مقتطفات الجمعة 10

سنة النشر : 23/01/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلاً بكم في مقتطفات الجمعة رقم 10 ، أرجو أن تنال رضاكم.
 
قمّةُ الكويتِ الاقتصاديةِ السياسية: ولقد غطـّى على الطبيعةِ الاقتصاديةِ الجزءُ السياسي، المتعلقُ بموضوع الغزو الاسرائيلي لغزّة، والفظائعُ التي ارتكبت هناك، وأما الذي كاد يغطي على الحدثِ السياسي، فهو مبادرة الملك عبد الله الذي لا يجفل من أي إفصاحٍ وحتى لو كان غير معتاد من القادة والملوك.. وهذه المرة قام بأمرين: أمرٌ يرى بعض الزعماء أنه قد يكون إنقاصا لوهجهم السلطوي، أو إنقاصاً لهيبتهم الحاكمة، وهو المبادرة بالمصالحة دون السؤال ولو للحظةٍ عن طبيعة خطأ الآخرين، أو من البادئ والمتسبِّب، والمبادأة بالاعتراف أن الخطأ يصل للجميع مهما ارتفع المقامُ، وسمقَ المنصب.. والنتيجةُ رأيناها بوقتها بكل المحطات الفضائية، حتى التي تقف تقليديا بحساسية ضد أي إنجازٍ سعودي، كيف ارتفع مقامُ الملك عبد الله فوق ارتفاع، وتصاعد دورُه فوق تصاعد.. حتى أن القادةَ العربَ تحلقوا حوله كما تتحلق الكواكبُ حول المدار. لقد انتهت – كما نأمل - أزمةُ غزة بدماءٍعتـّقت ترابَها، ودموعُ كالدم على مآقي كل مسلم وعربي شعر بفجيعةِ إخوته هناك.. ولا نقول إن فاصل قمة الكويت وموقف الملك عبد الله والزعماء فاصل سعيد، فلا سعادة في مواقف المأساة الكبرى، ولكنه موقفٌ يجعلنا نتطلع إلى الوصول لسواحل الأمل، وراءَ بحار الدم.
 
ورئيسُ تحرير جريدة "اليوم" الأستاذ "محمد الوعيل" يفردُ مقالاً تقريرياً في الصفحةِ الأولى للجريدةِ في 22 كانون الثاني (يناير) الجاري، بعنوان:"ستّ دقائق قلبت الموازين"، ويقول في عبارةٍ من المقال: "ستُّ دقائق هي عمرُ كلمة المليك، كانت كافية لإبلاغ الرسالة السعودية، ستُ دقائق لا تمثل شيئاً مقابل مئات وآلاف الدقائق والساعات والأيام، يمكنني وصفها بأنها كانت بمثابة الحدِّ الفاصل بين الخيط ِالأبيض والخيطِ الأسود، الأمل العربي المنشود، والواقع الصارخ في تشتته وتبعثره. ستّ دقائق أشبه بعمليةٍ جراحيةٍ بارعةٍ، عالجتْ الجرحَ، وقدّمتْ الدواءَ..". إذن لقد انتبه السيدُ "الوعيل" لمنطقةٍ مهمةٍ في علم الرياضيات الكونية، في مسألة التناسب والنسبية، وأعطى بعدين أينشتانيين للوقت، وهما عمقُ الأثر وطولُ امتداده.. والوقتُ يحسَب بقياسين آخرين: مسافة الامتداد، أي شيوع ما حصل في الوقت في المسافات المترامية، ومدةُ بقاء أثر الوقت.. ندعو اللهَ أن يكون ما ورد في الدقائق الستّ من خطاب الملك عبد الله منهاجاً دائماً للساسةِ بامتداد أمّة العرب، وأن تثمر الدقائق الستُ سلاماً دائما لأهلنا بفلسطين.
 
"لم يتوقف الملكُ عبد الله بن عبد العزيز في كلمتِه التي ألقاها في افتتاح القمة العربية في الكويت عند الماضي، معاتبا أو لائما أو متسائلا عن أسباب الخلافات العربية، بل ذهب مباشرة إلى المستقبل معلنا باسمه واسم كل الزعماء العرب المشاركين في القمة تجاوز مرحلة الخلاف.."، هذه الجملة وردتْ في افتتاحيةِ جريدة "عكاظ" عدد 12 كانون الثاني (يناير) الجاري، وأعجبتُ جداً بالجملة الوصفية المشهدية:" لم يقف عند الماضي، بل ذهب مباشرةً للمستقبل" يا سلام. جملةٌ قصيرةٌ تحمل كل الحل، لا لستُ مبالغا.. لا تشتعل الخلافاتُ وحتى الحروب فقط في الخلافاتِ المفتوجة، ولكن في اجتماعات ولقاءات المصالحة عندما يصر الملتقون على أن يحللوا الماضي: من بدأ؟ من أخطأ؟ من اتهم؟ فلا تنتهي الأمور إلا إلى حفرةٍ أعمق من الخلاف، وتراجعٍ أشدّ تعقيداً في ماضي التنازع وحاضره. القوةُ والحكمةُ والحزمُ.. والحلُّ: انزع رداءَ الماضي بكل ما علِقَ به، وضعْ رداءَ المستقبل ناصعاً معقماً.. جديداً، لآمالٍ جديدة.
 
كان يوم تنصيب "باراك حسين أوباما" رئيسا لأمريكا، يوما يشبه الأساطيرَ في واشنطن، بل في أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية، وربما بعض مناطق العالم.. ولقد قرأتُ في اليوم الذي يلي مقالاتٍ في جرائد أمريكية وأوربية - بريطانية على الخصوص - تصف الحفلَ بأجواء التوقعات والآمال والأحلام والتمنيات حتى وصِفـَتْ بأجواءٍ "كاميلوتية". و"كاميلوت" تلك، لمن يتابع الأدبَ الأسطوري الإنجليزي، هي العاصمة (أو القلعة ومقر الحكم) للملكِ الأسطوري "آرثر"، وهي العاصمة الحالمة الرومانسية العامرة بالعدل والخير والمحبة والانتصارات .. ولقد أبدع "أوباما" بلغته الساحرة المؤثرة، وهو كما قلت هنا مرة من أعظم من يلقي الخطاباتِ البليغة بلغةِ الإنجليز، ونستطيع الادعاء أنه أعاد زهوَ عصر الخطابات المؤثرة العاطفية - وترى يا أخي أن الشعوبَ مهما تحضّرت تُساق بالعاطفة، ولا عيب، ما دامت تسعى لهدفٍ سليم - سلـَبَ أوباما الدمعَ ودقاتِ القلوب من الأمريكيين، وكاتبٌ أمريكي قال لو استمر أوباما بخطابهِ لفاض نهر هدسون من دموع التأثر.. فهل ستكون الأحلامُ واقعا؟ هل ستكون واشنطن "كاملوت" العدل لكل العالم؟ هل تصير عاصمةً كاميلوتيةً ضد شياطين البشر من المعتدين، يحكمها رئيسٌ عادلٌ يقضي على الأشرار المعتدين مثل "الملك آرثر".. أول امتحاناته الآرثرية قضية فلسطين وإسرائيل.. فلنرَ.
 
يا للأيام .. بعد وصول أول إفريقيٍّ مستعبَدٍ بمائتي عام للسواحل الأمريكية، بنى السودُ العبيدُ البيتَ الأبيض.. أيادٍ سودٌ مكبلةٌ بالسلاسل شيّدَتْ البيتَ الأبيض. الآن، يقف سيّداً لهذا البيتِ رجلٌ يحكمُه.. بيدِه السوداء!
 
في أمان الله..