مقتطفات الجمعة 21
سنة النشر : 24/04/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلاً بكم في مقتطفاتِ الجمعة رقم 21 ، أرجو أن تنال رضاكم.
قضية الأسبوع: العنفُ الأسري: من أكبر وصمات وأخطار هذا المجتمع بما بعد الإرهاب أو مساوٍ له، العنفُ الأسَري، الذي لم يعد في مجتمعنا أمراً نادرَ الحدوث بل هو في سبيله، إن لم نقف ضده وقفة جادةً وصارمة وعملية وعلمية، ليكون ظاهرة تتفشى، وتنتقل من بيتٍ إلى بيت. والعنفُ طيفٌ يبدأ من الإساءة اللفظية، والأذى النفسي، إلى التعذيب الجسدي، والاعتداء الجنسي المريع. وهو يتعدى الأذى بفعله وذاته إلى الضحايا ليكونوا مرضى عصابيين ليزيد الأمرُ صعوبة وتعقيدا فيتعمّقُ الأذى كالعدوى لينتقل بألوان وأشكالٍ وطرق ماضياً في مساربه لكل الجسد الاجتماعي، وما زلنا مقصرين جداً في التعامل معه.. في مجتمعنا يُقدِمُ الساديُّ الجلادُ الجبانُ على فعلته بأهلِهِ أو أطفالِهِ لا يرمش له جفنٌ لا من ضميرٍ ولا من خوفٍ من عقاب.. آمنٌ لمتابعة وحشيته على أجسادٍ طريّة، وقلوب تموع كشموعٍ هافتةٍ لتغطس في الظلام.. ظلامُ الألم والقهر والآلام.. فقولوا لي كيف ستستمر حياة هؤلاء من بعد؟ أترك ذلك لأفظع خيالاتكم.
وتأتيني على الفيس بوك، رسالة من الدكتور سعود الكاتب ما يلي: "قبل أيام كتبت مقالا عن الأرقام الساخنة الخاصة ببلاغات العنف الأسري التي سبق أن أعلنت عنها تباعا وزارة الشؤون الاجتماعية وكان آخرها تصريح وزير الشؤون الاجتماعية نفسه الذي ذكر فيه تخصيص الرقم 1919 للإبلاغ عن حالات العنف ضد الأطفال وقلل من خطورة الظاهرة وانتشارها في المجتمع. وقد قمتُ بدوري وللمرة الثانية حلال ستة أشهر بالاتصال بذلك الرقم بقصد التأكد من سرعة استجابته للبلاغات التي ترده، وكان ذلك بتاريخ 12/4/2009، حيث قمت بإبلاغ الموظف بوجود حالة عنفٍ خطيرة يمارس فيها أبٌ تعذيباً شديدا بإبنه البالغ عمره تسع سنوات، ورجوته سرعة التدخل نظرا لخطورة الحالة، فقام بأخذ المعلومات كافة مني ووعد بعمل اللازم. كان ذلك بتاريخ 12/4/2009 دون أن تصلني أي استجابة حتى اليوم 21/4/2009، حيث وردني اتصالٌ ذكر فيه المتصلُ أنه من وزارة الشؤون الاجتماعية، ودار بيني وبينه الحوارُ التالي: "أنا من وزارة الشؤون الاجتماعية اتصل بخصوص حالة العنف ضد الطفل أحمد"، ورددتُ: "ولكن بلاغي كان قبل عشرة أيام تقريباً. واتصلتُ بكم قبل عشرة أيام مبلغا إياكم بحالة عنفٍ خطيرة تستلزم التدخل الفوري الذي لا يحتمل التأخيرَ ولم تستجيبوا لي إلا اليوم"، فرد علي: "كلامك صحيح، ونحن نريدك أن تحضر إلينا بخصوص الطفل أحمد.." فعقبتُ:"ولكن أحمد من كثرة التعذيب مات." - " مات؟!" - نعم مات..
ولكن القصة التي في المقتطف السابق كما أوضحَ فيما بعد الدكتور "سعود الكاتب" لم تكن حقيقية، فهو يتابع كاتباً: "غير أني صارحته بأنه ليس هناك طفلٌ اسمه أحمد، ولكني كنت أرغب في اختبار فاعلية وسرعة تعامل الوزارة مع بلاغات العنف، والنتيجة بكل أسف مخيبة جداً للآمال".
وشابٌ سجينٌ، تصوروا سجين، يحدثني أهلـُه فيقولون إنه شاهد برنامجا عن أبٍ يضرب ابنته كل صباح ضرباً مبرحا بعد أن يوصلها لمدرستها أمام المدرسة وزميلاتها يشاهدن ويصرخن، ويقول السجينُ الشاب إني أبكي كل يوم.. ويستصرخ لإنقاذها، وألا يتكرر هذا لغيرها فأوصى أهله بإبلاغي بالموضوع.. تصوروا سجينٌ شابٌ، يبكي.. ونحن.. ألا نبكي، ألا نشعر؟ هل يكفي أن نقيم المناسباتِ والبرامجَ ثم نذهب لبيوتنا وننام قريري الأعين، بينما أعين آلافٍ من الأطفال والنساء وحتى بعض الرجال تقطرُ دما؟
ووصلتني هذه الرسالة التي تزرع الأملَ في شوك الألم: "استوصوا بالنساء خيرا إنما النساء شقائق الرجال. نحن من الواجب أن نسهم في تقدم المرأة ونفسح لها الطريق نحو الحياة والعيش الكريم دون الخروج عن حدود عاداتنا وتقاليدنا الدينية والاجتماعية وفق مفهوم عصري وحضاري، فأسسنا حملة: "خلوها تعدي"، وهي رسالة من أجل أن نذلل العقباتِ أمام المرأة، لتتمكن من أداء دورها والحصول على حقوقها في المجتمع. هي حملة إنسانية تهدف إلى إزالةِ الحواجز الوهمية، ولنساعد أنفسنا من أجل مجتمع آمن يعيش فيه الرجلُ والمرأة في كرامةٍ وعدل فتعالوا معنا إلى حياةٍ أفضل، وأثـْروا فكرنا وتوجهنا.. كي نضيء المستقبل."
والاعتداء الجنسي بالذات يقع في أرقى المجتمعات، ولكنها تعالجه بالمكشوف والقوانين الرادعة، وعندنا الضحايا يعشن كالأموات، أو أن الأموات أفضل حالا. وتأثيره صاعقٌ في أقوى النساء، وكان ذلك بخاطري يوم دُعيتُ للتحدث عن القراءة بدعوةٍ كريمة من مكتبة الملك عبد العزيز، وأخبرتُ الجمعَ الذي تفضـّل بالحضور قصة أعظم كاتبةٍ إنجليزية في القرن العشرين "فرجينيا وولف" التي يعلم مَن قرأ عنها أنها في يومٍ ارتدَتْ أفضل معاطفها وملأت جيوبَها بالأحجار، ثم سارت في وسط النهر بجوار منزلها حتى تسلمتها الأعماقُ، ولم يُعثـَر على جثتها إلا بعد عدة أسابيع. والذي يعرفه الناسُ أن العصابَ الاكتئابي أصابها بسبب موت والديها وشقيقتها، والذي لا يعرفه إلا القليلون ما كشفه لنا كاتب سيرتها "كويتن بيل" (وهو قريبها)، بأنها وأختها "فانيسا" كانتا عرضة لسنواتٍ لاعتداءاتٍ جنسية من أخويهما غير الشقيقين الكبيرين جورج وجيرالد.. انتهى الاغتصابُ ولكنه دمّر باقي حياتها حتى انتحرت. فقط لتعرفوا شيئا من حال من يُغـْتـَصَبـْن ويغتصبَوْن بجوارنا!
في أمان الله..