مقتطفات الجمعة 33
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة رقم 33 ، أرجو أن تنال رضاكم.
انتقل إلى رحمة الله تعالى الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، والد كل من الإخوة محمد، والدكتور خالد، والمهندس تركي، والمهندس فهد، وعبد المحسن، وثامر. تغمد اللهُ الفقيدَ برحمته الواسعة، وأسكنه جنان الرضوان بإذنه تعالى، ونرفع تعازينا القلبية لزوجة الفقيد الكبير، وأبنائه وبناته وجميع أهله. ونسأل الله الرحمة لوالدينا جميعا.. آمين.
قضية الأسبوع: الأزمة المالية العالمية: يشهد العالمُ الآن أكبرَ تهديدٍ اقتصادي عبر تاريخه الحديث، والأعمُّ والأشملُ وسيصل لكل فردٍ على الأرض بشكلٍ أو بآخر.. ولا تصدق غير ذلك. المكنة المالية الأمريكية تحرك القطارَ الاقتصادي عبر القارات. إن انكشاف أزمة شركة الائتمان الماموثية الأمريكيةAIG أثارَ فزَعاً كونيا، إنها تؤمِّن على كل شيءٍ تقريبا على الأرض .. على شركاتِ التأمين العالمية الكبرى التي بدورها تؤمن على آلاف شركات التأمين المتناثرة في أكثر من 130 دولة. وتؤمِّنُ على البنوكِ العملاقة، وهذه تضمن البنوكَ الأقلَّ عملقة، وتؤمِّن على أكبر مصانع العالم، وتؤمن الصحة، وتؤمن قضايا الرهن العقاري والعيني والمالي لملايين الأفراد والشخصيات الاعتبارية، وتؤمن على مئاتِ الطائرات التي تجوب السماء، وتؤمن على مجوهرات ووجوه وسيقان ممثلات هوليوود.
من يقول لك لا علاقة لنا بالأزمةِ الماليةِ، من أي بلدٍ في الدنيا، فلا تصدق. من يقول لك إن اقتصادنا لم يعلم عن الأزمة ولا علاقة له بها، فأرجو أن تقول له: "يا أخي كفاك مزاحاً!".
صفت الطوابيرُ في دول كثيرةٍ عبر فروع شركات AIG وهم من الفزعين، بعد أن سمعوا عن زلزال "الوول ستريت" شارع المال النيويوركي الأشهر، يطالبون باسترداد مبالغهم التأمينية المدفوعة. وفي سنغافورة، وهي الأمتـَنُ مالياً في آسيا، وقف الناسُ طوابير طويلة، ولما أكدت السلطاتُ المالية في سنغافورة ألا يفزعوا لأن المبادلات المالية ومؤشرات البورصة مطمئنة، لم يتزعزع أي طابورٍ بوصة وحدة، وقالت واحدةٌ من المنتظمات في طابورٍ طويل: "لن يوقفني أي شيءٍ من الفزَع، أريد مالي!".. وخرج كلامُها عنوانا في الصحفِ العالمية، وبرامج التلفزيون عبر الأرض.
هل نفزع نحن هنا؟ أنا أقول:" افزعْ ما شاءَ لك الفزَعُ"، فالمسألة ليست مزحة، وعندما تفقد مالـَك فلن ينفعك أحدٌ، ولن يهدئ آلامَ خسارتك مسكناتُ التصريحات، يا أخي إنها أزمة فالتة، وحشٌ انطلق من عقالِه في أمريكا وراح ينهشُ الأرض، ولن يهدأ قبل أن يقدم له كل اقتصادٍ قطعةً من لحمِه الحي.. هذه هي طبيعة الأزمات، وليست هي جديدة، ولكن الجديد سرعة سريان الفزع، وتعقـُّد الارتباط والتشابك في اقتصادات العالم التي خرجت عن سيطرة الحكومات. إنه عالمٌ آخر يحكمنا، وتبين أننا لا نحكمه. إن الشركات المالية تعملقت وتجذرت تحت سطح كل أرض مالية في الدنيا، وباتت بكياناتِها التخليقيةِ الكبرى تحدِّد مزاجَ العالم الاقتصادي، كل ما تستطيع أن تفعله الحكومات، هو ردّ الفعل فقط، محاولة إعادة اللجام، أو ترويض الوحش.. وهذا ما فعلت السلطاتُ الفيدرالية في أمريكا لما ضخت في AIG 85 مليار دولار، عدّا ونقداً، كقرضٍ لم تعد الدولة بأنها تستطيع استرداده رغم الشروط الموضوعة، وما حاولت أن تؤكده أنه لن يثقل كاهلَ دافع الضرائبِ الأمريكي. ولماذا لم تساعد المصرفَ المارد "ليمان براذرز" الذي تهاوى بارتطامٍ زلزالي؟ لأنه ليس كبيرا كفاية، ولأن الضحايا الأفراد، وليس المؤسسات والمنظمات المالية الكبرى .. أما الفردُ، حتى عندنا: فاذهب والعب وحدِك!
ويؤكد الكاتبُ الأستاذُ "خالد السليمان" في مقالته في "عكاظ" في 17 رمضان الجاري (17 أيلول (سبتمبر) بعنوان: "مواجهة المجهول" بعد الكسرة الأخيرة في سوق الأسهم السعودي أنه :"تُرِكَ المتداولُ وحيداً يرى أموالـَه تتبخر أمام عينيه، وأحلامُه تـُغتال بلا رحمة، في الوقت الذي "قالوا" له إنه يستثمر أمواله في سوقٍ واعدٍ ومتماسك.. بينما كانت الانتكاساتُ تتوالى، والشفافية تتوارى". ويقول السليمان وهو يقصد متعمدا إفزاع المتداولين إن مصيرهم للمجهول. هل تشاءم الرجلُ؟ هل رمى نذراً سوداويا، نعم.. فهنا يجب التشاؤم، فالأموالُ ليست مجالا للمقامرة، إنها ضياع لمرة واحدة، ومرة واحدة تكفي، بل تزيد. السليمان قالها بصراحة موضوعية ظرفية، وليس لأنه يهوى الميلودراما.. إنه أيها المتداول: لا يمزح معك!
ليس طريفاً أبدا أن تعلن من مكانك الرسمي أن كل شيء تمام، وأن الاقتصاد متين، والناس على سفودِ الخسائر الكبرى، والمؤشر يترنح كملاكمٍ ضعيف أوسع ضربا حتى ترنح توازنه.. ولا نفهم كيف لا يتأثر أي اقتصادٍ بالدنيا من مشكلةٍ جالت ودارت في الأرض، إلا إن كنا في واحةٍ معزولة، والذي نعرفه أننا في خضم السوق العالمي وناضلنا من أجل أن ندخل الحلبة الكونية.. مهما تحرّزتَ واختبأت وأنت وسط الحلبة لا بدّ من أن تأتيك لكمة. ليس مخجلا أن يصيبنا ما يصيب العالمَ، ولكن يجب أن تصرح به، لك الحق أن تتشاءم وتحذر، فأنت من منصبـِك لا تتحكم في رجـّاتِ العالم المالية الكبرى، فلا يحاسبك أحدٌ عليها، ولكنك تملك رأيـَك الذي يجب أن تقوله بمكاشفةٍ صريحةٍ.. وهذا ما ستُحاسَب عليه!
ولولا مقالة الدكتور "مبارك الخالدي" المهمة في جريدة "اليوم" في 15رمضان الجاري 15أيلول (سبتمبر)، عن "البدلات" في نظام المكافآت الجديد لأساتذة الجامعات، لاستمررنا في موضوع الأزمةِ المالية، فالدكتور الخالدي يدرج أمرا مهما ظاهره مرارة ساخرة، وفي جوفِه حكمة لا بد أن يدركها القائمون على تحسين أوضاع الموظفين إجمالا، فيكتب قائلا:" لقد أحسستُ وأنا أقرأ القرارَ المنتظر أن "مَن كـُلـِّفَ" بصياغة مسودته كانت تربطه علاقة ودٍّ قوية بكلمة "بدل"، وأنه كان يستمتع ويتلذذ بتكرار استعمالها، وتذكرت ما قاله "سيغموند فرويد" عن أن تكرار القيام بالشيء يدل على التلذذ والاستمتاع به.. ومع كلِّ تكرارٍ يرتفع مؤشرُ شعوري بالإحباط، لأن التجربة علمتني، أنه لا يمكن الوثوق بالبدلاتِ، فالبدلاتُ قد تأتي بسرعةٍ على حين غرَّة، وتختفي بالطريقة نفسها، وليس للأستاذ الجامعي الحق في المطالبة باسترجاعها أو حتى التساؤل عنها. وهذا ليس مستغربا في مناخاتٍ أكاديميةٍ لا وجود فيها لحرية التعبير، وأبسط أشكال الممارسة الديمقراطية.. فكيف إذا وردت في عباراتٍ غامضةٍ وفضفاضةٍ تتوافر فيها خاصية الانفتاح لتأويلات وتفسيرات باختلاف المؤولين والمفسرين؟". ما قاله الدكتور الخالدي يوضح بجلاءٍ ما كتبه قبله زملاءٌ له كبار.. لذا نؤكد الرجاءَ بدراسةٍ جديدةٍ لهيكل المكافآت هذا، لماذا؟ لأن من وضعه كان يريد أن يحفـِّز الأساتذة لا أن يزرع فيهم حنظلَ الإحباط.
وأخيراً، من له نيةٌ الآن في دخول السوق المالي، فلينتظر حتى تتضح الأمورُ، هذا حصيلة قراءاتي ومشاهداتي قبل كتابة الوضوع اليوم، حتى أن المحللة الشهيرة "سوزي أورمان" في مقابلةٍ مع "لاري كنج" في "سي إن إن" قالت (أيضا): هل من سيسألني أن يدخل الآن السوقَ في أي مكان في العالم؟".. مطت فمها، وأدارت عينيها وقالت، وهي تـَصرّ على أسنانِها:" سأجيبه: هل هذا وقتُ المِزاح؟!"
في أمان الله..