مقتطفات الجمعة 66
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة رقم 66 ، متمنيا أن تنال رضاكم.
قضية الجمعة من شقين أولا: أبناؤنا في الخارج وهي قضية أراها بعقلي وقلبي وضميري وبوطنيتي وكأب من قضايانا الاستراتيجية، صحيح أنها مشكلة سببها أفرادٌ طفا في وجدانهم الحب والغيرة معا لقطعة من لحمهم ودمهم وتركوهم في مجتمعات تأكل الوعي الحي فيهم، وتسلب منهم أي قيمة تبقى كصفةٍ لمخلوق سام اسمه الإنسان، إلا أنهم يبقون مسؤوليتنا. إن كل الجهود المعمولة من قبلنا ليست كافية حتى الآن، ولم توضع الحلولُ الصحيحة والشاملة مع أنها ممكنة، بل ممكنة جدا، ولو عملنا هذا، فمن يعلم، قد نكسب قيَماً بشرية مضافة لشعبنا، والأهم أنه عمل ستكون قيمته الفوق محسوبة هناك في السماء. عندما تراني أكرر وأزيد موجوعا فلا تلمني، تعال مكاني وانظر واسمع واشق بنفسك معي، عندما يأخذك غيورٌ لماخورٍ يُهرس به لحمُ الصغيرات الغضات، ويسكب على أجسادهن المرتعشة الخمور، ويُضربن من مهوسين سادين شاذين حتى ينزف الدم الطري الحار، فلا تلمني على البكاء والنوح والإعادة كاسطوانةٍ قديمةٍ مشروخة.. عندما تكون إحدى المحظوظات السعوديات المتروكات من آبائهن سكرتيرة والجميع يعرف أنها سعودية لم يكن هذا هو اللافت فقط، ولكن اللافت أنها تسمى "السعودية المسيحية" لأنها تعلق صليبا يشق صدرها كأول صفعة تتلقاك.. فلا تلمني إن أعدتُ نِواحي الثقيلَ المبحوح.. إن عرَض علي قناصلٌ سعوديون قصصا تبكي الفولاذَ البارد عن أولادنا وما يعانون، حتى إنهم يتاجرون بلحومهم ويتسولون من المتسولين فلا تلمني رجاء.. إن قلتُ أن لا جهود كافية، فأرجو كل أذن تسمع، وكل قلبٍ ينبض، وكل أبٍ يحدب على من هم أغلى من عينيه.. فلا تلمني.. إن لاحقتُ موضوع البنت سلمى التي حدثتكم عنها هنا لأنهي موضوعها ثم تبرز عقباتٌ وعقبات، وأراها بعيني تنهشها الأنيابُ، وفي ضميري عقدة ذنب فتاة قبلها ماتت تحت متابعتي في ربيعها الرابع عشر ( أي ربيع؟!) لأنها التقطت مرض الإيدز ثم ماتت.. فلا تلمني. أريد أن أنهي موضوع سلمى بأي شكلٍ، لأنه سيكون السبب بالمستقبل لنشوء نظامٍ متكاملٍ في بلادنا باسم "نظام سلمى".. أو هذا ما أتمناه. عندها ستغمض عيني بضمير يلهج بالدعاء! ثانيا، أبناؤنا في السجون: وليس هؤلاء في قلوبنا أقل حبا من أولئك، كلهم فلذاتنا أكبادنا تمشي على الأرض، أو تمشي على أرض الفاقة والإهمال، أو على ممرات السجون. صحيح جدا أن في بلادنا، ونشكر ربـَّنا على ذلك كثيرا، لا يدخل، إن شاء الله، مظلومٌ بها ويبقى.. ولكن هناك أمرٌ مهم جدا، وهو أنه يوما ما سيخرج من السجن، ولكن السؤال كيف سيخرج؟ هل سيخرج محبا لنا مواليا لحكومته أم يخرج روحا مليئة بالغضب؟ سؤالٌ أيضاً من استراتيجيات حاضرنا ومستقبلنا، لأن الأولاد في السجون ليسوا أفرادا يتوقف شعورهم عند الواحد منهم، ولكن وراء كل واحد عشرات وربما مئات، وقد يطولهم ذات الشعور. وهنا من حيث لا ندري، ومن حيث لا نقصد نكوِّن أكبرَ طابور غاضب بين ضلوعنا، ولأنه أقرب لضلوعنا فإنه الأكثر وصولا لمناطق الخطر المكشوفة لهم في كياننا الاجتماعي.. أريد بالله تقليب هذه المسألة مرارا وتكرارا، كمسألةٍ من مسائل الأمن الوطني.
يجب أن نعرف طرقا تربوية وفنية وسلوكية ونفسية وعدلية ودينية في مص الغضب من الشاب المسجون، ومن ذويه، حتى لا ينتقل لجيرانه وجيران جيرانه وأصدقاء إخوانه فتدور كرةٌ تكبر من النار. من أول وأهم وأكثر العناصر تأثيرا هي أن يُحسم موضوعَ السجين، ألا يبقى مدةً في السجن يتساءل عن مصيرِه، أو حتى عن تـُهمته، هذه المرحلة هي المرحلة التي تطلق الغضبَ والحزن واليأس، وأقول لأمتي بأعلى صوتي.. حذارِ حذارِ حذارِ عندما يتحول الإنسانُ من قلب وروح وعقل إلى مخلوق من غضب وحزن ويأس.. فمن ليس لديه ما يخسره.. يستطيع أن يخسرنا أهم ما نملكه: الولاءُ والأمن. وأرى أن يسمح بعلاج رأيته في دول كثيرة مثل الهند وسنغافورة وهما الآن يسجلان تفوقا أمنيا رائدا في العالم داخل السجون، لأنهم اتبعوا طريقة النصح والتحويل السلوكي عن طريق تدريب الأسرة وتوجيهها ثم فتح المجال للقاء السجين – مهما عتا - بأكثر وقت ممكن للاختلاط بأسرته ولو من وراء قضبان. وكما – أيضا- نكرر، أحيانا ل اداعي أن نخترع العجلة من جديد، فقط تطبيق الناجع المجرب من الحلول.. والأحرى نحن قبل غيرنا!
وهنا أريد أن أرسل تحية، وأتمنى طلبا من جهات بلدي المعنية. أما التحية، فلهؤلاء الجنود العاملين بالخارج في سفاراتنا المتناثرة في العالم- وخصوصا في بلدان بعينها- كمصر، وسوريا، والمغرب، والأردن، ولبنان، والفلبين، إندونيسيا، ودبي، والبحرين- والذين يعملون بطاقات تقارب المستحيل، وتتجاوز الطاقة البشرية المسجلة- وأرجو يا قارئي الكريم أن تحاسبني على كل كلمةٍ لو رأيت أني بالغت كي أثبت لك- وذلك في جهود مرة ومؤلمة في ملاحقة قضايا السعوديين في الخارج، ملاحقة قضاياهم في السجون وفي المحاكم وفي أماكن العراك والغش، وبعض القضايا التي يندى بها الجبين، وقد سمعت ورأيت وتابعت رجلا مثل "عبد العزيز الرقابي" يقول لا يهدأ لي قلبٌ ولا تغمض لي عين لو كان سعودي واحدٌ في سجن فلبيني ولو كان أعتى المجرمين، ولكن أخرجه وليتولى قضاء بلدي محاكمته وسن عقابه، وعرفت من قنصلنا المثقف فيصل القحطاني أنه رغم ورود مئات الآلاف من السعوديين لإندونيسيا إلا أن ليس بها سجين سعودي واحد في سجونها، أليس هذا إنجازا يجاور المحال؟ خصوصا لو تعرف الصعوبة في ملاحقة القضايا والمحامين وأطراف القضايا وملابسات ودسائس الموظفين المحليين هناك حتى المتعاونين. عليك أن تعرف أن في سفاراتنا نقصا مريع بالموظفين، فواحد فقط في الفلبين، وربما في القاهرة، ورغم ذلك لا سجبن سعودي في الفلبين ولا في إندونيسيا.. أترى؟ أتمنى على الجهات الرسمية أن تعزز هذه الملحقيات بالقوة البشرية وبأسرع ما يمكن.. والأهم أن يعفينا السعوديون المترحلون من أي عمل أو تصرف أو ريادة لأمكنةٍ موبوءةٍ أو ناسٍ موبوئين حتى يرتاح العاملون في ملحقيات الرعايا، وحتى يرتاحوا هم.. وكي نرتاح نحن!
مع السلامة..