مقتطفات الجمعة 13
سنة النشر : 20/02/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلاً بكم في مقتطفاتِ الجمعة رقم 13 ، أرجو أن تنالَ رضاكم.
انتقل إلى رحمةِ الله الشيخُ عبد الله محمد الحقيل، وندعو اللهَ أن يشمله برحمتِهِ الواسعة، وبوفاتِه يفقد أكثر من ميدانٍ فارساً مُجـَلـِّيا.. في الاقتصاد، في العمل الاجتماعي، في الفكر والثقافةِ، في الإدارةِ، وفي التواصلِ الإنساني.. وكأننا بوفاتِهِ فقدنا عدةُ شخصياتٍ كل منها رائدةٌ في مضمارها.. لذا، فهو من منتدى النادرين. وسيبقى اسمُ الشيخ الحقيل وضـّاءً كنجمةٍ شمالية تنيرُ طرقَ السالكين للمعرفة. ونتقدم بأحرّ التعازي لأهلِه وذويه، وعسى الله أن يلهمهم الصبر َ، والدعاء له، وإقامة العملِ الجاري الصالح من أجله.
كما انتقل إلى رحمةِ الله الكاتب والمفكر والروائي السوداني "الطيب صالح"، الذي ركـّز بوصلته شمالاً وعلق مؤشرها على تلك الجهةِ.. بعد أن قدّم ذخراً للعربية والعربِ من الفكر وابتكاراتِ اللغة، ومرافق البحث، وتقنية خاصة للقصة. ولقد قرأتُ له شيئاً نادرا بالإنجليزية، ولو واصل بها لاحتلّ مقاماً في لغةِ الإنجليز.
كيميائيٌ للإعلام، عجباً؟ وكيميائيٌ للدبلوماسية، عجباً؟ وكيميائي للشعرِ؟ عجباً.. وإنك لو تأملتَ لرأيت أن الكيميائي "عبد العزيز محيي الدين خوجة" حياتـُه تدور حول الكيمياء امتزاجاً معرفياً وفكرياً وعاطفياً. وأقول استنتاجي من رابطةٍ ربطتني بالدكتور "خوجة" استمرت لسنوات، وعندما أزوره أو نتحدث، أتعجب من نفسي كيف تخرج له مني كلماتٌ لا أستطيع أن أقولها مرة أخرى, وهذا سرٌّ كيميائيٌ آخر، اسمه الامتزاج عند الكيمائيين، والمزيج سهل الارتباط وسهل الانفكاك، وليس كالاتحادِ بين العناصر لتشكل مركباً مستقلاً جديدا.. لذا فخوجة يمتزج جيداً بالسياسة ولكنه لا يتحدّ معها، فيكون قادراً على الاطلاع متحرّرا من قيودها والتزاماتها، ليعطي من يقابله الإقناعَ والحياد، وهما جوهرا أي عمليةٍ دبلوماسية.. وينجح في أداءِ الدور الذي يكون فيه العقلُ يقود الموقفَ، ولكنه في الشعرِ يتحدُ ويذوب ويتماهى ويغيبُ في سحاباتِ المشاعر، والشاعرُ مادةٌ من عناصر كونيةٍ اتحدتْ. والآن في الإعلام، يعود خوجة جامعاً النوعين: المزيجُ والاتحاد.. وقد اكتملت له من قبل بيئةُ التلاؤمِ بين العنصرين من الخبراتِ والتجارب.. وسنرى، هل ستكون القيادةُ للعقلِ فنقول إنه ما زال مزيجاً يسهل انفصاله ليتحكم في حيادِ قرارته؟ أم سينصهرُ ويتحّد مع البيتِ الجديدِ القديم، فتكون القيادةُ للقلبِ.. و"للقلبِ شؤون". والرجلُ خاض في الوحولِ الصعبة، وواجه المعاركَ بأنواعِها، وها هي الآن، ربّما، معركته الكبرى.. بينه، وبينه. بين عقلهِ وقلبـِه!
والدكتورُ "عبد العزيز بن جار الله الجار الله" في مقاله في "الاقتصادية" بعنوان: "لماذا د. خوجة وزيراً للإعلام؟" يحكمُ على الدكتورِ خوجة مقدَّماً، قائلاً:" لذا سيكون الدكتورُ عبد العزيز خوجة الكيميائي والإعلامي والسياسي، الذي يملك القدرة على مزج الثقافة والإعلام بنسبٍ علميةٍ و(قيمٍ قيميةٍ) وأخلاقية دقيقة تصب في مصلحة ثقافتنا وإعلامنا المحلي ومجتمعنا ووطننا العظيم.." طيب.. فلنتفاءل أن يكون هذه الحكمُ المبكـِّرُ صحيحاً!
ما أجملَ ما ينتجه الإنسانُ فِكراً وأسلوباً وعاطفة حين يشفّ ويعومُ مرتاحاً على سجيتِه بلا مؤثرات ظرفيةٍ. شعرتُ بدفعاتٍ أرجوحية سادرةٍ وأنا أقرأ متمتـَّعاً ما كتبه الدكتور "عبد الله بن إبراهيم القويز" عن رجلٍ ترك منصبَه، فكأنه يصعد على الجانبِ الحادِّ من التلّ. مقالته خرجت عن سربِ المقالاتِ الطائرة الآن، حين قام تحيطه هالةُ حبٍّ وفاءٍ وإعجابٍ وأدارَ لـُغة الكتابةِ لوصف سجايا من ترك المنصبَ، لا لمن استقبله المنصبُ.. وكرس المقالَ كاملا، أو يكاد، للأستاذ "حمد بن سعود السياري" محافظ مؤسسة النقد المغادر، فعرَّفنا في الرجل صفاتٍ أخرى غير نباهته الاقتصادية والنقدية، فإذا السياري مُكِبٌّ متنسـِّكٌ في نهل المعرفةِ لا يكاد يرتوي من ظمأٍ للمعرفةِ مديم.. وأشادَ بنزاهته، وتماسكه الشخصي في كل مناسبةٍ وأمام أي قامةٍ. ولك أن تقول إن الدكتورَ "القويز" قد شطّ في وصف الأستاذ "السياري" أو أن تقول إنه لم يكفه حقـَّه.. ولن يمكن أن يوصمُ بالمجاملةِ وبذل المديح .. لأن من يركب الجانبَ الصعبَ من التل يدفعه الصدقُ، ومن يتزحلق على الجانبِ السهلِ تجرّه المنفعة!
ويكتبُ الكاتبُ الصاعد "هاني الظاهري" عما يواجهه المبتعثون، ويشير إلى رسالة بعنوان "من أدنبرة إلى الظاهري"، وهي وصلتني كذلك باسمي، ولكُتاب آخرين. وهالني عددُ رسائل المبتعثين مع أسرهم والذين يعانون سوء صرف المكافآت، وما ويواجهونه من ظروف ثقيلةٍ.. على أن الشابّ "هاني" سبق ولم ينتظر، وهذا هو دمُ من يهبّ للنـُصرة: حارٌ سريعٌ وشهم. لن أطيل هذه الفقرة لسببين: انتظاراً لمقالته القادمة عن المبتعثين، ولأشجعكم للعودة إليها لمن لم يقرأها. ونعود للموضوع قريبا بعد أن أثاره بامتياز "الظاهري".
في أمان الله..