مقتطفات الجمعة 47
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة رقم 47 ، أرجو أن تنال رضاكم.
قضية الأسبوع: أزمة الطعام العالمية: لقد أخذت أزمةُ الطعام حكوماتٍ كثيرة في العالم، ومخططي الغذاء، بالمباغتة. فمنذ الأعوام الثلاثة الماضية والعالم يستهلك من الطعام أكثر مما ينتج، بسبب انحسار الأرض المزروعة وتقلبات المناخ، وتحطيب الغابات الجائر، وتوسع الحواضر. وهناك دولٌ صارت تشتري كميات مضاعفة للتخزين للسنوات المقبلة، فانفجرت أكبر أزمة للغذاء وتناثرت الشظايا على جهات الكوكب، وقرأت مقالا في مجلة علمية أنه في بلدان من العالم الفقير يصطف أناسٌ أمام محال بيع ورهن الجواهر، والقصد تحصيل مبالغ لشراء الطعام بعد أن تضاعفت الأسعار ولعب قانون الندرة الاقتصادي لعبته الكبرى.. وشهد العالمُ شغب الغذاء في بلدان عدة في العالم كالذي جرى في دول إفريقية فقيرة كالسنغال والصومال مع ارتفاع مؤشر الأسعار الصاروخي، ما حدى بأمين الأمم المتحدة أن يعاين الوضع على الأرض لتقييم الأزمة.
وخصصت مجلة أمريكية عالمية موضوع غلافها عما يسمى الوقود الحيوي Biofuel، يتمحور حول مدى فاعلية وفوائد استخدام المنتج النباتي كبديل للوقود البترولي في سبيل إنتاج طاقة أرخص أو أنظف للبيئة، ومن ذلك أزمة الذرة في البرازيل التي يستخرج منها وقود لملء خزانات السيارات كمشهد شاع هناك. هناك الآن حربٌ كبيرة غير كل الحروب الأخرى، حربٌ تشنها علينا الأرض وهي تحبس ذخائرها عنا، فأطلت علينا أزمة السلع.. حتى أن حمى دارت في الأرض لم يعد ممكنا ملاحقة نسب ارتفاعاتها الدورية.. الأرض الغاضبة أعلنت حرب الجوع على البشرية، إلا أن عادت البشرية وترفقت بالأرض واعتنت بصيانة ما تأخذ.. لأن الأرض تعطي، ولكن لا يمكن أن تنزف للأبد، أو تـُنتـَهك بلا دفاع. إنها حرب أعلنتها الأرض.. بدأها الإنسان.
وهناك نقاشٌ يدور في أروقة خبراء الغذاء والبيئة في العالم حول الغابات المطرية في حوض الأمازون في البرازيل، تماما مثل نقاش أهل بيزنطة حول الدجاجة والبيضة. خبراء التغذية يقولون إننا في حاجة إلى مزيد من الزراعة لسد الفاقة الغذائية في البرازيل والعالم، وهذا يتطلب إيجاد الحقول المفتوحة بقطع الأشجار، ويحتج أهل البيئة بأنه لو اندثرت الغابة المطرية لقحلت الأرض، وقـُضي على رئة الأرض فهو الدمار إذن والجوع.. ويكفي أن شعار البيئيين إحصائية فقط، وهذه الإحصائية تقول إنه في هذا العام من كانون الثاني (يناير) إلى آذار (مارس)، وهو أقل فترة في السنة تدور بها ضروسُ المناشير لأنه موسم الأمطار، تم مسح أشجار من غابات الأمازون توازي مساحتها 22 ألف ملعب كرة قدم! أفلا تغضب الأرض؟!
وفي بلادنا يجب أن نخطط للغذاء، وهو التخطيط للمصير، فأهم ما على الأرض بعد العبادة - للمؤمنين طبعا - هو الغذاء.. فمزارع قمحنا إما أنها نضبت وإما أن جيوب المزارعين نضبت، وتلقيت رسائلَ من مزارعين وشركات تعلن أن هذا العام هو عام القمح الأخير، وبعضهم قال إنه لن يزرع قمحا هذا العام.. إن كان هذا صحيحا فيجب أن تعلنه صوامع الغلال وتحدد مدى أثره ومواجهته، إنها مشكلة أكبر من وصفها حتى بالاستراتيجية أظنها مسألة حياة في المقام الأول والأخير.. وإن أرادت الصوامع أو أي جهة رسمية أو غير رسمية الاستيراد من الخارج، فإن السلع كما أوضحنا في المقتطفين السابقين، صارت شحيحة، والأرض أعلنت الاحتجاج، وربما سنبدو كزبونٍ جيبه مليء بالمال يدخل للتبضع في سوقٍ تجاري، ثم يفاجأ بأن الأرففَ فارغة!
وتكرّم المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق الأستاذ "خالد المعينا"، رئيس تحرير أهم جريدة تصدر باللغة الإنجليزية في المنطقة، حسب الإحصاءات، فلما كُتب موضوعٌ بها فيه شيء يخصني جاءتني رسائل من أماكن لم أتوقع أن تصلني، منها المراسلات مثل انكراج في ألاسكا، وفيجي في حوض المحيط الهادي، والسنغال في أقصى الطرف الغربي الإفريقي، ولما أبلغت الأستاذ خالد بذلك هز كتفيه وكأنه يقول: "طيب وأين الجديد؟"، خالد المعينا انطبع في جريدة "عرب نيوز" حتى تلامست مع شخصيته، وتقاطعت مع مهنيته، وهو أبرز رئيس تحرير يضع روحه في جريدته دون أن يظهر بمادته على منصتها، إنه غائبٌ عن المشهد الواضح، وذائب بعناصره الذهنية والاحترافية في مجرى دماء الجريدة، إنه المايسترو الذي لا يواجه الناس ويترك فرقته تحت الأضواء تعزف وراء عصاه الخفية.. خالد المعينا ليس رئيس تحرير فقط، بل هو دينامو اجتماعي يتنقل في البلاد وخارجها، ويبني شبكة من العلاقات يحيكها بخيوط متعارضة وملونة ومتضادة، ثم ككبار المصممين يدمغها بطابع متفرد يحمل اسم الماركة: خالد المعينا. عشر سنوات وهو في الجريدة، وربما عشر سنوات بتاريخ جديد في الصحافة السعودية ممهورٌ بذات الماركة!
وأخيرا.. عجبت أن تهاتفني مذيعة من محطة تلفزة مغاربية وتسألني بسرعة عن أجمل الحوارات المسجلة بين صاحب فكر وصاحب سلطة، فبزغ على التو "ديوجينيس" الفيلسوف اليوناني حاضرا في المحادثة التاريخية الأشهر حين مرّ الإسكندر المقدوني، ورأى ديوجينيس مستلقيا على الرمال متمتعا بأشعة الشمس، فبادره الإسكندر:
- أنا الإسكندر المقدوني.
- أنا ديوجينيس الكلبي.
- اطلب مني ما تريد.
- ابتعد، فإنك تحجبُ عني نورَ الشمس!
في أمان الله ..