مقتطفات الجمعة 64
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة رقم 64 . أرجو أن تنال رضاكم.
قضية الأسبوع: الرسوم الدنماركية المهينة: يوم 13 شباط (فبراير) هذا لم يكن عاديا، كان يوما أسود لكل مسلم، يومٌ حسبه الدنماركيون أصحاب الصحف يوما مجيدا للحرية، وهو يومٌ قميء للحرية، عندما تـُستـَغل الحرية لطعن الشعوب في عمق القلب، وما في عمق القلب إلا أطهر الأقداس. في يوم 13 شباط (فبراير) أكد الدنماركيون المتعاضدون في الصحف الدنماركية أن الرقمَ 13 رقمَ شؤمٍ كما يتطيرون، وكنت أرجو ألا تشتعل الدنمارك نارا وخرابا لأن فيها جاليات مسلمة تتكاثر كل يوم، لا خوفا على الدنمارك لكن خوفا على الإنسانية، ومبادئ الحرية وأولها احترام معتقدات الآخرين، ولكنهم يبحثون عن مجامر النار!
هناك مثلٌ دنماركي يقول: "الحياة يومان: يوم قد يكون امرؤٌ فيه الحمامة، ويوم قد يكون التمثال"، وأطلب عفوكم في شرح المثال: من عادة طيور الحمام أن تقف على التماثيل في ساحات المدن التي تنتصب فيها التماثيل.. ثم تضع مخلفاتها عليها، ومن المعتاد أن ترى التماثيل وقد تلوثت بمخلفات الحمام وصبغتها تماما بلون أسودٍ مخضر، فحين يكون الواحد يوما هو الحمامة يكون هو السيد والمتفوق، وعندما يكون يوما هو التمثال فسيحتل حينها المكان الوضيع الذي يتلقى أوساخ الحمام .. في يوم 13 شباط (فبراير) جعل الدنماركيون من الحرية .. التمثال، ثم راحوا ينزلون عليها أوساخهم. الذي حدث أن الجرائدَ الدنماركية (وانضمت معها بعض الصحف الهولندية والسويدية.. وهؤلاء الذين التقطوا فضولا البادرة الشريرة ولا لهم في الموضوع تارة، وهم بعض الصحف الإسبانية..) تضامنت ونشرت الرسوم السمجة التي نشرت في عام 2005م، وكنا نظن أن الدنماركيين وعوا الدرسَ ولن يعيدوه.. ولكنهم، عزكم الله، أخذتهم نجاسة الخارج منهم وراحوا يلطخون به معنى الحرية ومضامين الرأي السامي .. وعرضوا أنفسهم من جديد لغضب قد يتأجج ويحرق الأخضر في كوبنهاجن هذه المدينة التي ما أسهل أن تحترق، ومن يقرأ في تاريخ هذه المدينة سيدرك سهولة تعرضها للخراب والدمار.. ولكن لا يعقلون.
لا أدري كيف سيكون رد الفعل هذه المرة من المسلمين، ولا أدري كيف سيكون رأيي لو أحرقت الدنمارك، الذي سأعرفه حينها أنهم وضعوا أعوادَ الثقاب الحمراء أمام أكوام القش الجاف.. ولم ينسوا وقودَ براز الحمام!
ولكن كيف ثارت هذه القضية الدنيئة من جديد؟ الذي صار أن دنماركيا من أصل مغربي وتونسيَيْن أُتـهـِموا بأنهم يدبرون خطة لقتل الرسام الذي أخرج الرسوم في عام 2005م .. فقامت قائمة العاملين في الصحف وتضامنوا مع الرسام وخرجوا بإعادة الرسوم مرة واحدة في يوم واحد كان هو الثالث عشر من الجاري. الأغرب شيء آخر.. وهو الذي حدث للمتهمين. أُطلق سراح الدنماركي المغربي لأنه لم يثبت عليه شيء (!) كما أعيد التونسيان إلى بلدهما بلا توجيه تهمة واحدة (!).. ومع ذلك عصف الغضبُ والحقدُ بعقولٍ دنماركيةٍ امتلأت بما يخرجه الحمام.. أو أخس!
ويكتب الأستاذ تركي الدخيل في جريدة "الوطن" في 19 الجاري مقالا مؤثرا بعنوان: "لي جدّةٌ ترأف بي"، وهو يرثي جدته أم فيصل العطيشان يرحمها الله بتطويبٍ خفيفٍ يحمل أنواءَ الحزن واستعطاف الاستذكار. كانت مناجاته لجدته مثل هطول مطر خفيف ينقله نسيمٌ، فامتزج الهواءُ والمطرُ ليكونا دمعة كبيرة غير ناحبةٍ ولا شاكيةٍ وإنما تشف مثل بلورةٍ شفافةٍ عن حزنٍ نبيلٍ على شخصيةٍ نبيلة ملأت كيانه وهو صغير، ثم تسربت من الوجود وهو يجري رجُلا في سعةِ الحياة، إلا أنها أبدا لا تغادر ذاك الكيان، كيف تغادره وهي ترأف به أينما كانت، أليس هذا عمل الجدات؟ اللهم انتقلت بإذنك لفراديس جنانك روحٌ سمتـُها الرأفة، فارأف بها يا أرحم الراحمين.. ولعل رأفتها تبقى في قلوبِ أبنائها وأحفادها، هدايةً، وحسن عملٍ، وكثرةَ دعاء.
حسنا عملت وزارة العمل، ممثلة بعلاقاتها العامة في جمع بعض أصحاب الرأي في البلاد لمناقشة مواضيع تمس الوزارة وواجباتها وعملها ورؤيتها في ورشة عمل تكاد أن تكون خاصة، وهنا اللمسة العميقة الذكاء في البادرة، لأن الأساتذة الكبار والعقول التي اجتمعت تعدت الصراحة والمكاشفة فيها الدرجات المسجلة لأي حوارٍ مفتوحٍ أو مسجل أو معلن، كانت الوزارةُ بالفعل تهدف لقياسٍ حقيقي للرأي من دون تدخل ولا ضغط ولا توجيه .. لذا كانت فيه كل الأمور المعتادة في "مجالس الإخوان" من تفريغ للقلوب أولا كي تصفى الأذهان .. وأظن أن النتيجة ستكون بالغة الإيجابية، وتدل على عقولٍ صفـَتْ أذهانها في الوزارة .. وهي مراحل لا بد أن تمر بها طبيعة التصدي لمشكلات اجتماعية من حماسةٍ صادقة، وبعد إفراغ شحنات حماستها تصيرُ فكرا رائقا صافيا .. ومتقبلا ومنفتحا!
وتخرج قصةُ الشابة السعودية "رجاء الصانع" المتفجرة الصيت "بنات الرياض" مترجمة إلى الإنجليزية بعنوان مقابل Girls of Riyadh، وترجمتها الفتاة رجاء نفسها مع مترجمة اسمها ماريلين بوث .. ولفتتني جملة تقييم ناقد "الدايلي ميل" التي ترصع قمة الغلاف المزخرف للقصة والتي تقول - نقلا من الإنجليزية:" القصة الأكثر مبيعا حول شبق الحب، والرجال والمال. ولكسر طوق التابو (المحرّم) عن المدينة والجنس". كلها عناصرٌ تكفي لتطير أي قصة في عنان السماء.. ولكن هل كانت تلك العناصر عينها في عقل المبدعة الشابة من وراء كتابة القصة.. لا أظن!
في أمان الله..