مقتطفات الجمعة 43

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلاً بكم في مقتطفات الجمعة 43 ، أرجو أن تنال رضاكم.
 
قضية الأسبوع: لا أجد صفة أصف بها الاتفاقية التي أبرمت هذا الأسبوع بين وزارة العمل وغرفة تجارة جدة (اتفاقيتان: تسهيل الاستقدام عن طريق غرفة تجارة جدة، واتفاقية التدريب المهني مع الغرفة) غير صفة: ضربة معلم. صاحبُ هذه الفكرة، أو البادرة أو الخاطرة عبقري، وفوق ذلك جريء، بل جسورٌ جدا، ولو قيلت لنا قبـْلُ من قِبل أي موظف رسمي، لقلنا إنه تعدى الحدَّ المسموحَ للجسارةِ إلى التهور.. إن الفكرةَ بحد ذاتها هدف، بل هدف شاهق، فصلٌ جديدٌ في تاريخنا الحكومي والخاص.. قد تنجح الفكرة (وأنا أرجو لها من كل قلبي نجاحاً مدويّا) وقد تكتنفها العراقيلُ، ولكنها ستبقى في رأيي أشجع فكرةٍ في تاريخ الدواوين الرسميةِ، وأجرأ عمل يقوم به طواعية موظفٌ رسميٌ كبير.
 
كنا نقول، ونؤمن، أن السلطة هي الشهوة الأولى لدى البشر، وتسبق حبَّ المال، وسطوة الغريزة، ومن ظواهرها تمسك الموظفِ بالسلطة، فهي ليست فقط عمله، بل بعده الاجتماعي، وأمانه الحياتي، ومِنـَصّة سُلطتهِ الأولى.. فكيف يتقدم بها طواعية إلى جهة أو شخص آخر؟! مستحيل! أو كنا نظنه من ضروب المستحيل حتى صار واقعاً كبيراً في اتفاقية جدة، وستبقى الاتفاقيةُ نبراساً تاريخياً ومرجعا سجـِلـِّيا للأحداثِ الإدارية حين يذهب شبابُ المستقبل للدراسات الإدارية. لو بيدي، لوضعتُ الصورة التي وقعت أثناءها الاتفاقية في إطارِ التاريخ المشهدي الإداري والتطوري في البلاد.. نوعية الفكرة: جرأتها، بأن تقدم وزارة العمل – طواعية - وتسلم أهمَّ سلطاتِها ومنبعَ قوتَِها وسحرِها وغموضِها ورهبتِها وألقِها ـ ونعني إجراءات الاستقدام وتقييمها، إلى غرفة تجارة جدة (وهي بالعرف التقليدي الخصم اللدود، لأن وزارة العمل هي التي تضبط حاجات منتمي الغرفة من العمالة الخارجية) فهذا تطلب فتحاً فكرياً هائلاً، وإنكاراً أسطورياً للذات الوظيفية، وبرهانٌ كالشمس في كبد النهار في سماء صيفٍ خالية، في سعي بطوليٍ لمصلحةٍ أكبر من قضايا الفرد، والجماعة، والوزارة، والقطاع.. سعيٌ لمصلحةِ كامل الأمة. يحيا الشجعان!
 
وبقي الآن على القطاع الخاص، ابتداء من غرفة جدة التي وضِعت الكرةُ اليوم في مرماها، أن يثبتوا أنهم أكفاء للمسؤوليةِ الوطنيةِ الكبرى، وأن يحققوا أهم أهدافها، بل هدفها الأول، القضاء على تبطل الشباب السعودي، وإعدادهم للسوق، وملء الوظائف بهم، وأن يؤمنوا أن الاستقدام عملية مرحلية، وليست زمنا باقيا، لأن الزمن مرتبط بالعنصر البشري الذي يقطن الأرض التي فيها ذاك الزمن. على القطاع الخاص أن يرد التحيةِ بأحسن منها، إن الحكومة إذن ممثلة بوزارة العمل - متى صار هذا الانتقالُ في المهمةِ صريحاً شفافاً مستقلا - تعلن أمام الأمة ثقتها الكبرى بالقطاع الخاص، وعليهم ألا يضيعوا هذه الفرصة التي أتت لهم على صحون من أنفس المعادن..
 
أول ما قرأت وشاهدت التقريرَ المصور عن اتفاقية وزارة العمل وغرفة جدة.. صرت أكرر كمن أصيب بمتلازمة الذهان اللفظي: هل أنا في حلم؟ هل أنا في حلم؟ هل...
 
مقال الأسبوع: وفي الأول من هذا الشهر يكتب الأستاذ وليد يوسف الهلال في جريدة "اليوم" مقالا فيه من النقد الصريح، ولكنه اختار طريقة طريفة وذكية ومبادرة في الاستفادةِ من الأخطاءِ مهما كبرت، وهذه العقلية العملية العلمية الإيجابية تجعلني أكون متابعا بإعجاب لفكر السيد الهلال البنـّاء، فحديث مدينة الدمام هو هذا النفق في أول شارع الملك فهد (شريانُ المدينة الرئيس) وتعثره في أداء مهامه منذ أعلن أنه انتهى، والحقيقة لم ينتهِ إلا لتبدأ دورةٌ معيبة ومحرجة من الأخطاءِ السافرة، وما زالت إلى الآن، وكأن نفق الدمام أول اختراع نفقٍ للبشرية، والأستاذ الهلال يرى في الظلمةِ نورا، في الاستفادة من الأخطاء بعدم تكرارها، في رفع يد بلدية المدينة عن أعمال الإصلاح، وإيكالها للجهات العلمية والأكاديمية في الكليات الهندسية في جامعات المنطقة، وتحت إشراف بيوت الاستشارة العالمية، ثم تقديم الحلول مشروعا علميا يُرفع للجهات الرسمية المشرِّعة، كما يقول إيجابيا: "لا نبك على اللبن المسكوب.. في كيفية تحويل الأخطاء وسوء التخطيط إلى دروسٍ وعبرٍ مستفادة يمكن توظيفها في المشاريع المشابهة المستقبلية". لذا فإنـِّي مساند رأيَ الأستاذ الهلال، أرجو من بلدية الدمام فتح الموضوع لكلية الهندسة في جامعة الملك فيصل للدراسة والتطبيق في الميدان، وتكون هنا قد كسبت علينا كمجتمع، معروفا بقدرٍ قد يفوق الخطأ الجسيم الذي عجز فيه النفقُ أن يكون مثل باقي الأنفاق.. نفقا!
 
"فيرناندو توريس"، كل مرة أرى هذا الشابَ الإسباني الأشقر يحرث أرض ملاعب الإنجليز بعنفوان حصان أندلسي أقول لنفسي أين الصحافة العالمية عنه؟ فهو مناور من الطراز النادر بمرونة "كرويف" لاعب هولندا العتيد، ويعيد أمجاد الغزو الجانبي الذي كان ظاهرة في الثمانينيات، مع فحولة مهرٍ بري.. كان يفقد شيئا ما، ربما البروز، حيث إنه يذوب بين صفوف فريقه ليفربول، وهي فلسفة ليفربولية على أي حال حين يبرز نجمٌ إنجليزي خالص مثل القائد الكاريزمائي "ستيفن جيرارد". وفي مسابقة أمم أوروبا كان المسرحُ مناسبا للماتادور الأصهب، وخاض بعنفوان وأناقةٍ ولياقةٍ خارقةٍ وبسرعةِ الوميض مبارياتِ بلادِه ضد أعتى منتخبات أوروبا مجندلا إياها الواحد بعد الآخر.. ثم فجأة سطعت الأضواءُ، وانتبه كبارُ الصحافيين الذين غضوا العيون عن "توريس"، وحصل توريس على أهم ما يستحقه؛ اهتمام ودلال الصحافةِ العالمية!
 
ظهرت في بكل مقتطفٍ سابق صفةٌ من صفاتِ الشجاعة، أما أشجع العرب فهو "حكيم بن جبلة" الذي خاض موقعة الجمل، فقـُطِعـَتْ قدمُه فتناولها بيدِه وزحف على قاتلِه وضربه بها حتى قتله، وهو يرتجز: يا نفسُ لا تُراعي إن قُطِعَتْ كِراعِي إنَّ مَعي ذراعي!
 
في أمان الله..