مقتطفات الجمعة 75

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 75 . أرجو أن تنال رضاكم.
 
قضية الأسبوع: ضربة استباقية لخلايا إرهابية تهدف إلى تخريب اقتصاد المملكة واغتيال علماء دين، ورجال أمن"- عنوان رئيسي في كل الصحف السعودية.. وغيرها.
 
تهنئة: أتقدم بالتهنئة إلى جهاز وزارة الداخلية فقد كان يقظا محترفا ومعلوماتيا وماهرا وحاسما للتصدي للشر قبل أن يتفجر في أنحاء البلاد.
 
برنامج قناة الإخبارية: هاتفني مساء الأربعاء القريب الأستاذ الصديق محمد التونسي، وهو من أساطين الإعلام، ورائد بنـّائي الفكر الإبداعي الجريء والمواكب للحدث، يطلب مني المشاركة في برنامج حول الموضوع الذي شغل البلاد، وروعها في بعض أبنائها.. لم أشارك لظرفي، ولكني أصغيت للبرنامج.. وخفتُ مرة أخرى. خفت أننا نكرر آلية توقظ كوامن الجمر الملتهب تحت الرماد، وتكون الريح التي تنفخ فيه لا تطفئه بل تزيده اضطراما.. هذه الريح اسمها اللوم.
 
شارك معظم المتداخلين بكميات من اللوم على فئات في البلاد، منهم المعلمون والأئمة وحلقات المساجد، وعلى هذه الحاوية الصغيرة التي تجمع فيها القروش في المحلات، وصوروا أن الشعبَ مغررٌ به من قبل هذه الفئات، وكان اللوم منهمرا، واتهاميا.. فكـّوا عنانَ ريح ألهبت قضية غاضبة أساسا، وكأنه نوع من التشفي في فئة ضد فئة.. بينما كل ما يجب هو عقاب أي مجرم عقابا صارما، ثم الالتفات للأمام للإصلاح، وليس إلقاء التهم للماضي.. لقد كانت محاكمة، وقضاة، وإبراما ضد جهة واحدة.. وهذه الجهة غائبة. وأقول لهذه الأمة من موقع مواطن بسيط خائف اسمه نجيب.. ما يخيفني هو مواجهة التعصبِ بالتعصب.. اللوم باللوم.. ثم هي دوامةُ الشيطان، أو حلقته النارية التي يرقص بها مع خيالات الجريمة والشر والحقد.
 
الحل؟ لا يمكن لعاطفةٍ غاضبةٍ ولائمة إيجاد الحل، لا يمكنك أن تحضر من يكره الرياضيات ثم تطلب منه فك المعادلة أو حلها. عندما نجحت الجهة الأمنية في القضاء على الفئات المجرمة بدلائل كما قرأنا مثبتة، وبأهداف مريعة سمعنا بها حتى النية في استخدام الصواريخ، فهذا يعني أن الجهة الأمنية نجحت. وكيف نجحت؟ هل نجحت من اليوم الأول؟ لا بالطبع، ولكنها نجحت لأنها طوّرت نفسها، ولأنها حللت المعلومات التي تراكمت، ولأنها دربت وتجهزت، إذن اهتدت إلى حلٍّ ممتاز بعقول متخصصة وممتازة.. وجاء الدورُ الآن على الجهة المدنية في البلاد لتكمل هذا النجاح، ولن يكون ذلك بإيقاظ وحش قلما ينام هو اللوم، واللومُ بمعنى رياضي منطقي يساوي تماما الفتنة في القوة وفي الاتجاه.. نحتاج إلى شخصيات متخصصة وهادئة، وعاقلة جدا، وأرجو أن ننتبه لـ "جدا" هذه لأن أي كلمة تلقى على الناس من محطة جماهيرية في وقت مفتوح الجراح قد يكون قطرانا يصب في الجرح المفتوح.. فالعناية بالأشخاص والعقليات التي تواجه الأمة بالغ الحيوية "جدا!". فاللومُ بسيط، والغضب بسيط.. ولكنهما كريح تطفئ شيئا مهما وهو سراج العقل، وتثير ضرام شيء مهم آخر وهو إشعال فتيل الأحقاد.
 
كان الأستاذُ في الشريعة الدكتور محمد العبد الكريم ضيفا هادئا في البرنامج، ومتفتح الفكر، ورصينا جدا في كل كلمةٍ قالها، وكان في رأيي أنموذجا صحيحا للتصدي لما يصير، فهو أولا رجل متدين من جامعة اشتهرت في البلاد بنمطها العام المتدين، وهذا الصوت مهم للمتعصبين المارقين من المفهوم الديني القويم لأنه يقف على أرضية دينية ثابتا عالما متفقها، لذا كان في البرنامج يتصدى لجبهتين، جبهة السيل المضطرم من شدة اللوم، وكأن وقت التصفية قد حان، وأن يبين للناس من موقع علم أن ما صار هو خروج على كل ما يدين به المسلمون، لذا كان يصر أولا وآخرا على التشخيص.. ولو اقتصرت الحلقة على التشخيص لكان أجدى وأصلح.. ولكنها حملت اللوم بالكلام وبالحركة وبالافتعال.. ولم يكن الوقت مناسبا، حتى لو كان صحيحا.
 
الحل.. أيضا: تكلم المتحدثون عن الإرهاب ووصف بالمرض، وهذا صحيح جدا. فكيف تعالج الأمراض المعالجة؟ لو سألتم نطاسيا، لقال لكم:"وداوني بالتي كانت هي الداءُ" بالتحصين أو التطعيم من ذات الفيروس، وحقنه حتى يتحصن الجهاز المناعي. على أن المسألة في الواقع لا نقصد بها حقن الفيروسات، ولكن إعادة استخدام ما نعتقد أنه نجح في نشر الفكر الخاطئ، لتكون هو المنصات التي ننطلق منها لنشر الفكر الصحيح والمنير.. إن كانت حلقات المسجد نجحت في نشر فكر سيئ، فهل نعاقبها بالإقفال، هي نجحت بالنشر، أي بالوعاء وليس المحتوى، فلنكب إذن المحتوى المضلِّل، ونعيد ملء الوعاء الناجح بمادة طاهرة ومغذية للعقل والروح.. فالسكينُ بحدّين، وعندما يستخدم مجرمٌ السكينَ فلا يعني أن نصادر السكاكين من كل مطبخ في البلاد. وأن نعتني بالمعلمين والإرشاد.. وتنشيط وزيادة مراكز العمل الاجتماعي الذي يجب أن يكمل الأداء الحكومي في مواجهة الفقر والحاجة وهما من مناقع الغضب، والغضب سمادُ بيئةٍ يترعرع فيها مخلوقٌ اسمه الشر!
 
التعصب: ليس بضاعة سعودية التعصب، بل بضاعة عالمية.. وليس السعوديون فقط بطرائقهم يفرخون الإرهابيين، وعلى السعوديين ألا يصدقوا ذلك فهي خرافة.. والدليل أن في الخلايا التي ضُربت كثيرا من غير السعوديين بل هم القادة.. التعصب هو صفة ممكن أن تنشأ عند السعوديين وعند غيرهم. ومن هنا يكون انطلاق فهم التعصب حتى لا نعود كل مرة إلى مدارسنا وناسنا، ونفتش عن قرش ضائع في الأدراج، بينما القرش ملقى في قارعة الطريق!
 
وفي الطرف الآخر يفوز الشاب السعودي "ياسر القحطاني" بجائزة أفضل لاعب آسيوي باقتدار.. ولا نقول منطقا إنها جائزة لا يفوز بها إلا السعوديون.. ولكننا كغيرنا نفوز إذا اجتهدنا وعملنا واحترفنا المهن ودقة العلم بالتخصص، ونهزم أنفسنا متى صرنا نستخدم أصابعنا لغرزها في صدور بعضنا بعضا لوما واتهاما.. وإلا ترشحنا لجائزةٍ أخرى .. جائزةٌ لن نحبها مطلقا!
 
مع السلامة..