مقتطفات الجمعة 11

سنة النشر : 30/01/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة رقم 11 ، أرجو أن تنال رضاكم.
 
موضوع الأسبوع: هو عن هذا الفرد من الناس، وهؤلاء الأفراد من الناس، الذين يحملون أفضل صفةٍ لأي بشري: نفعُ من لا يرجون نفعَهُ!
 
الأسبوعُ الماضي كان حافلاً، مذهلاً، لم أستطع في معظم الأوقات إغلاق عيناي دهشةً وإعجاباً، متلمّساً ومضاتٍ تشيرُ لطريقٍ مضيءٍ تسلكه الأمّة، لأن في الأمّةِ نساءً ورجالاً مضيئين، هم القاطرات التي ستقودنا إلى فساحات الضوء.. أسبوعٌ لم أجد به خرم إبرة من الوقت كي أمارس كسلاً، لقد كبلني العاملون المضيئون بارتباطاتٍ ومواعيد، بعضهم تفضل فدعاني، وبعضهم تفضل فقبل دعوة نفسي لرؤية إنجازاتهم.. أخرج صباحاً، ولا أعود إلا مترنـّحاً في المساء، لا، ليس كمن يعودُ من السهراتِ العابثة، وإنما من فرط ما أنهكتني رؤية أعمال الإنجاز، وأقول لنفسي: ألا تستحي يا فلان: أتشكو الإرهاقَ وأنت ترى الأعمالَ، فماذا يقولُ إذن من قاموا بالأعمال؟!
 
بدأتُ أول الأسبوع السبت بجولة.. أخذت عدة ساعات مع الدكتور علي الغفيص وبعض أعضاء أركان عملياته الاستراتيجية. و"الغفيصُ" جنرالٌ يخوضُ حربا، فهو لن يجلس على المكتب ليُلقي ويتلقى التنظيرات، إنما يدور متوثباً في غرفة عمليات ويرسل أوامرَ إلى الساحة، لأن الوقتَ يدهمه، يدهم شبابَ الأمّةِ، وهو يرى عدوّاً ينام معنا، وهذا العدوُّ هو البطالة وخلو أيادي الشباب والشابات من المهارات الحرفية الفنية.. كما أنه لا يرضى أن تكون أعمالاً يدوية كلاسيكية، بل مغلفة بمغلف التقنية، فتجد أنه أضاف الكلمة البارزة في قاموسِه الذهني والعملي "التقنية" لمؤسسة التدريب المهني. وكتبتُ في جريدة "اليوم" أن الغفيصَ لم يحاول أن يعيد السير في الطريق القديم للتدريب، لأنه سأل العائدين منه ولم يعجبه الحال، ولم يعجبهم هم الحال، فاشتقّ طريقاً جديداً لتهيئةِ الشابّ للسوق، فتلبس روحَ رجل الأعمال وتشرب عقليته ثم بدأ يصمم أخلاقا وسلوكا ومهارات لسوق العمل للشباب السعوديين.. لا يكفي المقامُ للشرح، وسيأتي يومٌ أذكر مرئياتي تفصيلا عن رؤية جديةٍ وفلسفة جديدة، مع إداريّ يطبق العلمَ الإداري العسكري، حيث تسود الواقعية التطبيقية، ويكون الكسبُ في البداية وفي النهاية هو المصير.
 
لم أستغرب أن يتصل بي أو يعلق على مقالي في "اليوم" عن الدكتور الغفيص مجموعة من المحتجين، ولم أتضايق أنا فقد نمَتْ عندنا عادةُ التأزم من الثناء للمسؤول، وهي ظاهرةٌ تدلّ على شيءٍ يحصل في المجتمع تجاه الإدارة الرسمية، ويجب أن تـُدرَس وتتقـَصى أسبابها ببحوثٍ جدية، وشرحتُ لكل من لامني متصلاً ما رأيت. منهم من رأي أني أبالغ، أو فوجئ بما شرحت له، وعن رجال المؤسسة تمنيت أن يزوروا قبل أن يلوموا. وتخف حملاتهم علي عندما أقول: ألا يكفي أن كل المتدربين السعوديين الذين رأيتهم يحملون في جيوبهم عقودَ مستقبلهم؟ كل منهم يحمل عقدا براتبٍ مجزٍ أول تخرجه، بل يحصل وهو يتدرب على مخصص شهري من الشركة ذاتها، التي تعاقدت معه؟ وبعضهم لما ضعفت همة الاحتجاج لديه، قال: لو صبرتَ على الرجل حتى يترك الوظيفة حتى لا يوصم ما تقوله عنه بالمداهنة، وأجبت أني لم أداهن من أخطأ، ولم أداهن من مصيري بيده، ولم أثن على الدكتور الغفيص صاحب الوظيفة، ولكني أثنيتُ على الغفيص صاحب الهمة العملية والقتالية من أجل أن نرى شبابنا يعملون بوظائف كريمةٍ بدخول كريمة .. وكان يجب أن أتطرق لإنجازه وهو بمنصبه، حتى يُعطى الوقتُ الأكثر لإكمال، أو لإنجاز معظم مهمته.
 
الأحد: مع مجموعةٍ من الشباب في القطيف، الذين أخذوا عليّ المواثيق أن لا أصرح عن أسمائهم الآن، متى تطرقتُ لعملهم، شبابٌ عاكفون بأنفسهم على قراءةٍ عميقةٍ للعلم في الإسلام بأربع لغات. كل واحد منهم سيقضي سنوات في قراءة وبحث ودراسة وتحليل كل ما كُتب عن عالم مسلم يختاره من علماء المسلمين في علوم الفلك والرياضيات والفيزياء والكيمياء والطب والصيدلة.. ثم سيُخرِجون موسوعة متتالية النشر بالعربية والإنجليزية عن العلم والعلماء في الإسلام بالإنترنت.. ويقولون: نريد أن يعرف العالمَ أن الإسلامَ هو المحطة في منتصف الطريق التي نقلت العالمَ لما هو عليه من تطور الآن، ورسالة للعالم الإسلامي: بدل أن نتباحث ونتشاحن في مسائل الخلاف، فلنتباحث بشأن العلم في الإسلام حيث لا خلاف!
 
الإثنين: تجربة في سبيل الاكتمال، وهي مبهرة، وتؤيد ما نذهب إليه في الاستفادة من التقنية لنشر الدين بدلا من رجم التقنية ورجم من ينادي بالاستفادة منها.. ففي مدينة الدمام يكمن مشروعُ المستقبل الكوني لتعليم وتحفيظ القرآن ليس للداخل فقط بل في مجامع الكرة الأرضية، وعن طريق ماذا؟ الإنترنت، طبعا.. وماذا بالتحديد في "البال توك".. تعليم وتحفيظ القرآن لكل من يريد في أي مكان وزمان.. ولصغر المساحة، أريدك أن تغمض عينيك وتطلق أجنحة الخيال لتسيح بمدى أثر وتأثير وانتشار المشروع.
 
دهمتني المساحة وأنا لم أخدش إلا سطح كتلة الأعمال التي رأيتها.. وسأذكر أهمها بإيجاز "مخل". أقيم في الغرقة التجارية في المنطقة الشرقية يومي الثلاثاء والأربعاء ملتقى الأعمال التطوعية كطوفٍ يطفو على بحر.. وهذا البحرُ هو مجمل الحراك التطوعي الذي عمّ البلاد، في الشرقية فقط تضاعفت أعمال التطوع أربعة أضعاف في ثلاث سنوات، المسجلة وغير المسجلة.. وقس على باقي مناطق المملكة.
 
والدكتور "يوسف العثيمين"، وزيرُ الشؤون الاجتماعية رجلٌ ناصعُ البياض.. لا، لم أقصد لونَ بشرته، ولكن نصوع بياض العزم والرأي على أداء المهمة، فهو يحرص على أن يحضر كل جلسات الملتقى، ولم يهفّ في الافتتاح الرسمي، ثم يغيب كغياب الشخصيات التي تظن أن الغياب عن التفاصيل العملية صفة تؤكد استحقاق صفة الشخصيات المهمة. وفي آخر الجلسات حرص رغم ارتباط قوي أن يحضر وأن يجيب.. وكلنا نعرف السؤالَ الذي نوجهه للعثيمين، وهو يعرف ما نريده كلنا: "سرّعوا في إجراءات التسجيل!".. وأجاب بالموافقة مع.. التحفظ. وتحفظه على أشياءٍ نتفق عليها كلنا. والمهم يا دكتور.. أن يستمرّ البياضُ ناصعاً!
 
ونكمل غدا.. في أمان الله..