ولكن الصدق هو عين الصحيح. أهم المواضيع التي تهم الجميع هو القرار الرسمي (الحكومي) لأنه إما يؤثر في المواطنين جميعا، وأما يؤثر في طبقة كبيرةٍ منهم. والقرارُ الرسمي يسهم في التأثير في قوة الدولة، وترابطها الاجتماعي، ومتانة اقتصادها، وتلاؤم عناصرها. ولقد جربنا القرارات الحكومية وأثرها في الواقع المعاش، وليس عيبا أن نعود لتاريخ القرارات التي أسهمت في تراجع ونكوص، والقرارات التي أسهمت في دفع محرك الأمة للأمام. يجب أن يكون للقرار آلية ونماذج وممرات إجراء، ووسائل رصدٍ وقياس، ودراسة جودته -كأي منتج قبل أن يخرج للسوق- فلا نـُطلق القرارَ الرسمي الذي يمس الناس إلا بعد تلك المراحل، حتى لا يكون سهما ينطلق إلى صدر المواطن، بدل أن ينغرز بصدر عناصر التأخر وبواعث المشاكل. وشيءٌ مهمٌ.. وهو أن القرارَ لا يكون صحيح متى ظنّ راعي القرار أنه أكمل جوانبه التي تؤهل لصحته، فالأمورُ محكومة بنتائجها، وبالتالي القرار الصحيح-أو الذي نظن أنه صحيحا- متى كانت نتيجته خاطئة، فلا بد أن يكون خاطئا، نقطة آخر السطر. على راعي القرار- وهذا من مهاراته وليس من قلتها - أن يعيد التفكير في القرار بعد أن يسحب أولا مفعول تطبيقه. وأي قرار يمس الجموع لا بد أن تـُراعى وتدرس به نفسيات الجموع من حيث ردود الأفعال، أي قرار مهما كانت صلابة رأينا في صحته، ثم يثير غضبا عاما، فهو مؤشر بأنه خاطئ، أو أن فيه دواعي الخطأ.. وبما أن القرارَ للناس فلا بد أن يحقق رضا أو اقتناع بنسبةٍ مهمة. أما أكبر أخطار ظروف القرار، فهي المكابرة والعناد.. إنهما وقود نار التخبط والغرق في الرمال المتحركة.
 
القرارُ مثل عفريت القمقم، محبوسٌ في قمقمه ونحن منه آمنون.. وخروجه قد يفيدنا، وقد يكون خروجه الضرر الأكبر.. وهنا قبل صدور أي قرار، لا بد للمسؤول بينه وبين نفسه، وبين مستشاريه أن يطرح هذا التساؤل:" إن أخرجنا العفريتَ من القمقم- وهو هنا القرار- فهل يمكننا إن لم يعجبنا أن نعيده إلى قمقمه.. أم لا؟!"
 
ماذا يُراد للبنان؟ يبدو أن نيات محبي لبنان غاصت عميقا تحت وحول نيات أعدائه. "أنطوان غانم" زعيم الأكثرية النيابية اللبناني، ومجموعة من مواطني لبنان العابرين نُسفوا حتى الموت. الذي يُريده أعداء لبنان من هذا الإصرار على الدم ضد مؤثري الرأي اللبناني، أن يتركوه جُرماً طافياً بلا جاذبيةٍ تشده للأرض، وخلق فراغ دستوري قد يكون أخطر من أحداث 1958 ميلادية. هل يستيقظ طائرُ الفينيق ماردا من الرماد؟ أم ينتظر رصاصة الرحمة؟ ولكن، لا رحمة عند شياطين السياسة!
في عدد صحيفة "الجزيرة" في الثامن من رمضان الجاري، ظهر رسمٌ كرتونيٌ فاقعُ المعنى لرسام الكاريكاتير الأستاذ عبد الله جابر.. والرسمُ ليس به حرف واحد يشرح أو يبيِّن، رسمٌ صامتٌ أبلغ من الكلام. فالرسمُ عبارة عن شخص غير ظاهر، وترى أنه أعدَّ أهمَّ عناصرَ إفطارِه: فنجان القهوة، صحن من التمر، و.. ثلاث سيجارات!
 
"الأم تيريزا"، من لا يعرفها؟ الراهبة الكاثوليكية التي كرست حياتها لفقراء ومرضى الهند، ونالت جائزة نوبل للسلام، هل كانت عميقة الإيمان في كل أطوارها؟ ظهر عددُ مجلة "التايم" الدولية وعلى الغلاف صورة الراهبة الأشهر في عصرنا، وعنوانٌ يقول: الحياة السرية للأم يريزا. وفي الداخل تحقيق يثبت أنها عاشت طيلة الخمسين عاما الأخيرة من حياتها أزمة َإيمان(Crisis of Faith). تصور؟ أهم رمز مسيحي في الأزمان الحديثة، ومن نذرت نفسها كما تنذر كل راهبة أو راهب حياتهم، كما يعتقدون، ليسوع المسيح، كانت تشكك في قضية الإيمان، وترى سجفا تحجب عن عقلها صفاءَ التفكير المنطقي مما تقرأ وتسمع وتشاهد في الكتب والكنائس والأقانيم. فبينما تبدو الأم تيريزا أمام أتباعها أثناء صلاتها وكأنها تجسيدٌ لخلود الإيمان- كما تقول المجلة - كانت تصارعُ شكـّاً عنيفا في وجود الله. وكانت رسائلـُها لأصدقائها والكهنة المعمدين في العالم تنبئ عن شكٍّ يزعزعُ الكيان.. في آب (أغسطس) من عام 1959 ترسل رسالة إلى الأب لورنس بياشي تقول له:" قل لي أيها الأب: لماذا هناك الكثير من الألم، والظلام في روحي؟".. وقالت لقسيسٍ في 1986 في مجد عملها التكريسي:" وسط كل هذه الأعمال هناك ظلام ٌسحيقٌ في نفسي، وشعورٌ بأني انقطعت عن الله.. تماما!"، ووعدَتْ بخط يدها لأحد أصدقائها: "لن أهتم بعد الآن بهذه الأفكار الغريبة التي طالما تزورني!".. هل الإيمان كان دافع الأم تيريزا لعمل الخير؟ أم الشك والخوف؟ وهنا تلمس عبقرية الإسلام أن يكون من أهم أسسه السكينة والقبول واليقين.. معاً!
 
وسؤالٌ من شاب يقول: لقد ثبت أن أصل الكون هو الانفجار العظيم.. فهل ينافي هذا وجود الله (عز وجل)؟.. وأقول لصديقي الشاب ما قاله عالمٌ إنجليزي، لمن سأله أن الكونَ خرج من فوهة مدفع (يقصد الانفجار) فرد عليه: إذن، من أطلق الزناد؟!
 
مع السلامة..