مقتطفات الجمعة 69

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة رقم 69 ، أرجو أن تنال رضاكم.
 
انتقل إلى رحمة الله معالي الشيخ إبراهيم العنقري، وكان الرجل تاريخا يمشي على قدمين، بل هو من صناع التاريخ السعودي المعاصر، الله وحده يعلم كم كان دور الرجل الذي رحل كبيرا، والله يعلم كم من هذا المقدار لم نكن نعلمه، لأنه رجل لا يفصح، رجل تلهب عينيه الأضواء فيحمي نفسه من الأضواء.. رجل عاصر تماما وقياسا مراحل تطور هذه الدولة من مجرد أكبر كمية رمال في الأرض، إلى أكبر مصدرة نفط على الأرض.. لو قدر لهذا الرجل أن كتب ذاكرته فلن تجد أصدق وألصق في الواقع مما كان سيكتب.. أو ربما كتب. يرحل الرجل الكبير، وأظن أن التاريخ السعودي المعاصر سيهتز توازنه بعد أن اعتاد عليه أكثر من ستين حولا من التحصيل والعمل.. اللهم اغفر له، ويسر له فسوحات الجنان. آمين.
 
لا أدري إن كان من المناسب أن أقول إني فرحت أن صديقي، بل صديق الجميع، خالد السهيل كتب أخيرا عن ابنته "لينا" التي اختار الله أمانته، ولم يبد على الرجل إلا المصابرة والجلد، وكأنه في حالة إنكار عظمى، ولما رأيت مقالته في الاقتصادية عن "سبحة لينا" في 16 الجاري حمدت الله أن الرجل الرقيق أخرج بعض الحزن الكامن في قلبه المطنف.. خفت أن يبقى الحزن في داخل روحه فيسممها وهو الرجل الشديد الحساسية، المتناهي التهذيب، والذي يقيس كلمته بألف مقياس قبل أن يخرجها أمامك خوفا أن يقول لك كلمة لا تناسبك فيبتئس طيلة يومه.. لقد بكى السهيل على السطور قطعة قلبه التي رحلت فأخذت جزء القلب معها، بكى بصمت متتابع مهيب، سمعنا شهقاته المكتومة في التواء كل سطر، وحنايا كل حرف.. بكى وأبكانا. ولما أبكانا أفرحنا. حان للقلب المكلوم الجريح أن ينطلق.. وحان لأبي رغد ولينا أن يعانق رغد في الحياة، ويعانق لينا في الأبدية.. طوبى للأمهات والآباء حين يلتقون بالأبناء.
 
وفي جريدة المدينة بتاريخ 15 كانون الثاني (يناير) الجاري كتب الأستاذ جميل الفارسي مقالا بعنوان: "ماتت مشاعل، وقد ماتت قبلها المشاعر"، ينضح حزنا ولوما وغضبا وأسى وأسفا. أشغل الفارسي القلوب بقصة الفتاة مشاعل التي كان يتساءل في بداية مقاله فيقول:" هل ستكون مشاعل طبيبة؟ لا، ستكون معلمة؟ لا، ستكون إخصائية اجتماعية؟ لا ربما ربة منزل؟" ثم ينزل علينا مفاجأته الصاعقة الأسى، فيتابع قائلا:"لا، فلن تكون أياً من ذلك، كيف تكون وهي ماتت في الأمس!" أما كيف ماتت؟ سنعرف أن مشاعل تجمدت حتى الموت.. يا لرب السموات. ثم إن الفارسي لا يلوم البرد أبدا، وإنما يعتبره أداة قتل، ولكن يا ترى من يتهم الأستاذ الفارسي؟ من يلوم؟ لمن يوجه أصابع الاتهام غاضبا متعجبا ذاهلا باكيا مقهورا؟ الفارسي يصرخ فينا: "نحن قتلناها". قتلها هذا المجتمع الذي أعماه الطمع، لأننا بدلا من أن نوظف أباها استقدمنا عاملا أرخص منه وأكثر طاعة، فماتت من البرد في بيت من الصفيح، ماتت وهي لم تنه مقرر التربية الوطنية، كما يقول الفارسي، ماتت مشاعل فاشتعل قلب الفارسي وقلمه وصب جام غضبه على نفسه ومجتمعه، فيتضور وجعا وهو يقول: "متِّ من البرد يا مشاعل، ونحن نذهب لسويسرا بحثا عن البرد!". مقالة الفارسي الحزين الغاضب الموجوع لا بد أن تكون في مقررات التربية الوطنية.. حتى يكون لها معنى.
 
ويكتب الأستاذ خالد عبد الرحيم المعينا الثلاثاء الماضي في الاقتصادية مقالا ضافيا بعنوان "رسالة إلى بوش" ويخبره أنه صديق، وأن الصديق لا بد أن يصارح صديقه، ونرجو من الله أن يقع كلام أستاذنا وأخينا المعينا في قلب الرئيس بوش، مع أنه كلام للعقل أيضا. ركز السيد المعينا على مسألة الكره بين المسلمين وأمريكا، وراح يثبت للرئيس أن هذا مجرد خرافة ابتدعتها دوائر داخل الإدارة الأمريكية ثم صدقتها أمريكا، وذكره أنه قبل هذه المصاعب في العلاقات التي ساهمت فيها أمريكا بتحيزها الثقيل مع إسرائيل ضد الفلسطينيين والعرب لم تكن هي السائدة، فلطالما أعجب العرب والمسلمون بأمريكا كبلد قوي ومتحضر وفيه روح الديموقراطية، وممارسة أقصى أنواع الحرية والكرامة الفردية.. ولكن طريقة التعامل هي التي تولد طبيعة العلاقة، ولا ينسى المعينا أن يذكر الرئيس أن العرب من كل مناطقهم والمسلمين تضافروا مع أمريكا في أفغانستان لدحر جيوش الإلحاد السوفيتي.. فيطلب منه الالتفات بعدل للمصالح الحقيقية في المنطقة، وأن هذه هي الطريقة الوحيدة إن أرادت أمريكا استعادة مواقفها القديمة مع العرب كدولة صديقة.. ومحترمة!
 
ضرب برد شديد البلاد، وسجلت العلامة السالبة بأكثر من منطقة، وقرأت، ويا للمفارقة، أن سبب زيادة "البرد" في المنطقة هو ارتفاع "حرارة" الأرض! عجبي!.
 
مع السلامة..