مقتطفات الجمعة 49

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
لبنان مازال تهشم كل أنسجته الحية, وإسرائيل لم تخض حربا من زمن حيث إن لها جيران لا يستفزونها أبدا, وكان لا بد من تحريك هذه القوة النارية التي تمطر السعير على الناس وعلى الدواء وعلى الغذاء وكل حي يتنفس على الأرض اللبنانية, لأنها إن لم تحرك حديد الموت فسيصدأ, وستضمحل النفس الشريرة في القوة الإسرائيلية التي تقوم على مدارها كل الكيان الصهيوني .. لذا كان أسهل شيء على إسرائيل أن تجد المبررات .. مع أنها لا تحتاج إليها. والعجيب: لماذا تجهد إسرائيل نفسها أصلا في اختراع المبررات التي لا يصدقها أحد ولا إسرائيل ذاتها؟ فبإمكانها أن تطير في كل سماء عربية متى شاءت .. لماذا؟ لا نسور في السماء!
 
من يوقف إسرائيل؟ هل العرب؟ طبعا لا. هل أمريكا؟ يا رجل! هل هي أوروبا أو الأمم المتحدة؟ كانت انتهت قضية فلسطين من زمان. هل باكستان أو إيران؟.. ابحث عن غير هذا الاحتمال .. أقول لك من يستطيع أن يوقف إسرائيل؟ .. إسرائيل!
 
جاءني على بريدي رسائل كثيرة تتحدث عن أعمال كسواطع النور في هذا المشهد المشتعل موتا ودمارا ووحشية, وهي الأعمال التي قامت بها سفارتنا في بيروت من أجل ترحيل المصطافين السعوديين, وتعاملها الراقي والإنساني والمنظم في سبيل إجلاء السعوديين من أرض تهتز بزلازل السماء .. ولم يكن هذا بالنسبة لي مفاجئا, فأنا أعرف سفيرنا الإنسان الكبير والنادر (فعلا!) عبد العزيز خوجة, ولكن كل مرة تتفاجأ كل الأمة بهذا الابن الاستثنائي الذي أنجبته. عبد العزيز خوجة صاحب الوجه المضيء والنفس الشاعرة والروح المحبة تنهض من جوانحه قوة نبيلة لا تعرف إلا صمود الجبال أمام عواتي الرياح. راح عبد العزيز لبيروت التي يحبها ليقضي كما تصورنا وقتا لشم راحة الهناء بعد عمل كان كله مغامرات ومحنا, ويكون دوما هناك في الوقت المناسب. هذه المرة لم يدر بخلد أحد أنه سيكون في بيروت في الوقت المناسب, ولكن ـ كالعادة ـ ليس من أجله, ولكن .. من أجلنا. هذا قدره!
 
ويكتب في "الاقتصادية" عدد 19/6 الأستاذ خالد المعينا مقالا ضافيا ومشبعا بالإحساس الإنساني بعنوان "إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا", ونعرف عن السيد المعينا معرفته المخزونة وهو لا يبهرنا بها ولكنها تتسرب من أسلوبه وكأنها يد حانية تطبطب على كتفك بحب, وهي تمنحك النصيحة, فهو يتحدث عما يعانيه بعض العاملين الأجانب من سوء المعاملة, ويتعرض بالتخصيص على الرسائل الكيدية ـ التي هي فعلا أجبن تصرف يقدم عليه إنسان ـ ويكتب بيسر وعمق معا: "إن من لديه شكوى على شخص فلا بد أن يقدمها مبرهنة وموثقة للسلطات المختصة, وهذا عمل عادل وشجاع .. وأن من يقدم رسائل كيدية هو من يجب محاكمته". أو هكذا قصد. إنه يمضي ويقول إن الصحف يجب أن تقدم الحلول الإنسانية لكل تصرف يخلو من الإنسانية.
 
صورة الجمعة: نشرت صحيفة النهار اللبنانية يوم الخميس في العشرين من الجاري، من عرض صورها، صورة الطفل عباس خليل لا يتعدى سنته الثانية ولا تكاد ترى جسده من الضمادات وأوصال المغذيات والعلاجات جالساً وعيناه مندهشتان حتى النهاية .. عباس أصيب من غارة إسرائيلية على بلدة صريفا .. أغرب ما في الصورة العاصرة للفؤاد، أن الطفل يحاول رغم دهشته وجسده المتهتك أن يخرج بسمة .. لعلها مستقبل لبنان!
 
كتاب الجمعة: وهذا الكتاب يسبر أعماق المسألة الروحية، وأنا أتعجب من مقدرة كتاب الإنجليزية الكبار من قدرتهم على إلباس اللغة النفس الذي يريدون صبغ كتاباتهم به وتطاوعهم اللغة بشكل ينساب مع الغرض يصل أحيانا إلى حدود الإبهار، وهذا الكتاب "فرانسيس كولنز Francis S. Collins" بكتابه الروحي العلمي "باعث للإيمان، Reason to Believe" يتغلغل أسلوبه في عقلك وروحك معا، وهو عالم جينات معروف ومفكر ومتدين كاثوليكي، إنه يقول لنا ويدلل علميا أن هناك قوة عليا تحكم كل نظام الكون، وأن هذا النظام لغز كبير ولكن ليس حل اللغز باستكناه المجهول العدمي، ولكن بربط الحقيقة الكونية بالتناغم الموحد الهندسي والحركي من الشمس التي هي نجم من بلايين النجوم في هذه المنطقة الرائعة من فسيح الكون إلى أصغر الذرات في الخلية الحية. يقول: دهراً فإن السؤال الأكبر منذ بدأ عقل الإنسان يسأل: هو أين الله؟. كولنز العميق الإيمان الوافر العمل يمضي جاهدا لكي يقنع قراءه، بكل السبل العلمية المثبتة ومع المنطق المتسق، أن الإيمان اختيار عاقل وليس من نبع الوجدان فقط .. وبرأيي أنه ينجح كثيرا في ذلك. وأستنتج أن العقل لا يرهق وهو يبحث عن قدرة الخالق، ولكنه يرهق حتى آخر طاقة في آخر خلية وهو في محاولة إثبات العكس .. ولا يخرج إلا بالفراغ ثم .. الهلوسة!
 
يتحدثون عن مؤتمر قمة. بلاش فضايح!" – أحمد رجب، في الأخبار المصرية 20 تموز (يوليو)
 
"لا أعرف منذ متى أبحرت الجميلة بيروت في دورتي الدموية". نجوى هاشم – كاتبة في جريدة "الرياض".
 
.. مع السلامة