مقتطفات الجمعة 72
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة رقم 72 ، أرجو أن تنال رضاكم.
موضوع الجمعة: أتمنى في هذا العيد أن نصدِّقَ جميعا أننا شعبٌ نملكُ كلَّ عناصر التفوق لمستقبلٍ ساطع النور، ويمنعنا عن رؤيته نظارةٌ سوداء نرتديها كي نتقي ذاك السطوع! ولو كان بيدي ومقدوري في هذا اليوم المجيد، اليومُ الثالثُ من عيد المسلمين حيث تقف ملايينُ الأرواح تتطهرُ تحت السناءِ الإلهي، في أنقى مكانٍ على الأرض، لما ترددت أن أخلع النظارة وأرميها في عين الشمس، أو أطوِّح بها حيث تبلعها لـُجـّة بحرٍ حان الوقت أن نبحر فيه.. بحرُ المستقبل. ولن آسف على تلك النظارة ولو كانت من "فيرساتشي" أو "مون بلان"، أو مرصّعة بالجواهر.. اليوم أريد أن أكون معكم بطريق النور.. بلا نظارة سوداء.
رأي الجمعة: إننا قاب قوسين أن نمسك المستقبلَ من عنانِهِ، وننطلقُ به مجنـّحا لأعالي المستقبل الواعد، متى رمينا النظارة السوداء، لأن في بلادي عقولا، وعرفتهم كما أعرف هذه الأصابعَ التي أطبعُ بها الآن، وهي عقولٌ أستطيع أن أباهي بها العالم، وأتحداه أيضا.. عقولٌ لم تنل شهادتي أنا واعترافي، فما قيمة شهادتي أو اعترافي؟ فوق أنها توصم قطعا بانحياز المُحب. ولكنها شهادة من أجانب علماء ومفكرين عرفتهم، وعرفوا هذه العقول التي بيننا، وقالوا لي جملة يكادون يتفقون عليها: "بعقولٍ مثل هذه، فالعالمُ ينتظركم كي تفتحوه".. وهذه الجملة بالضبط قالها لي صديقي الفرنسي "بيير أيفاليه" مفكرٌ تعرفت عليه من عربي مفخرة لنا في فرنسا هو صديقي رياض علاقي، ولم يشط بعيدا البروفسور المصري الأمريكي العالم أحمد حسن حين كتب لي عن عقولٍ وطنية رآها وتعرف عليها، وخرج بانطباع أننا نملك أقوى عقول العالم العربي قاطبة في إدارة الجامعات والمستشفيات والمرافق الصناعية الكبرى.. وهو لم يكتف بهذا فكتبه لي، ثم طلب مني وبشدة وبإصرار أن أنقلها باسمه، وكنت أحاول أن أقنعه بأن هذا سيحرجه في بقية العالم العربي الذي تعرفه دوائرُه العلمية، ولم يكترث، بل هزّ كتفيه وقال: "يا صديقي أنا لا أدينُ لأحدٍ في قول الحقيقة!"
مقال الجمعة: يكتب الأستاذ عبد العزيز السويد مقالا بعنوان "سليق"، في جريدة "الحياة" في السابع عشر من الجاري يتهم التجار بأنهم جشعون، وللأستاذ السويّد أن يتهم التجار لسببين: أولا، لأن جدارَهم خفيضٌ فكل من يريد أن يقفز فوقه فهو متاحٌ مباح، مع أن موضوع الغلاء جدير أن نناقش فيه أكبر سلطة للنقد في بلادنا بوضع ريالنا بشكل عام، فكل بيوتات المال التي اطلعت على تقاريرها تشير إلى أن من الحلول لمكافحة الغلاء إعادة التفكير في القيمة المربوطة بالدولار، وهو حديث يطول، وربما إعادة التقييم آتية.. وثانيا لأن "بعض" التجار فعلا جشعون متى ثبت، ولكنها طبيعة إنسانية متى كانت القوانين إما تتيح ذلك أو أنها لا تحاربه أو لا تطبق عقوبات انتهاكاته. وكنتُ أتمنى من أستاذنا السويد ألا يحقن الناسَ على الناس، فنحن لا يمكن أن نحل وضعنا الاجتماعي العام بإضافة شقٍّ جديد في جدار التراضي الوطني فهو، ونشكر الله، به من الصدوع ما يكفيه، وإذا كنت أحب بلدي فعلي الرتق لا الشق.. إلا في التهمة الواضحة والمثبتة والمخالفة للقانون. كما أن التعميمَ وتكريه الناس بكامل قطاع التجار لا يجوز منطقا ولا قانونا ولا عدلا، فكل واحد منا يستطيع أن يعد من التجار من يراهم مفخرة لبلادهم وناسهم تشفعها لهم أعمالهم، والمجتمعات العظيمة يبنيها العصاميون أصحاب المهن والأعمال الحرة وليس مجرد الموظفين والكتاب، فالغربُ بناه رجالُ المِهَن الحُرّة، وسقط السوفييتُ لأنه كان يدار فقط بالموظفين وكتاب الدواوين واللجان ومكاتب الحزب الوحيد.. كما أن الأستاذ السويد اعتبر "الاقتصادية" منبرا يساهم في خدمة التجار الجشعين، ونحمد الله أننا لم نصل لآلية المقاضاة ورد الاعتبار وإثبات التهم المعلنة للملأ، وإلا لسمعنا هنا بقضيةٍ تـُرفع ومبالغ تدفع للتعويض.. وإني باسم "الاقتصادية"، وأرجو ألا يكون تعديا مني، أطلب من الأستاذ النابه السويد أن يكتب ما يشاء حينما يشاء في "الاقتصادية"، وسيسعدها أن تكون منبراً لأيٍّ من آرائه!
هل كان الأستاذ السويد محقا في تهمة الجشع للتجار؟ للأسف أن هذه صفة صارت تعم معظم الأفراد في مجتمع يلهث وراء المظهر وملء الجيب، وما ضيع الناسَ في سوق الأسهم وشركات حلب الأموال إلا هذا الجشع. وأمرُّ في شارع من حي داخلي وأرى كل بيتٍ هُدم جمالُ معمارِه وضُحِّيَ من مساحة للعب الأبناء من أجل أن يقيم صاحبه حلاقا، أو دكانا، أو مكتب عقار.. فمن هم التجار؟ كلنا تجار، وبعضنا فقط مع وقف التنفيذ. وإن كان الأستاذ السويد عمم بلا استثناء، ولكن، من وجهة نظر عادلة، هو تحذيرٌ للتجار الذين لا يخافون الله في مالهم ورزقهم، ولا يخافون الله في أُسَرٍ ضعيفة ولم تعد قليلة في البلاد، بل كثرة وتتكاثر. فالتجارة رزقٌ حلال، وإنما الاستغلال منجلٌ يُقطـَّع به لحمَ الناس، ولحومَ أبنائـِهم. وهي دعوة لـ "الاقتصادية" بما أنها الواجهة الإعلامية الأبرز للاقتصاد في البلد، في التخطيط لحملة توعية في كشف عمليات الجشع والابتزاز العام والتحايل المخطط عن عمليات المتاجرة والربح والنمو التجاري السائغ والمحمود.. والمطلوب!
في هذا العيد أتمنى ألا يحيل بعضُ التجارِ النعمةَ إلى.. خطيئة!
مع السلامة..