مقتطفات الجمعة 54
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة رقم 54 . أرجو أن تنال رضاكم.
وقـْفُ الجامعات: مقالٌ مكثف الفائدة والمعنى للدكتور"سعيد بن محمد العامودي" من الدمام، وظهر في صفحة عزيزي رئيس التحرير بجريدة "اليوم" السعودية، يكتب قائلا: "والناظر لصناديق الوقف لجامعاتنا المحلية سيعلم سر ألمنا المستمر، وما شأن الأوقاف الجامعية إلاَّ كما يطفو نزيفُ جرحٍ مؤلم. أليس من الألم أن كلفة التعليم العالي لكافة دول العالم العربي لا تتجاوز 3 في المائة إذا ما قورنت بكلفة التعليم العالي في أمريكا وحدها وتقدر سنوياً بحوالي (173) مليار دولار، ورغم أنَّ تعداد سكان أمريكا والدول العربية متقارب؟ أليس من الألم أن نسمع أنَّ قيمة أوقاف جامعة هارفارد الأمريكية بمفردها 29 مليار دولار،وجامعة "كيوتو" باليابان أوقافها 2.2 مليار دولار؟ أليس من الألم أن نعلم أنَّ إدارة وقف "هارفارد" ولأكثر من ربع قرن، هي بإدارة المسلم العربي "محمد العربان"، ونرى ترتيب جامعاتنا في الدرك الأسفل من التصنيف؟ ". ثم إن الدكتور العامودي يتحول بالحديث إلى الأمل بعد أن نزف كلمات الألم، فيتابع:"أليس من الأمل المشرق أن تُحلق جامعة الملك فهد للبترول والمعادن حيث أسهمت بقافلة من المخترعين العباقرة شهدت لهم أنظار العالم برمته؟ وما اختراع غواصة "صقر العروبة" للمخترع "مهند أبودية" - شفاه الله وعافاه - عنهم بـبعيد؟ فتجربة الوقف العلمي هي من أهم الملفات التي نأمل أن يتباحث ويتطلع لها رؤساء الجامعات العربية، فهي تحقق فائدة كبرى بتخفيف العبء عن التكاليف المالية، وما سيجلبه الوقفُ الجامعي من استقطاب وتنمية للطلبة المتميزين والاعتناء بهم مالياً وعقلياً." ولم نجد أفضل من هذا لشرح معنى الوقف الجامعي والدعوة إليه..
هل الدكتور العامودي أسرف في الألم، أم أنه طمع حالما بالأمل؟ أعتقد أنه كان واقعيا وصريحا، علمنا معنى أهمية الوقف، ووضعنا بمقارنات مخجلة مع العالم المتقدم، ولكنه أيضا وجّهَ نوراً كاشفا في نفق مهجور نسير عليه لأول مرة ولكن بثبات من قبل رجال الأعمال الذين ساهموا في الوقف الجامعي في كل جامعات المملكة، وكانت أول أكبر مساهمة مالية لوقف جامعي هي وقف الشيخ محمد العمودي والمهندس عبد الله بقشان بخمسين مليونا، وللمهندس عبد الله بقشان رؤية واضحة ونافذة في كل مسألة الوقف الجامعي خصوصا والوقف عموما، ولقد اتفقنا، هو وأنا، أن نجتمع يوما لبحث الموضوع بشكل أعمق، وعسى أن يتم الاجتماعُ قريبا لأني متأكد أن في رأس الرجل لمعات فكرية كبيرة، أما من يخفق في تأجيل حدوث الاجتماع، فاللوم كله على كاتب هذه المقتطفات- أقلـّهُ الله من عثراته الكثيرة- ومبلغ الوقف كان مفاجئا وكبيرا لنا في بلادنا. فتحُ ميدان الوقف كفيل مع التبرعات السخية بتأسيس كلياتٍ برمتها. وقرأنا قبل أيام قليلة عن تبرع الراجحي بخمسين مليونا أخرى للجامعة، وقبلها خمسة ملايين من عائلة الزامل، والمهندس "ناصر الرشيد" يقود أيضا وقفا كبيرا أظنه تعدى العشرين مليونا في جامعة الملك سعود، والتي مشت خطوات جيدة في الوقف الجامعي. والحبلُ على الجرار..
لماذا التعلق بالقبيلة في عصر تنوّر به الناسُ وانفتح العالمُ على العالم؟ لمعلمنا الدكتور "عبد الله الغذامي" رأي، في مقالات تحمل عنوان "المجتمع والقبيلة" في جريدة "الرياض"، والغذامي حروف أفكاره توزن بالقيراط، فهو يقول إن الناس دائما أمام خطر داهم منذ فجر التاريخ، خطر الحروب، وخطر المجاعات، وخطر الكوارث والأمراض، وبالتالي فإن الحمائية في مجتمع ضيق متماسك بين أفراد تجمعهم هوية مختصرة تكون ملاذا أخيرا يحتمي به الفرد وسط مشاهد الخوف العظيم، ثم جاءت - وهذه صارت نظرية للدكتور تطارده كالنبوءة- الصورة التلفزيونية، والغذامي يؤكد أن الصورة التلفزيونية صنعت إنسانا جديدا، أو مخيلة جديدة تعتبر فارقا ضمن التسلسل التطوري البشري- وأنا هنا أفسر نظريته حسب فهمي، ولا أرسلها بجمله حرفيا، وبالتالي أتحمل أي خطأ في تفسير نظريته كما يراها هو- والدكتور يقول شيئا مهما ومفزعا، بأن الفرد منا الآن ينفتح على العالم عن طريق الفضائيات والإنترنت كي يكرهه أكثر.. وأن هذا الكره ناتج من الخوف، وضعف الشعور بالأمان، لذا لا بد أن يحتمي الإنسان غريزة، بأقرب الناس إليه، فبعد إخفاقات الزعماء والقادة في تحقيق الأمان الوطني الشامل لم يجد الفرد خيارا آخر سوى العودة للقبيلة، وعززها الظهور التلفزيوني الذي صار به الناس يعبرون وبحماسة عمًا سماه بالمسكوت عنه سابقا، فالتهبت عاطفة الناس مرة أخرى.
فمع الانفتاح انغلاق، ومع معرفة العالم تزداد الكراهية له. باختصار هذه هي نظرية الغذامي التي يحملها عقلـُهُ الفوارُ بالأفكار والنظريات والرؤى والتأملات، وربما قليل من النبوءات. على أني، ولا أقصد أبدا مجاراة الدكتور، أظن أن القبيلة لم تعد تشكل ترسانة مادية، أو درعا حمائية ملموسة للفرد، القبيلة صارت مصالح وشتاتا، وتفرقت في الأرض.. وبالتالي أظنها فكرة أكثر منها ملاذا ماديا، وهي حلم طوباوي أكثر منه واقع أرضي يُستظـَل بها لو أمطرت الحجارة من السماء. إنه شيء آخر.. أو إضافي، عاملٌ نفسانيٌ: هو الحاجة للتميز والفخر.. لذاتهما، ليس إلا!
يقول لي المخترع الصغير "مهند جبريل أبودية": أنا لستُ قلقا أو خائفا، نعم فقدت قدمي، ونعم لم أعد أبصر، ولكني واثقٌ بعون الله أني سأكون أكثر نجاحا وعطاءً مما كنت عليه، ثم إني مطمئنٌ وأشعر أن الله يكافئني، ألم يقل رسولـُنا الحبيب: "من فقد حبيبتـَيْه، فصبر عليهما عوضه اللهُ الجنة".
وندعو اللهَ معا في هذه الجمعة المباركة أن يشفي أديبتنا الشابة، وابنة هذا المجتمع البارّة، هديل بنت محمد الحضيف، وأن يرفع عنها ويلطف بها.. وبوالدتها، ووالدها، وأسرتها.. وبنا. آمين.