مقتطفات الجمعة 20

سنة النشر : 17/04/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلاً بكم في مقتطفات الجمعة رقم 20 ، أرجو أن تنالَ رضاكم.
 
شخصية الأسبوع: شخصيةٌ شغلت الكثيرَ من قطاعات المجتمع، لأنها شخصية ترتبط بأهم جوانب الحياة لكثير من العائلات، وهي دراسة أولادهم في الخارج، أو رغبتهم في دراسة أولادِهم بالخارج. ولقد خرجت خطةٌ بازغةٌ للملك عبد الله ممثلة في برنامج ابتعاث أبناء المملكة وبناتها في العالم للتحصيل الجامعي والعالي، وهذه الخطة الاستراتيجية تتعرض للتجربةِ والمخاض والصَقـْلِ لأنها في أول مساراتِ التطبيق. ولقد تناسقتْ الظروفُ والمستلزماتُ للدكتور عبد الله الموسى ليكون القائدَ الميداني لهذه الأعداد الكبيرة من زهرةِ شعبنا، وهو منصبٌ سيضعه في صفٍّ أمامي لتاريخ الإدارة التعليمية للبلاد.. والتاريخ سيكتب ما له وما عليه.
 
إن من يأخـْذ برنامجاً بهذا الحجم يواجه تحدِّياً لا يتحمله كثيرون، لأنه هنا لا يقود طلبة فقط، وأرجو أن تنتبه للآتي: إنهُ يقودُ شعباً صغيراً، أو سكان مدينةٍ متوسطة بكل طبائعهم المتفوقة والهابطة، بكل التصرفات الطيبة والسيئة، وعندما يصعب قيادة شعب صغيرٍ في مكان واحدٍ في أعمارٍ مختلفة، فكيف إن كان هذا الشعبُ متفرقا في أركان الأرض، وجلهم من أعمارِ الفورةِ والفضول والتطلع والطموح والتوثبِ وطزاجةِ الحياةِ المبكرة؟ ستقول في الرجل الذي يقود واحدة من أهم وأكثر خطط البلاد ارتباطاً بالحاضر والمستقبل ما تشاء أن تقوله.. إلا أن ينكر عليه أحدٌ أنه يحمل مسؤوليةً تثقل حتى كتِفـَي "أطلس" الذي يقول الإغريقُ إنه يحمل الأرض على كتِفـَيْه.
 
ولفتني الحضورُ في أمسية "منتدى أمطار" التي كان نجمُها مساء الإثنين الماضي الثالث عشر من نيسان (أبريل) الجاري الدكتور عبد الله الموسى، لقد ازدحمت القاعة بوجوهٍ من مختلف المشارب والاختصاصات، ولكنهم من المهتمين مباشرة أو لحسٍّ وطني عام بقضية الابتعاث التي تشغل البلاد.. ولقد ترجمتـُها بأنهم من محبي الدكتور الموسى، ومثـَّلَ الحاضرين أستاذُنا الكبيرُ عضوُ مجلس الشورى والكاتبُ ذو النكهةِ الخاصّةِ السيد "عبد الله الناصر"، الذي زامل الدكتور الموسى أكثر من عقدين من الزمن، وكان التقديمُ بحد ذاتهِ متجلياً في فصاحتِه وحسن استمالةِ شعور الحاضرين بالأمثلة المختارة بعناية لإعطاء، بومضةٍ، كشف لأعماق طبيعة الموسى. ولم يكن أمام الدكتور الموسى إلاّ أن يتكلم عفوَ الخاطر، لا كمحاضر، ولا كمسؤول، ولكن، كما قال، لأنه وجدَ عقولاً كبيرة فجأة تحيط به يندرُ أن تجتمع في مكانٍ واحد، وأنه يغتنم فرصة مثل هذه ليتحدث بصراحة لأخذ الرأي والاقتراح. لذا بدأ بشيءٍ مهمٍّ جداً.. وسأقوله لكم، ولكن بعد أن أشرح مسألة دقيقة في المقتطفِ القادم..
 
"اعتـَرَف"، كلمة في القاموس العام، ترتبط بنتيجة تحقيق، أو بأثر ضغوطٍ خارجيةٍ، أو بفعل ما ينمّ ويطفو على سطح الضمير من الإحساس بالذنب.. لذا فالكلمة هذه عندما تبدأ بفقرةٍ بالكلام تعطي انطباعا تلقائيا للمتلقي (خصوصاً العربي!) بأن من وقع له الاعتراف كان مخطئاً بتعمدٍ ثم عاد عن خطئه، أو أجرَمَ بحقِّ أحدٍ ثم تابَ عن جُرمه. وعندما يقول مسؤولٌ إنه ليس محصَّنا ضد الخطأ فهو هنا تقريرُ الواقع، وإعمالُ الذكاء الطبعي والطبيعي، وممارسة الصفةِ الإنسانية العادية البعيدة عن التعظيم والتحصين والتسامي.
 
لقد قامتْ الصحافةُ مشكورة بتغطيةٍ وافيةٍ لما حدث في أمسية "أمطار" يوم تحدث الموسى من القلب، وكان، بما أشعُرُ، متلمِّساً لكبر وأهمية الشخصياتِ من حوله، فأراد أن يستشير في مسألةٍ لا يريد أن يكون حاملـَها ومسؤولها الوحيد، وليستضيء بأنوارِ العقول من حوله، فبادَرَ، ليدلل على جديةِ مسعاه للاقتراح والرأي، أن بدأ بقوله: "نعم لقد كانت هناك أخطاء"، وكان بإمكانه أن يقول مثلا:"لقد نجحنا رغم بعض الأخطاء"، ولكنه صمم أن يرسل الرسالة التي يريدها غير مغلفة، فقبلها الحاضرون وتفاعلوا معه، وتتالت الأفكارُ والاقتراحاتُ لتطوير مسار الابتعاث، وعندما ذكر معظمُ من كتبوا في الصحف أن الموسى "اعترف بأخطاءٍ"، فقد تصل للقراء بأنه كان في السابق ينكر ثم اعترف، بينما المقصودُ أنه مارس سجية إنسانية عادية في تقرير أن الإنسان يخطئ، ومن لا يعمل لا يخطئ، فكيف نلوم "أطلس التعليم الخارجي السعودي" إن انزلقت كرة الابتعاث قليلا لليمين أو لليسار، فمن الطبيعة أن تنزلق، ومن التلقائية أن يقول ارفدوها قبل أن تنزلق، وهذا ينبع من الاهتمام، وإقرار بالطبيعة المتوقعة.. برأيي أن كثيرا من الحلول سيجدها المسؤولُ من عقول الأمة لو قال فقط :"ارفدوا كرتي التي أحملها على كتفي، وإلاّ ستنزلق!".. يا سلام ما أجملها من كلمةٍ حتى ولو كانت.. اعترافاً!
 
نريد أبناءَنا وبناتنا في الخارج أن يتعلموا أحسنَ تعليم، وألا يواجهوا مشقةً فوق العادة تعوقهم عن التركيزِ لما ذهبوا لأجلِه، ونريد لهم أعمالاً وافرةً ومتواجدةً حينما يعودون وهم متزوّدون بالتعليم الصحيح الملائم، وأنا متأكدٌ أن القطاعَ الخاصَّ في المملكة سيكون سعيداً وفخوراً بالتعاون مع وزارة التعليم العالي في المساهمةِ بإيجاد الأعمال المناسبة لأبنائِنا المبتعثين، ونقترح من هنا برنامجاً موازياً اسمُه: "توظيف العائدين من الابتعاث".. وسنحتاج إلى أكثر من "أطلس" لحمل هذه الكرةِ المصيرية!
 
إن تَكُنْ ظالِماً فعنْكَ عفَوْنا * أو أكُنْ ظالماً فعفوكَ عنّي