مقتطفات الجمعة 17
سنة النشر : 27/03/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة رقم 17 ، أرجو أن تنال رضاكم.
موضوع الأسبوع: طبيعة العقل والاستشارة: لا تقف العقولُ عند أطـُرِ النظم القائمة، فهي بطبيعتها محلقة ومبتكِرة، ومتخيـِّلة، وسيكون دأباً فكريا لدى كل عضوٍ بمجلس الشورى أن يقدم إضافة ديناميكية وواقعية تضفي على المجلس مرونة أكبر في لـَمْس الحسِّ الشعبي، ونقل رغبات الناس، وعكس أمور ظروفِ حياتهم سريعاً، ليتم معالجتها تحت قبة الشورى، وتقديم المشورة لأعلى سلطةٍ في البلد في وقتها المناسب مع الرأي المناسب، هذه المرونة يجب أن تتفاعل، لأن الجسدَ الهيكلي للشورى ممتاز من حيث التنظيم ووضع الأطرِ الأساسية، وطريقة النقاش وعرض الرأي ومعالجة الموضوعات من خلال اللجان، ولكن صفة المجلس كما يقول في رسالة جميلة الزميلُ والمفكرُ الكبيرُ إبراهيم البليهي: أن يكون"عقلُ الأمة". ولي أن أضيف: "عقلُ الأمةِ.. وضميرُها."
ولا شك أن العقلَ- وأظنه مغزى المفكّر "البليهي"- لا يقبل بطبعيتِه وتكوينِه ووظائفِه أن يقع أسْرَ الجمودِ، والرتابة، والإعادة، فهو بحتميتِه طليقٌ يدور آفاقَ التخيِّل والتصوِّر والابتكار.. وتسخيره لأجنداتٍ دائمةٍ ورتابةٍ ثقيلةٍ ستحبسه. مجلسُ الشورى يعمل عملاً حقيقياً بدراسةِ التقارير وإعطاء التوصيات، وطرح الاقتراحات، ويبقى مغترِباً بعض الشيء من شرائح في المجتمع خصوصا فئات الأجيال الطالعة، فهو يحتاج إلى نشر دوره بين هذه الشريحة وكل الشرائح المتلوّنة في المجتمع الكبير، ليس فقط بالوصول إليهم، ولكن بإتاحة الوسائل للوصول إليه. إن المجلسَ خطوةٌ كبرى للأمام، ونأمل له تطوّراً أكبر في آلياتِه ونُظـُمه.. فمن يصرّ على السير إلى الأمام لن يضع خطوة أبداً للوراء!
كتاب الجمعة: "عشتُ سعيداً.. من الدرّاجةِ إلى الطائرة" قصة ذكريات اللواء الطيار، والأديب صاحب العبارة المرسلة، والأسلوب الشائق، والحبكة الدرامية عبد الله السعدون. سيلفتك أسلوبه، وأظنه تتلمذ على طريقة أدباءِ الشام في تنسيق الأسلوب وتأنيق الأفكار ورسم المشاهد بالكلمات، مع تأثر يقفز في تصويره اللغوي من الأدب الإنجليزي، ويبدو أن الرجلَ اطلع كثيرا، وقرأ كثيرا.. فالمقدمة تأسرك، ولا تتركك إلا في الصفحةِ الأخيرة بكتابٍ يتعدى الأربعماية والأربعين صفحة.. ونقله للوصف البيئي والصحراوي ينبع من ثقافته العالمية، فقد استغرقتني فصول "العمة سارة" مثلا بوصفٍ لامرأةٍ تصل لتخوم الأسطورة، مثل حكايات "موباسان" الفرنسي. وتجاربها مع تعدد الأزواج، كل قصةٍ خليطٌ ذائبٌ من تصاوير "هتشكوك"، وغرائبية "إدغار ألن بو"، ومسحات كتابية تتصافى مع أسلوب "ميخائيل نعيْمة" و"أمين الريحاني".. "العمة سارة" هي نسخة "مدام بوفاري" رائعة "غوستاف فلوبرت"، مع كثير من التحشم طبعا، وعناية "السعدون" بالوصف الطامح للكمال يشابه استغراق "فلوبرت" في عناده لبلوغ الكمال الدقيق الوصفي لأبطاله كما اشتـُهر عنه بالفرنسية: Le mot juste أي "الكلمة المناسبة بدقة." الكتابُ بذائقةٍ جديدةٍ في السرد الروائي السعودي، مع نفـَسٍ عميق للمعرفة وتحري الربطَ مع شخوصِهِ الدوليين في استنهاج الأقوال والعِبَر ومماهاتها بحكاياته.. "السعدون" يفتح بوابة كبيرة لمنهاج جديد. نصيحة: قراءةٌ لا تفـَوَّت!
وكنا نقول إن أي مشروع يتسلمه الشبابُ ويقومون به وهم مؤمنون به متحمسون له سيضرب في الآفاق، وهذا ما يحصل الآن لحملة ".. ومن أحياها" لتعميق ثقافة التبرع بالأعضاء. وصلني من صاحبة مدوّنة" ماسة زيوس" الشهيرة هذه الرسالة: "لقد استجبنا لدعوتكم لنشر بنرات حملة (ومن أحياها) وتفاعل معها نشرا وتصميما كثيرٌ من صاحبات وأصحاب المدونات المعروفين، منهم: بثينة أحمد (مضيّعة بيتهم)، وغصون (أمل) وهي ذاتها التي أشرفت وروّجت لحملة المكفوفين، ونشر كذلك "رائد"، صاحب مدونة (جندبي)، وأردتُ أن أسألك إن كان علينا أن ننسق مع أحد؟" وأشجّعُ القائمين على الحملةِ للتواصل معهم لتعم الحملة كل البلاد، وتصل إلى أكبر عدد من الناس. فمرحى للشباب!
وهذا الحوارُ الهاتفي مع الصغيرة "وعد": - أنا بالثاني متوسط، وقرأت موضوع "ريما النيف"، وسكنـَتْ في خيالي. لقد تحمستُ وأريد أن أكون مثل ريما، أريد التبرع بأعضائي.. - مجرد تسجيل رغبتكِ بالتبرع عملٌ نبيل وعطاءٌ كبير. - لم تفهمني.. أريد أن أموت ويأخذوا أعضائي مثل ريما.. - استغفري الله يا بنتي، ما الذي تقولين؟ - والدي مات من شهرين.. فكما كانت "ريما" معشوقةُ أبيها، وملكته، وأميرته، فوالدي كان معشوقي وملكي وأميري.. وكان يقول دائما إنه يريد التبرع بأعضائه. وأريد أن أقوم بما كان يريد القيامَ به، ولأموتَ وأرتاح من آلام أحزاني..
- "وعد".. أبوكِ يرعاكِ من السماء، ويريد أن يراكِ وأنت تحملين الشهادات العليا، وتخوضين غمار الحياة لتكبري وتنفعي الناس، وتدعين الله من أجله، وتحفظين اسمَه وتاريخه.. لو، لا قدّر الله، مُتِّ كما تقولين لمات أبوكِ مرتين.. هل تريدين لأبيك أن يموت مرة أخرى، أم أن يحيا بكِ؟
- أن يحيا بي. إذن، أريد أن ألتحق بالحملة.
- هذا رقم السيد مفيد النويصر المستشار الإعلامي للحملة.
- وشيءٌ آخر..
– ماذا يا وعد؟
- أريد أن أكون طبيبة..
- كأني أرى أباكِ يضحك..
- وشيءٌ آخر..
- ماذا يا وعد؟
- .. أحبّ أبي!