مقتطفات الجمعة 5
سنة النشر : 19/12/2008
الصحيفة : الاقتصادية
أهلاً بكم في مقتطفات الجمعة رقم 5 ، أرجو أن تنال رضاكم.
عنوانُ هذه المقتطفات مُهدىً لي من القارئ الحصيف، المهندس الشاب "حلمي نتـّو" من جدة. وحلمي، كما أظن، اختصر كل ما يريد بهذا العنوان، مختـَصِراً قصة أكثر فترة أثـّّرَتْ في أمريكا بالداخل، وأثرت فيها في الخارج، وفي الطريق تأثرت دولٌ مباشرةً، أو بطريقٍ غير مباشر، في عهد الرئيس جورج بوش، الذي تزامنَ مع الهجوم على نـَصْبـَيْ التجارة في عاصمة التجارة والمال الأمريكية نيويورك، وانتهتُ، أو تكاد، بفاصل رمي "منتظر الزيدي" المراسل التلفزيوني العراقي بحذائـَيهِ المطـّاطيين مباشرة على الرئيس وهو يودع ولايته الثانية.. يا إلهي، يا لها من قصة!
" كان مقاسُ الحذاءِ عشر بوصات!"- دبليو بوش.
قضية الأسبوع: الحذاء: هل كان عمل العراقي الصحافي برمي حذائيه على وجه الرئيس بوش عملاً بطوليا جريئاً، أم تصرفا أخرق متهوِّرا؟ لن أبدي رأياً، بل لا أحتاج إلى أن أبدي رأيا، فجريدة اسمها "ميامي هيرالد"، تقول: "هذا نتيجة لمغامرة السيد بوش وإدارته في العراق". لم يظهر انتقادٌ كبير على تصرف "الزيدي" في الصحفِ العالمية، ولا بالتعليقاتِ التي تابعتها، إنما كان التركيزُ على ما حصَدَته الخططُ الأمريكية للعراق، وكان الحذاءان المطاطيّان أبلغ تعبير. جريدة الـ "يو إس توداي"، لم تظهر غضباً على تصرف الصُحافي العراقي، بل كادت تبرره بأنه مؤشرٌ على أن موجات الغضبِ تعلو في العراق ضد الوجود الأمريكي، وما قام به الزيديُ إنما هو مؤشرٌ إلى أن الغضبَ في العراق لن ينزاح بأي محاولةٍ أمريكية ولا بأيِّ صيغة، ما دامت تـُبقي جندياً أمريكيا في الأرض العراقية، وتسمح لنفسها بالتدخل في شؤونِه السيادية الداخلية".. ففهمتُ من تقرير الـ "يو إس توداي" التالي: "يا جماعة، أنتم الذين في البيت الأبيض، مع الحذاءين وصلتكم أقوى وأصدق رسالة على فشلكم في العراق.. فماذا تنتظرون بعد؟".
ثم اشتعلت وسائلُ الإعلام.. لم يبقَ، في تقديري، بريدٌ إلكترونيٌ لم يصله مقطعٌ من "اليو تيوب" الذي يصور أحداثَ المؤتمر الذي وقعت فيه واقعة رشق الحذاءين، ولا أظن مكانا في الأرض عليه بشرٌ إلا وتناقشوا صبيحة اليوم التالي عن الذي حدث، وبات في لحظةٍ زمانيةٍ خاطفة اسمُ العراقي "الزيدي" أشهراسمٍ، مع بوش طبعا، دار في الكرةِ الأرضية منذ الواقعة إلى اليوم. *** * وباطلاعاتي ومتابعاتي في الداخل والخارج، لم ألاحظ غضباً (ربما انتقاداتٍ نادرةٍ عابرةٍ فقط) على التصرفِ الذي قام به الزيدي، إلا من بعض الكُتـّابِ والمعلقين العربِ الذين يقدمون أنفسَهم بأنهم يسيرون على أجندةٍ واقعيةٍ وحضارية. في صحف العالم خارج أمريكا كان الانتقادُ موجهاً بصراحة، ووصل في جرائدٍ في بريطانيا، والهند، وأستراليا، وأوروبا، إلى الاتهام المباشر للإدارة الأمريكية بارتكاب جرائم إنسانية على التراب العراقي.
وأثارت حكايةُ الحذاءين النكاتَ، فبوش الذي قال بعد أن استعاد توازنه: "وماذا فيها، مجردُ شخصٍ ألقى عليّ حذاءً، لا يهُم!" ثارت كموجةٍ كاسحة عند المعلقين والكوميديين الأمريكيين، حتى إن أحدهم قال بلسان "بوش": "وماذا فيها لو رشقني بسيف حادٍ، ما دام مقاسه عشر بوصات، لا يهم!". وقيل إن جمعية أطباء الجهاز العصبي الأمريكيين سيدرسون الإشارات العصبية السريعة الدفاعية التي تمكن بها بوش من تجنب الإصابة بحذاءين وراء بعضهما من أقل من 25 قدما. وبرسالةٍ هاتفيةٍ جاءتني من صديقٍ في ماليزيا: "تأسستْ جمعيةٌ على غرار "أطباء بلا حدود".. باسم "صحفيون بلا أحذية!".. وفي إيطاليا، علق إسكافيٌّ لوحة كُتِبَ عليها: "سنيور زيدي، إن لم تـُعِدْ لك حكومتـُك الحذاءين فأنا على استعدادٍ لصنع البديل.. أعرِفُ مقاسَك: عشر بوصات، وشكراً للرئيس بوش على المعلومة!".
والأستاذُ الكبيرُ "عبد العزيز قاسم" له مُنتدىً بريديٌ نخاله المصْدرَ الأولَ لتصدير الأفكار والتحف ِالإبداعيةِ من المفكرين، وإن كان سعرُ برميلنا النفطي المصدَّر قد انخفض أخيرا (أعاد اللهُ له عِزَّهُ)، فإن سعرَ كل رسالةٍ من بريد أبي أسامة لا تقدِّرها الأثمانُ. ومن ضمن هداياه هذه القصيدة للشاعر المبدع المطبوع الدكتور "سعد عطية الغامدي"، بعنوان: "جزمة الوداع"، والتشكيلُ على الحروف من عندي، فأي خطأ فيه يُحسَبُ علي، وأختارُ منها: أعْلـَيْتَ من لـُغـَةِ الحِذاءِ ومَحَوْتَ خارطة َالـغبـَـــاءِ ورَجَمْتَ هامَ الشَرِّ في بَغدادَ عاصمةِ الإِبَـــــــــاءِ لا يفهَمُ الجـَـــــلاّدُ إِلاّ في لُغـَـةِ الحِــــــــــــــــذاءِ عاشَ الحِذاءُ وعشْتَ يا رَمْزَ البُطولَةِ والعَطاءِ
لا نتمنى أن تكون لغةُ الرمي بالأحذيةِ هي السائدةُ في المؤتمرات الصحافية، ولا وسيلة للتعبير عن الرأي، وأرجو أن تكون حادثة الزيدي التي، بالفعل، أسعدَتْ الشعوبَ العربية، لاحتقانِ من الغضبِ ضد أمريكا والعجز ضد صدِّ طغيانِها، وفي الطريق أثارت السخرية والتشفي في بقية الدنيا هي الأولى والأخيرة.. فيكفي جزمة واحدة للتعبير، وليكن للعربِ صولاتٌ أكبر وأقوى لرد اعتبار الكرامة العربية التي أهُدِرَتْ طويلا، وتكاد أن تجفّ لآخر قطرة!
ولكن.. كيف ستُنزع أحذيةُ الناس الآن؟!
في أمان الله..