مقتطفات الجمعة 62
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في "مقتطفات الجمعة" رقم 62 ، أرجو أن تنال رضاكم.
انطلق المهرجان الوطني للتراث والثقافة في دورته الثالثة والعشرين، الذي اعتاد الحرس الوطني إقامته سنويا في الجنادرية، وهو مناسبة من أقوى المناسبات الثقافية والحضارية في المنطقة العربية، وتزدان توهجاً سنة عقب سنة.. وكم أود في هذا العام لو أُعطيَتْ عنوانا تحت اسم غزة التي يذبحها اليهود كل يوم. ولم يفت الوقت لإقامة منتدى حول موضوع غزة بما أن الجنادرية الآن كبرى المنصات الفكرية في العالم العربي، وستكرس أحقيتها في ذلك متى ذللت البرامج والجداول من أجل إقامة لقاءٍ كبير لكشف جرائم العناصر اليهودية المريعة ضد معزولي غزة.. بجب أن يعلم العالمُ من خلال الجنادرية أن غزة الملطخة بالدماء هي دماء الإنسانية جمعاء.
قضية الأسبوع: لا خبزَ في المخابز: يقال إن مفتشا طبيا، دخل يتفقد مستشفى للأمراض العقلية، فسأل مدير المستشفى كيف تعرفون الفرق بين المجنون ومن أصبح عاقلا؟ فقال المدير، نعطي كل مريض ملعقة صغيرة وجردلا ونطلب منه أن يفرغ حوضا ممتلئا بالماء.. فرد المفتش على الفور: "فهمت. فمن يستخدم الملعقة ما زال مجنونا، وأما العاقل فهو الذي سيستخدم الجردل".. تنحنح المدير، وقال: "لا يا سيدي من يستخدم الملعقة أو الجردل ما زال مجنونا. العاقل من ينزع سدادة الحوض!". وترى سياسة الملعقة والجردل في تصريحات بعض المسؤولين الذين من المفروض أن يكونون عُقـّالا في كل شيء، ثم تخرج منهم تصريحات متسرعة فيظهرون أمامنا وهم يفرغون الحوض المليء بالملعقة أو الجردل. ألسنُّ الملتهبُة تُقلع من جذورها، والشجرة العطِنَة تُنزع من جذورها، وكل مشكلةٍ يجب أن تـُنزع من جذورها.. أي بأن يُفرّغ الحوضُ بنزع السدادةِ وليس بالغـَرْفِ منه بالملعقة.. وأزمة الدقيق يجب أن تـُنزع من جذورها!
أزمة الدقيق ضربت البلادَ والعباد، ودارت على المدن بالعدل والقسطاس، مخابزُ بأعدادٍ كبيرة تقفل أبوابها لأن لا دقيق، أو لأن الأسعار شطحت للغلاف الجوي محدثة ثقبا آخر بجوار الثقب العتيد، ثقب الأوزون. حدث ذلك في الرياض وفي مدن الشمال والجنوب.. ويعلن مدير المؤسسة العامة للصوامع في منطقة بالمملكة، أن الأزمة غير حقيقية، وأن المشكلة كلها هي من الموزعين، أما الكميات المنتجة فهي كافية.. وهنا ترى حوضَ مشكلةٍ مليئا.. ما الحل؟ هل الملعقة؟! فالمدير يقول إن المخابز أقفل الصغيرُ منها لأنها تأخذ من الموزعين الذين رفعوا أسعارهم، بينما ازدهرت المخابزُ الكبيرة لأنها تأخذ مباشرة من الصوامع بالسعر المدعوم. هه.. لنقف هنا قليلا، إن كان الموزعون هم السبب فلم البكاءُ إذن؟ امنعوهم لمدةٍ فورا مهما كانت النتائج (لو كان الاتهامُ صحيحا) واطلبوا من المخابز أن تتسلم كمياتها إما مباشرة، وإما عن طريق المخابز الكبرى التي يقول المديرُ إنها تزدهر، وفي الأزمات يجب أن يتعاون أصحاب المهن المتشابهة. بعد يوم، أو يومين، أو شهر .. سيأتي الموزعون زحفا يقدمون الوعودَ والضمانات بعدم التلاعب.. يعني يجب نزع السدادة. أما أجمل ما قاله المسئول: "لا، أبدا لن نستورد من الخارج"، وكأنه يهددنا. كل ما يريده الناس أن يأكلوا الخبز.. كان حريّاً به القول: "تأكدوا ، سنطلب الخبزَ للناس، لو نفد من عندنا، ولو من الصين".
مؤسسة الصوامع بجهازها الرئيس بالرياض، لم تأتِ على ذكر الموزعين في آخر تصريح قرأته، وأما السبب هذه المرة.. طبعا الناس، وليس للصوامع أي علاقة بدم يوسف، فهي تقول حسب ما قرأت: "إن الأسبابَ التي أدت إلى شحّ "مادة" الدقيق بأسواق المملكة تعود إلى استخدام الدقيق في تعليف المواشي".. لماذا؟ "لأن الدقيق المدعوم أرخص من الشعير.." همم .. من المذنب الآن؟ هل هم الموزعون؟ المواشي؟ أم أنه الشعير؟
الآن أنا في منتهى الجدّية، بعيداً عن الملعقة والجردل والمطالبة بفحص مدى عقلانية التصريحات، فأقول: لا يعبثن أحدٌ بالخبز.. اقرأوا التاريخ.. التاريخُ يقول: الخبزُ مجبولٌ بالدم!
كتاب الجمعة: كتابٌِ خفيف حرفيا، خفيف برشاقة أسلوبه، وخفيف بخفةِ روحه، وخفيف بكونه باقة من مقالات خفيفة مخفوقة بمقادير من السخرية اللماحة المومضة، خالية من رمزية السخرية، أو تقصد صناعتها، لتأتي رخية كانسياب جدولٍ ربيعي في ساحة أزهار عبـِقة، إنه كتاب "بيل ونبيل" للأستاذ نبيل بن فهد المعجل، والكتابُ مقالات خرجت للكاتب فرأى أن يجمعها لتكون ظرفا وطرافة بين دفتـَيْ كتاب، وأسلوبُ السيد المعجل قصصي تقليدي، بقالبٍ شديد العصرنة بخفته وبرقية لمعاته ولمحاته، والمقصود بـ "بيل" هو أسطون الواقع الافتراضي الكوني "بيل جيت"، الذي (يعتقد) نبيل أنه صديقه الصدوق، بل إنه – أي بيل.. طبعا - يغار منه أحيانا، وسترى نبيل ينتظره في المطار عند زياراته، ويشارك معه الحديث عن مستقبل بنته ويبحث موضوع ثروته وزوجته، مدعيا - أي المعجل - أنه ليس في مستوى "بيل" بل يفوقه في أكثر من مضمار، منها أنه أكمل تعليمه الجامعي، ولم يكن من الساقطين عن إكمال تعليمهم مثل "بيل". الكتاب يحوي عدة مقالات جيدة وفيها تقفز آراء المعجل حول قضايا اجتماعية بنفس القالب الغارق في السخرية القليلة التبهير السائغة الطعم .. إنه كتاب تقرأه لكي ترتاح، وتبتسم مع نفسك، وقد تقع ضحكا إن لم يكن أحدٌ بجوارك.. وستخرج بآراء كاتبٍ يفكر وراء غلالةٍ حريرية موشاة بألوان متمازجة. إنه صورة مقننة من "يوسف عوف" الساخر المصري العظيم الذي لم يخرج له شبيهٌ من وفاته. ولو عكف السيد نبيل على تطوير أدواته فهو "آرت بوكوالد" جديد بحلةٍ أكثر لياقةَ ومطبوعيةً في السخرية الأنيقة.. وأما زهرة مقالات الكتاب في رأيي فهو مقال "جـِعـْلكم الصلاح".. نسأل اللهَ أن يصلحك يا نبيل، ويصلحنا!