مقتطفات الجمعة 67
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة رقم 67 . أرجو أن تنال رضاكم.
قضية الأسبوع- الغلاء: الغلاءُ يعصف بالناس عصفا، ويجردهم من كسواتهم المالية تماماـ ليصبح بدنهم الاقتصادي مكشوفا أمام ضغوطات الحياة، وهذه الضغوطات لا تعرف إلا مزيدا من الضغط. وكأنه أصابنا نوعٌ من عضّة الجليد كما يقال في الطب، وهنا يحاول المصابُ قشع لحمِه بيده محاولا تخفيف الألم بينما هو يزيد من الحالة تعميقا وانتشارا. إن ضربَ حجارة اللوم على أي طرف في المجتمع ليس حلا، وإن أردتَ محاولة إصلاح الناس فلا يجب أبدا، كقاعدةٍ أوليةٍ ومنطقيةٍ وأساسيةٍ أن تبدأ باتهامهم، إن أردت أن تصلح حال لص، فإنك ستفقده حال أن تقول له: "أنت لص".. حتى لو كان حقيقة. إن الالتفات يجب أن يكون لإيجاد الحلول.. ويبدو واضحا أن التجارَ هم مشجب اللوم الآن، وقد يكون في هذا اللوم صحة وقد لا يكون، فالتعميمُ قاتلٌ وضار. لذا أقترح أن تقوم الغرف التجارية الآن بانتفاضةٍ كبرى لتصلح من الأمر، وترمّم السمعة، وتضع ليس فقط سمعة التاجر السعودي في مسارها المستحَق، بل أن تساهم أيضا في إبداء وممارسة الحلول، وهي لا بد أن تعلن للملأ هذه الحلول، كما عليها أن تطرح الحلولَ أمام الوزارات المعنية، فنحن يجب أن نتذكر دائما عواقب القرارات الرسمية المكتبية وأثرها الضارب للعظم في الاقتصاد لمدة تطول، وإن كان صاحب القرار أخذها في ساعات أو أيام.. وأن تعلن الغرفُ أنها فعلت ذلك، وتعلن كيف كان تجاوب الوزارات المعنية. ليس معقولا أن يصل بنا الحال إلى أن يكون الموضِّح لموقف التجار وكأنه محامي الشيطان، لما حاولتُ يوما أن أثني على التاجر الذي يخاف اللهَ في تجارته وفي حال الناس، وشدّدتُ اللومَ على التاجر المخزن للبضائع، والمتحفز لقنص الفرص في رفع الأسعار ووصفته كأنه سكينٌ مثلوم يقطع من لحوم الناس خصوصا الفقراء، قامت ضدي حملة من كتاب نسوا شق اللوم ولاموني على الشق الأول. لا ألومهم أبدا، فهي عضة الجليد، بل إن عضة ارتفاع الأسعار أوغل ألما، وأشد تأثيرا في سير الحياة!
مفيد النويصر يخرج بروايةًٍ أولى أو كما يقال بالإنجليزية "Debut"، وكنت قد ذكرتُ يوما هنا في معرض تعرضي لكتاب أجنبي بهذا المعنى، وأن لتلك الكلمة معنى ومذاقا لمن يطالع في الأدب الإنجليزي كثيرا، وأن لا رديف لها بالعربية بكلمةٍ واحدة، ورأي الأستاذ الدكتور "إبراهيم نتو" أن يصححني بأن كلمة (باكورة) هي المرادف العربي المناسب. على كل حال، يخرج النويصر عن النمط الروائي السعودي، وأنا لا أبالغ إن قلت العربي عموما، وبالسعودي أقصد بالذات الموجة التي عمّتْ القصة السعودية مع الشبان والشابات الجدد بالاعتماد الصريح على الخروج عن الخط اللاجتماعي التقليدي، وقد يسميه البعض بالأدب الفضائحي وله ذلك، وإن لم أقله أنا. ولكن النويصر يجب أن يُقرأ كتابُه ( الواد والعم) بعنايةٍ شديدةٍ حتى لا يصِمه بالفضائحية، وأن يكون متمرسا في قراءة النص، وانعكاسات الحالة النفسية على الخط العريض للسياق، وقد برع هذا الشابُ جدا في تقمص أسلوب إسقاطٍ بارع، هو مفتاح كل القصة، لو أدركها القارئُ الحصيفُ لزادت متعتـُها الفنية والأدبية والسردية. إنه أسلوبُ "جيمس جويس" الإيرلندي العظيم في قدرة التلبس النصي بالكساء النفساني الإرجاعي الكثيف، وقد يكون النويصر قد اطلع على نتاج هذا الكاتب الفريد، وقد لا يكون، وله السبق هنا في الحالتين، فعندما يتكلم المؤلف عن الفتى الأسود المثلي، إنما يسقط بصيغة "الأنا الراوية" آلامه المباشرة والإيحائية على عذاباته المبكرة في طريقة التربية العنيفة من والدهِ، وتنمّر أخيه الذي يفترسه (كالأصـَلـَة) كل يوم، وعذابات والدته، وكذلك تماهٍ مفاجئ مع صاحبه المقيد بالكرسي المدولب مع قيودات الحياة المفروضة عليه، وعندما ينتقل إلى لندن مع أسرتين إنجليزية وسعودية يبدأ إسقاطا يختلف عن المذهب الجويسي إلى واقع وعفوية "همنجواي" ولكن بلا إيقاع عاصر وعنيف. عندما تنظر إلى قصة النويصر من هذه المفاتيح النفسية والاجتماعية النقدية (مثل طواييس سيارات العاصمة) وما تعرض له حول خانة المرأة المحزقة التضييق بالمجتمع لربما رأيت أنك أمام فتحٍ روائيٍ من نوع جديد.. وهنا أسقط بدوري كلمة Debut"" وهي لا تقف عند النويصر ، وإنما "نمط باكوري" جديد في السردِ الروائي السعودي.
انسحب من المجلس البلدي بالدمام أربعة أعضاء وكلهم من الأعضاء المنتخبين، وقد كنت قد كتبت في هذا الحيّز – مالي أرددُ هنا أني كتبتُ وفعلتُ؟ عفوا إن تضخمتُ قليلا، فربما كنت بحاجةٍ لإعادة توجيهٍ وإرشادٍ منكم- عن أن الخليط المتنافرَ لن يتجانس، والتنافرُ هنا ليس من الناحية السلوكية أبدا، لكن من الناحية النوعية، فالتعيينُ كآلية، والانتخابُ كآليةٍ لا يندمجان، وهذا ما حذرنا منه في البداية، فرغم تقديري لعملية الانتخابية الأولى من نوعها للمجالس البلدية، إلا أني وضعت يدي على قلبي منذ عرفت أنه سيكون مخلوطا بين نوعين من الأعضاء، "منتخـَبون ومعينون"، وأطلقتُ وقتها صفة "المجلس الهجين"، وبالفعل هذه الصفة انعكست بوضوح على المجلس البلدي لمدينة الدمام، فترى أن المنسحبين كلهم من فئة المنتخبين، وهنا جرسُ إنذار حقيقي كي يعاد النظر لآلية العمل ونوعية الأعضاء في المجالس البلدية، وربما كان هذا هو الخلل الأكبر في عدم خروج المجالس البلدية في المملكة بالنتائج التي تأملها الناس، ولا بحدودها الدنيا، بل إنهم أسقطوا أياديهم استسلاما ولم يعدوا حتى يتعرضوا لها، والتهميش لأي شيء هو أكبر انتقاد ضده.. لعل مشكلة خروج عصبة الأربعة من المجلس البلدي بالدمام تكون - إن شاء الله - في المستقبل فألا طيبا لإصلاح التركيبة "العضوية" في المجالس البلدية.
مع السلامة..