مقتطفات الجمعة 35

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 35 ، أرجو أن تنال رضاكم.
 
قضية الأسبوع: الوفاءُ في مجتمعاتِنا. الوفاءُ من أرقى الصفاتِ في سلم الصفات البشرية، وأكثرها ألـَقا، وأنصعها جمالا.. فهي تزكي القلوبَ، وتغسل النفسَ البشرية التي تعلقُ بها الأكدارُ، فإذا الوفاءُ يزيلها كما تنزلق البقعُ من سطح بورسلانٍ صقيل.. إن الوفاءَ لا يكلف شيئا، وتنفيذ مهامِّهِ قليلُ التكلفةِ إن حسبناها بغرضنا المادي ورقمنا الحسابي، ولكن معناهُ وقيمته الإنسانيّتان تتعديان لغة الأسعار.. إنه سعادةٌ تتأرجح بين النجوم والأقمار، وتغتسل بالورد والأمطار. في رأيي، أن مجتمعاً يعرف الوفاءَ هو مجتمعٌ اكتملت به أهمُّ صفاتِ المجتمع الإنساني، مجتمعٌ يعرف الوفاءَ ديدناً وعادةً وتقليداً ومنطقاً واقتناعاً هو مجتمعُ الحبِّ والسعادةِ والانتماءِ والترابط.. لذا، إيماناً بهذا المعنى لمـّا كنا نريد شعارا كافياً لمنتدانا الاجتماعي "أمطار" بالرياض، اتفق الأشقاءُ على أن يكون الشعارُ:" أمطار.. احتفاءٌ ووفاء". وكان ضيفانا الأول والثاني من الذين قدموا خدماتٍ كبرى للبلاد ثم غيروا مواقعَهم.. في أول مناسبتين عرفنا كيف يُسعِد الناس جميعا الوفاءُ.. وأن من يقع عليه الوفاءُ تراه سعيداً مكتمل الشعور والرضى..
 
اليوم، أضع ملحق جريدة "اليوم" الرياضي على رأسي.. واللهِ. وأتقدم بشكري لهذا الإنسان الوفي، أخي وصديقي وأستاذي "محمد البكر" معلق البلاد الشهير، والرياضي الذي قدم نبضـَه وعقلـَه وعرَقـَه للرياضة السعودية، والمسؤولُ الأولُ عن ملحق "الميدان الرياضي" بجريدة اليوم.. مع أنه أبكاني. نعم، أبكاني على اللاعبِ الكبير الذي أضاء نجمُه فترة الستينيات في القرن المنصرم في سماءِ الكرة السعودية، وهو "مبارك العبد الكريم" لاعب الهلال يوم كان اللعبُ لأي نادٍ هو من خامةِ الوفاء، حيث لا أجور ولا شهرة تلفزيونية ولا احتراف، بل عرقٌ ودمٌ يصحبهما تضحية بالرزق اليومي والتحصيل الدراسي.. يوم كان اللاعبُ لا يلعب إلا من أجل خفقتين قلبيتين: حبّ الكرةِ وحبّ ناديه.. لقد كشف لنا "الميدانُ الرياضي"، بتحقيقٍ عريض محزن عن حياة العبد الكريم التي ترهق القلبَ الحيَّ، وبيَّنَ الأستاذ البكر في عموده المؤثر كيف آل الحالُ بذاك اللاعب التاريخي الهلالي، فإذا هو شيخٌ معوز، يجرجرُ جسدا متفتتاً على مسندٍ معدني، ويعطي مثالاً دراميا دامِعاً لقلةِ الوفاء، ولمرارةِ الجحود، وقسوةِ النسيان.. كان حريا بنادي الهلالِ أن يحتضن الرجلَ الكبير فالوفاءُ لن يكلف شيئا، ولكن سينعكس محيطا مجلجلا من الإعجاب والثقة التي تسري بين الجماهير وبين اللاعبين الحاليين، فترفع المعنوياتِ، وتقدم الهلالَ مؤسسة إنسانية بدل أن يكون مطحنة لإنسانٍ قدّم شبابَهُ وعافيته لناديه يوم كان التقديمُ بلا مقابل.. ونقول: الوقتُ لم يفت.. فأملـُنا بالهلالِ أن يكون.. هلالا.
 
وفي جريدة "الوطن" خبرٌ يستحق الوقوف والتأمل، نقله الأستاذ "حامد الشهري" في الأول من رمضان الجاري عن الطالبِ السعودي "معجب القحطاني" الذي تعرض لاعتداءٍ عنصري من عصابة مراهقين بريطانيين مع شابٍ قطري.. ونالهما من الألفاظ العنصرية والضرب المبرح ما يفوق الرعب الهوليوودي. أما الشاب القطري فقد مات نزفاً أمام عينـَي الطالب السعودي المفزوع المضمخ بالدم. أولا، أقف عند صورةٍ رائعةٍ للأخوة بين هذا السعودي وأخيه القطري، فقد حرص السعودي وهو يرى أخاه الحبيبَ القطري ينازع النفسَ الأخير من جراء التعذيب والضرب الوحشيين أن يقدم له أكبر عنوان للمحبةِ الحاضرة والسامية، فلقنه الشهادة في ظرفٍ تزوغ به الأنفسُ، ويسيطر الروعُ، ويغور العقلُ.. إنها صورة مشهدية اعتبارية إيمانية تفوق كل عملٍ نريده أن يؤكد روابط الأخوة في الخليج.. الولدان السعودي والقطري التحما حبا تحت نيْرِ الدمِ والهول.. لذا يجب ألا يذهب دمُ القطري عبثا، و يجب ألا تكون المعاناة المريعة التي مر بها "معجب" مجرد حكاية تلفها الأيام ثم تمحوها.. نأمل من سفارتينا السعودية والقطرية في لندن أن تؤكد للإنجليز أن دماءَ أبنائنا ليست حِلا لأبنائهم العابثين.. وأن دماءَ أولادنا لا تذهب فقط في مجاري شوارع لندن.. وتبقى هناك.
 
والكاتبة في جريدة الوطن الأستاذة "نورة بنت عبد العزيز الخريجي" كشفت عيوبنا، أعلاماً ومشاهدين، أمام هذا الشهر الكريم وجردتنا أمام أنفسنا وضمائرنا، فتكتب مقالا في الأول من رمضان الجاري بعنوان"رمضان من شهر الفتوحات إلى شهر المسلسلات" فتقول:".. الإساءة تزايدت في العشر سنوات الأخيرة مع تسمم الفضاء بمزيد من قنوات المجون والسخافة والإعادة التي ليس فيها إفادة، وواقع القنوات العربية يعكس حال الأمة العربية الإسلامية التي أصبحت كغثاء السيل وفي ذيل القائمة لأي إحصائية تخص العلم والمعرفة، أما في أمور السفه والبذخ فتتصدر القائمة.." ثم تواصل غضبها واحتجاجها الحزينـَين على ظاهرة الخيـَم الرمضانية: ".. التي بدأت للاجتماع على مائدة السحور ومع الأيام تحولت إلى مُعَسِّل ورقص وطرب حتى بزوغ الفجر. "، وهي تدعو في نهايةِ المطاف إلى هجر التلفزيون شهر رمضان. ولو لم تتقدم الأستاذة نورة إلا بهذا الطلب في مقالها لكفاها.. وزاد.
 
لن أرتاح دون أن أنهي المقتطفات بخبرٍ مفرح إن شاء الله، فقد خرجت علينا "الإندبندنت" الإنجليزية بعددها في الأول من سبتمبر الجاري ببشرى قد تغير تاريخ الأمراض التي سماها البشرُ مستعصية- وتسميها والدتي بمرض الرحمة-، فالخبرُ يقول إن اكتشافا مذهلا وفاتحا قد يكون على الأبواب لعلاج كل أنواع السرطان، مثل الأزياء التي تناسب كل المقاسات" one-fits-all "، وذلك حين بدأ العلماءُ برفع القناع عن سرِّ أنزيمٍ يلعبُ دورا كبيرا تقريبا في كل أمراض السرطان البشرية.. ولكن دعوني، بإذن الله، أكمل الموضوعَ معكم في الجمعةِ القادمة..
 
ازرعْ جميلاً ولو في غيْرِ موضِعِهِ ما خابَ قطّ جميلٌ أينـَما زُرِعـا
 
في أمان الله