مقتطفات الجمعة 16

سنة النشر : 20/03/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة رقم 16 ، راجيا أن تنال رضاكم.
 
قضية الأسبوع: مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ: ما زالتْ الأزمةُ العالميةُ الاقتصادية تتفاقم، وتوُدي كل يوم بضحيةٍ دسمةٍ من بيوتات الاقتصاد، ولم تنجح مساعي أكبر الاقتصادات كالولايات المتحدة، واليابان، وأوروبا، في تحسين وضع المريض العالمي، إلا الصين فالصين تعيش أحلى أيامها، والصين بدهاء التاجر المتربِّص تشتري الآن العالمَ، تشتري مصانع العالمَ المتقدم، وتشتري من الدول الفقيرة خامات الأرض. وستخرج الصينُ من الأزمة أقوى مما كانت، لتكون ماردَ الاقتصاد الأول، بعد أن كانت تأتي في المرتبةِ الثالثة بعد أمريكا واليابان. وعندما تتصحف "الهيرالد تريبيون" في عدد الخميس 17 آذار (مارس)، تجد أن خبرا في الصفحة الأولى يقول لك إن الصين بوفرةٍ مالية جمعتها بحرص التاجر القابض اليد، والحسبة الصينية السوقية التقليدية ووفرت أتلالا بأكثر من تريليونين من الدولارات، وراحت بعربةِ شرائها تتبضّع العالم.
 
وحين تغذي خطط الإنقاذ في أكثر دول العالم البنوكَ وشركات التأمين، وتُقـَتـِّر في إقراض الصناعات الكبرى، صرفت الصينُ أموالاً ليس للإنقاذ، ولكنها وضعتها في جيوبِ شركاتها الكبرى، وشجعتها على أن تترحّل في الكوكب لتشتري كل ما سيزيد من قدرة الصين لتقبض على العالم تجاريا، وصرفت أموالا ليس لتنشيط اللاعبين الاقتصاديين مثل أمريكا، ولكنها سمّتها "خطة إنهاض وتنشيط عمليات البحوث والتطوير في الشركات، والجامعات والمعاهد".. والفيلسوف الاقتصادي وراء الخطة يقال إنه حاكمُها الدكتاتور.. فمرحى بهكذا ديكتاتورية!
 
وسؤالي بعد المقتطف السابق، ولا أدري إن كان ساذجاً، أم تلقائياً، يُقال إن عندنا وفرة من السيولةِ، ويدعونا العالمُ الكبيرُ الآن وكأنه يتذكرّنا في اجتماعاتِهِ لإنقاذ العالم لأول مرّةٍ، ولا أظن أن هذا من أجل عبقريتنا الفذةِ "وحدِها"، ولكني أخاف أنه وضع عينـَه على سيولتنا المالية. فلماذا لا نفعل مثل الصين؟ لماذا بدل أن نُقرض أو نساعد على الإقراض، لا نشتري المصنعَ والخبرة والبحوث، فنوفر الوظائف في بلدنا، ونرفع قيمة العمَل وخبرة العاملين فهل نجهِّز عربة شراءٍ لنبدأ التبضع؟ أم أنّ عربة شرائِنا خطفها الخاطفون؟
 
وانظر ماذا حدث في إسبانيا مثلا، وهذا من حسناتِ الأزمة، والمثلُ الذي سنطبّقه هنا: "أن كل ضارةٍ نافعة". لقد انتبه الإسبانيون في المدن أنهم بدأوا يفقدون أعمالَـَهم من جرّاء الأزمةِ، وأنهم لم يعودوا يستطيعون القدرة على تكاليفِ الحواضر.. لذا بدأوا يعودون للريف ليفلحوا ويزرعوا ويحرثوا ويقطنوا، وهذا جميلٌ فقد عانى الكوكبُ ظاهرة النزوح للمدن، وترك الأرض والزراعة.. وهذه العودة للأرض جميلة ومريحة وتخفف ضغوطاً بيئية واقتصادية وديموغرافية.. ولكن..آخ! نسي الأسبانُ شيئا في غيابهم لعشرات السنوات في المدن. لما رجعوا الريفَ ليعملوا.. وجدوا أن لا مكانَ لهم، فقد حلـّتْ العمالةُ المهاجرةُ مكانـَهم!
 
في مؤتمر "إكسس أبو ظبي للإعاقة"، الذي انعقد وسط الأسبوع، كانت الردهة الصباحية ملأى بالحاضرين، ويتحدثون عن افتتاح البارحة، واسم "مهند أبو دية" المخترع السعودي الشاب الذي فقد بصرَه وساقه في حادث، يدور على الشفاه، كلّ منهم يروي جزءاً مما قاله مهند أمام كبار شخصيات دولة الإمارات والحضور الكبار من العالم. ولما وقفت السيدة الناجحة مريم سيف القبيسي في أول محاضرة في أول يوم، وهي رئيس قطاع ذوي الاحتياجات الخاصة في مؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية في دعم أسر ذوي الاحتياجات الخاصة، قالت أمام الحضور الذي غص به مسرح نادي ضباط القوات المسلحة في أبو ظبي، بعد كلمةٍ مسهبةٍ وشاملةٍ بالتجارب والدروس والعِبَر: "ألم يعطنا مهند معنى الرؤية الكبرى وهو يقول إن حلمَهُ الأكبر أن يدرِّب مليون مخترع عربي؟". وحمدتُ ربي أن الجماعة في المؤتمر لم يقتنعوا فقط باختياري مهنـّد ليكون على منصتهم، بل إني كُوفِئتُ بأنهم هم الذين به يفخرون.. ومنه يتعلمون.
 
وفي منتدى "أمطار" بالرياض مساء الأحد الماضي، بعد أن أنهى السيد "أبو ريما النيف" قصة تبرعها بسبعة من أعضائها لسبعة أشخاص تلمسوا إشراقات الحياة من جديد، بفضل الله، ثم بفضل هذه الصغيرة ذات الثمانية أعوام، وهي تودِّع مَن على الأرض، ليستقبلها برحمته وحبه من خلق الأرضَ، وبفضل والدَيْها اللذين صنعا تاريخاً جديداً لوعي التبرع بالأعضاء ليس في المملكة بل في كل العالم العربي، وكان الأبُ يحكي بطلاوةٍ حزينةٍ، وبعشقٍ لم يخفه، وبدمع لم يستطع حبسَه.. فتأثر كل الحاضرين حتى أننا فوجئنا بالدكتور "سعود المصيبيح" يهب من مكانه بتلقائية المتأثـِّر ويقطع عرضَ الصالةِ ليتناول رأسَ الأب ويغرق في قبلةٍ تأثّرٍ وشُكرٍ وعرفانٍ وفخر. ولبرهة.. ران على المكان صمتٌ روحيٌ عميق.
 
"دللتُ زوجتي.. فدللتني هي أكثر!"- من كتاب مذكرات اللواء عبد الله السعدون "من الدرّاجةِ إلى الطائرة."
 
في أمان الله.