مقتطفات الجمعة 37

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة رقم 37 ، أرجو أن تنال رضاكم.
 
أحدثت مقالة (اخرس يا سعودي)، التي كتبتها في "الاقتصادية"، أثرا لم أكن أتوقع مدى غور مسافاته.. في بريدي وصلتني مئات الرسائل من أنحاء العالم، وبالذات من سعوديين سياح، وطلاب بعثات، وموظفي ملحقيات، ومن عرب مقيمين بالخارج، ومن عرب مقيمين بالداخل.. ومن قرائي، وكل واحد لديه قصة حدثت له شعر بها بكلمة اخرس.. وكأن هناك جرحا ملتهبا والمقالة فجّرت الجرحَ فخرجت سوائلُ الالتهاب، وأعتقد أن هذا أولى مراحل العلاج..
 
الطريف، أنه وصلتني عشرات الرسائل من تونسيين في تونس وبعضهم مقيم هنا في المملكة أو الخليج، يعتذرون لي عن التونسي الذي قال لي اخرس يا سعودي، ورددتُ عليهم صادقا ومن قلبي بأني لم أحب وأعجب بشعب من شعوب العالم الثالث وليس العرب فقط مثل الشعب التونسي، رُقِيـّا، ولطفاً، وذكاء.. لذا فهي مناسبة لشكر ذلك الشيخ الذي ربما من فائق غيرته أضاع موضوعية الظرف، ورزانة الجنان فخرجت الكلمة. وربما ندم على قولها فيما بعد، وهذا لم يغير بمدى إعجابي وتقديري لهذا الشعب الجميل.. التوانسة.
 
أمعقول أن يبادر الشيخ العوضي بتخريسي؟ وهو من سطـّر عني المقالات مديحاً وحباً، وأقام المحاضرات والبرامج مكرسا اسمي عنوانا في صلب مواضيعها؟ الحقيقة أن كُتـّابا من خارج المملكة علقوا على موضوع مقالة "اخرس يا سعودي"، ومنهم صديقي الشيخ الكويتي الباسم والصريح محمد العوضي، وكان لنبله وكياسته قد اتصل بي قبل الكتابة حول موافقتي على العنوان الذي رغم قسوته إلا أنه كان يريد تبطينا وجذبا مفهوما.. وقلت له: "لك ما تريد".. لأن كل ما يريد العوضي هو الخير للأمة.
 
* كتب الشيخ محمد العوضي مقالا في "الرأي" الكويتية قبل أمس، الأربعاء في العشرين من أغسطس (آب) الجاري، بعنوان "اخرس يا نجيب"، وقال باستهلاله:"كيف لي أن أختار عنواناً بهذه القسوة، بل بهذا السوء لكاتب في جريدة يحرص على قراءتها نخبة من رجال الفكر والاقتصاد؟! وقد يتساءل البعض ألم يكن نجيب الزامل ضيفك على مدار حلقتين على الهواء مباشرة في برنامج «قذائف» على قناة «الرأي» قبل عطلة الصيف بأشهر؟ ألم تكتب تثني عليه وعلى منطقه في الحوار الذي يجمع فيه بين التجربة الشخصية والبرهان العقلي ويسوقه على صهوةٍ الحبِّ الممزوج بالشفقة لأجيالنا الحائرة في سيول الشبهات؟ ألم تسهم حواراته المتلفزة معك في ردِّ اليقين لكثيرٍ ممن طوّحت بعقولِهم مقولات الغرب الفلسفية والمادية وتساؤلاتٍ كامنة في النفوس تكاد تقتلع الأصلَ الثابت لجذور الإيمان؟! كيف مع كل هذا تخرج منك كلمة اللاذوق واللاأدب «اخرسْ»؟! أعوذ بالله أن تخرج من فمي هذه الكلمة في حق رجل تعلمتُ منه كثيراً في ساعاتٍ قصيرة. وتسألوني ما الحكاية إذاً؟ والجواب أن الصديق نجيب الزامل كتب في زاويته الأسبوعية قبل جمعتين تقريباً مقالاً بعنوان «اخرسْ يا سعودي»!!".. وها أنتم يا قرائي عرفتم السبب، فهل بطل العجب؟
 
والعوضي يمضي في التفسير والتدليل وتحري السببَ فيقول في مقالته: ".. الكلمة ليست ضد «نجيب» فلو كان نجيب من أي جنسيةٍ أخرى لما عوتب من المحبين ولا شُتم من غيرهم، ولكن لأن اللاعب الأقوى في لعبة التغريب هو من الفضائيات ذات الملكية السعودية، ولأن السعودية بلد الحرمين الشريفين والمفترض أن تتصدر إعلامياً في حمل هم المسلمين بدل المساهمة في تدمير أخلاقهم، هذه الازدواجية جعلت الكثير يقولون «اخرس» ليس لنجيب، ولكن لأن نجيب «الرمز» الذي مثل هذه البلاد. شكراً لجريدة "الاقتصادية" على نشر المقال الذي أحدث ردة فعل قوية ومراجعة البعض المشروعات الإعلامية، وشكراً لنجيب حبه لبلاده ولدينه. " ونقول لصديقنا العوضي: "لو لم يُقال لي إلا إني أحبّ وطني وديني لكفاني.. وزاد".
 
هل كانت لـ "اخرس يا سعودي" حقيقة؟ وما هي إذن؟ هذا ما ناقشه الكاتبُ المحلـِّق الدكتور "حمزة بن محمد السالم" في الثاني عشر من شعبان الجاري في "الاقتصادية"، وكان قد عاد عن عزمه بالابتعاد عن الكتابة فترة الصيف لأجل مقال "اخرس يا سعودي" والدكتور السالم كتب مقالـَهُ بطريقةٍ شائقةٍ ومفنّدةٍ وضّح ما في المقال وأضاف عليه بذائقته الراقية مما جعل مقاله بحد ذاته رائجا ضمن الأكثر قراءة وتفاعلا من القراء ودورانا مسَح الأرضَ بالإنترنت.
 
ويفند الدكتور حمزة بعض الأسباب حول حقيقة اخرس يا سعودي موضحا: "(منها) التشدد والاستعلاء في الخلاف الفقهي من جانب بعض السعوديين واستخفافهم بآراء ومذاهب علماء السنة في الدول الإسلامية الأخرى. وعلى النقيض من الحالة الأولى، فالحالة الثانية وهي فجور وفساد قلة قليلة من السعوديين عند سفرهم إلى الخارج، وفي بعض الفضائيات المدعومة بأموالٍ سعودية. هذا الفجور والفساد في الأشخاص والفضائيات موجود في الشعوب الإسلامية الأخرى بنسبة أكبر وأعظم مما هو عند السعوديين ولكن اعتبار السعوديين أنفسهم هم حماة الدين, ولا فقه إلا فقهم, أظهر فساد الفئة القليلة منهم وعظم أمرها.. ومن ذلك، النظر بجدية إلى أوضاع سفاراتنا في الخارج. فبعض السفارات إن لم يكن كثير منها تعامل طالبي الفيزا بأساليب لا تمثل بلادنا.. وأوضاع المغتربين من أبناء الشعوب الإسلامية عندنا".
 
وأعطـِّرُ المقتطفاتِ بما حبـّرَهُ الكاتبُ الموسوعي العريق معلمنا "زين العابدين الركابي" في "الاقتصادية" في 16 من شعبان الجاري عن صورة السعودي في الخارج، في معرض تعليقه على "اخرس يا سعودي"، ومقالة محاضرة تـُعلـَّق في صدر هذه الأمة وفي عقلها فقد فند الأسبابَ ووضع الحلول، وأضاف نقطة مهمة هي التهاب جرح سمعتنا بعد قضية 11 أيلول (سبتمبر) وبالتالي تحين الفرص، أي فرص من الخارج للتصيد لسمعتنا مهما صغر شأن الحدث الذي يقع في بلادنا، ثم شارك الجميع برؤيته حول فساد بعض الفضائيات، وأشار بقوة إلى عجز إعلامنا المحلي عن المواكبة العالمية، ونقل الصورة التي نحب ونريد للخارج وخاصة بين المسلمين.
 
ويختتم المفكرُ الكبير زين العابدين الركابي مقالتـَه بهذه الجملةِ الصاعقة: "ليس معقولا: لا بالمنطق الوطني، ولا بالاقتناع الديني، ولا بحساب الرصيد التاريخي: أن يُقبل المسلمون أجمعون – تقريبا – على الإسلام من جديد، وقد أعرضوا عنه دهرا على حين يدير سعوديون ظهرهم للإسلام وقد سبقوا إليه: على مستوى الدولة والمجتمع".
 
والشيخ العوضي يختتم مقالته "اخرس يا نجيب" بالجملة التالية: "سامحني يا صديقي على هذا العنوان.. البايخ!"
 
في أمان الله..
 
نجيب عبد الرحمن الزامل
najeeb@sahara.com