مقتطفات الجمعة 45

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة رقم 45 ، أرجو أن تنالَ رضاكم.
 
قول الجمعة: وطن لا يتحاب به أهلـُه .. لا يعودُ وطناً!
 
انتقل إلى رحمة الله بعد مغرب يوم أمس معالي الدكتور صالح بن عبد الله المالك، أمين عام مجلس الشورى، في مستشفى الملك فيصل التخصصي بعد معاناة طويلة، والدكتور صالح رجلٌ فريدٌ بالفعل، فيعز على المرء أن يرى رجلا يمتلئ حماسة ومشاريع مثله، وكلها مشاريعُ عامة لخدمة مرفقٍ من مرافق الوطن، ولا يترك مناسبة أو تجمعاً أو وسيلةً بدون التبشير بالمشروع الذي يشغله في الوقت.. ويحمل دائما قائمة مشاريع في جيبه وتعتمل في ذهنه. كان مولـِّدا من الأفكار، وقلبا يحب بلاده، ومن سكن البلاد.. وله شخصية بسيطة في عبقريتها وجاذبيتها، وحباهُ اللهُ سيولة الحديث مع تدفق الفكر. وتعجبُ من شدةِ تواضعه فأعطاني درسا في أهم صفاتِ العظماء، وهي بأن أول شيء تلاحظه حين تقابلهم أنهم آخر من يعرفون أنهم عظماء. وعندما يحضر مناسباتنا في منتدى "أمطار"، يتحفنا بالاهتمام، ثم يبدأ بعرض مشاريعِهِ حول المنتدى.. هذا دأبُه، وهذا خُلقه، وهذا طبعُهُ.. رجلُ المشاريع، يعتنقها، يبشـِّرُ بها صادقا.. ويحب وطنه حبا ترفعه رافعة الغيرة فتحمِّله عنـَتاً كبيرا. وعدني أن يكون ضيفا على "أمطار"، وقال لي: "فلنعمل إذن على مشروع مشترك".. على أن لخالق الأكوانِ مشاريع الأزل!
 
صدر أمرٌ ملكي بتعيين الدكتور "يوسف بن أحمد العثيمين" وزيراً للشؤون الاجتماعية، وهي وزارة حيوية لأنها تمس قطاعا مهما في أي مجتمع، وليس مهمتها فقط الإعانات وإدارة الجمعيات، ولكن تدريب المجتمع ليكون مصدرا تطوعيا للإعانات والخدمات، ولكم أتمنى على معالي الوزير المعيَّن أن يعتني بسهولة استصدار التصاريح للجمعيات التطوعية والخدمية والخيرية في النجوع والقرى والمدن، فهناك كثيرُ من الخير بهذه الأمة، وبإمكان هذا الخير أن يسقي الجميع لو فُتحت له القنوات لينساب بها من أول البلاد لأقصاها.. وستجعل الفقرَ والبطالة قضية خلفية وتقصيها عن مركزها المتقدم الحالي في قائمة مشاكلنا وقضايانا الداخلية.. ولن تعجب يا معالي الوزير لو عرفت أن مشاكل البطالة والفقر وحتى إخراج طاقة عاملة تلائم طلبات السوق قد تأتي من وزارتك.. فتضعُ تاريخاً لامعاً لقضايا طالت حلكتها وإظلامها. فقط، يا معالي الوزير، أطلق المياهَ في قنواتِها.
 
بضيافةٍ سريعةٍ لا تـُنسى، قمتُ بزيارةِ مدير إدارة مرور منطقة الرياض العقيد "عبد الرحمن بن عبد الله المقبل"، وهي زيارة لا تندم عليها إلاّ على قصر الوقت، ولكنها كانت كافية لتغير صورة نمطية - قاتل اللهُ الصُورَ النمطية المسبقة فهي تأسر ملكاتِ التفكير- عندي عن الإدارات العسكرية على العموم .. لفتني الرجلُ أولا وقبل كل شيء. فهو رجلُ إدارةٍ عصري، فبفكرٍهِ المرن لا تلمس أنه يديرُ قطاعا هائلا رسميا، بل بدا كرئيسٍ تنفيذي أعلى لشركةٍ كبرى، ففيه تتضح يقظة المدير الذي يتعامل مع الزخم والمتغيرات والمعطيات الخارجية لحظة بلحظة، ولا مبالغة في التصوير هنا، فالشاشاتُ التي توزعت بمكتبه مرتبطة بالشبكةِ المرورية العصبية لواحدةٍ من كبريات عواصم الدنيا مساحة وسكانا، وربما الأكثر مركبات للفرد الواحد في كل الكوكب، ويقف هذا الإداري وسط معترك الحياة المرورية والصخب والازدحام على أطراف أصابعه ليس فقط لزيادة الكفاءة والسرعة في تلقي البلاغ من الوحدات المنتشرة بل حتى لمجاراة الوقت القياسي لإقفال الحادث، ولكن حتى لترقب وتوقع والوقاية من الأخطاء المرورية، وهو يقول ببلاغةٍ مشهديةٍ تصويريةٍ لن أنساها لأنها ما زالت ترن في ذهني: "هدفنا هنا أن نرتقي بسلوك قائد المركبة حتى نجعله يؤمن أنه يقود ثلاث مركبات خلاف سيارته، واحدة خلفه، والأخرى أمامه، والثالثة بجانبه.." أبلغ ما سمعتُ في اللغةِ المرورية. العقيد "المقبل" وطاقمُهُ الراقي يُدخِلون العاصمة، وهي قاطرة البلاد، إلى عصر تقنية المرور من أوسع بواباته.. فكل شيء يتم بالتقنية الرقمية.. إنه مرور المستقبل رأيناه الآن!
 
وتكتب الدكتورة حنان حسن عطا الله في جريدة "الرياض" 29 أيار (مايو) الجاري مقالا بعنوان: (المرأة العظيمة والسائق)، والفكرة جميلة ومبتكرة فهي وبلغةٍ ساخرة بألمعيةٍ ومغزى، توصل لنا رسالة عن معاناة المرأة السعودية في تنقلها لأعمالها ومشاغلها، لانشغال الزوج، ومعاندة الأخ، وغيره، وبمجرد وجود سائق خاص جيد لها فإن الحياة تأخذ طابعا أكثر سهولة وترتيبا وإمكانية بالنسبة لها. ولكي تبلغ الدكتورة قمة التراجيديا الساخرة، تطلقُ الحكمة َالمعروفة بتغليفٍ جديد، قائلة: "وراء كل امرأةٍ سعوديةٍ عظيمةٍ.. سائق!" ولا تنسى أن تقول: إنه يجب أن يكون سائقاً صالحاً، يختاره زوجٌ صالح!" .. يا لرقة الدهاء!
 
إذا المالُ لم يُنفِقهُ في الخيرِ ربـُّهُ رآهُ عليهِ العالمونَ مخـــــــازيـــــا إذا المرءُ لمْ يسعَ لخيرِ بـــــــلادِهِ يكُنْ كالـَّذي في ضرِّها بات سَاعِيا