مقتطفات الجمعة 4
سنة النشر : 11/12/2008
الصحيفة : الاقتصادية
أهلاً بكم في مقتطفاتِ الجمعة، رقم 4 ، أرجو أن تنالَ رضاكم.
قضيةُ الأسبوع: عمَلُ الفتياتِ داخل منازلهن: وهو حلٌ مهم ٌجداً، وسيرفع معدلاتِ العمل والكسب المادي والمعنوي لدى الفتيات بشكلٍ لافت. وسبق أن أفردتُ مقالاً عن هذا الموضوع، وضربتُ أمثالاً بفتيات عملن من داخل منازلهن في إعداد طعام الحفلات، وكسبن بشكل كبير لدرجة أن عملهن توسع ثلاثة أضعاف في سنتين، وبفتياتٍ أخريات قدّمن خدمةَ رعايةِ الأطفال، والتدريس، وتنظيم المناسبات، وكلهن كما يصلني منهن توسعن بأعمالهن، من مشروع كنا بدأناه عن طريق برنامج "ناصح الرشيد"، بابٌ كان يظهر أسبوعيا في جريدة "اليوم"، ثم توقف. ولأمرٍ آخر طالما طالبتُ به وهو أن تتحرك النساءُ والفتيات من أجلهن، من دون هذه الوصاية أو الحمائية الإيجابية أو السلمية تحت التخطيط الرجالي فقط، وأن يتولين أمورَهن بأنفسهن ما أمكنهُن. لذا سُعِدتُ يوم أمس الخميس، وأنا أقرأ الصفحة الأولى (2) من جريدة "الشرق الأوسط" عنوانا متصدِّراً يقول: "بمبادرةٍ من مجلس شابات الأعمال: السعودية: تحركٌ نسائيٌ، لإيجاد تصاريح رسمية للعمل من المنازل". بتقريرٍ أعدّته الأستاذة "إيمان الخطاف"، والمقصود - لإرجاع الفضلِ لأهلِهِ - بالمجلس، هو "مجلس شابات الأعمال"، بغرفة المنطقة الشرقية من السعودية، حيث صرحت لمهندسة "إيلا الشدوي"، الرئيسة التنفيذية للمجلس عن عزمهن مخاطبة وزارة التجارة لإيجاد تصاريح رسمية للعمل من المنازل.. بطلة يا إيلا! ونطلب أيضا من وزارة التجارة عملا بطوليا صغيرا لصناعة مسار تاريخي لعمل المرأة، والملائم للجميع بلا إشكال ولا مدعاةٍ لأيّ خلافٍ، ونراه الحلَّ الأمثلَ والأجدى، أن تبادرَ، ليس فقط بالموافقة، بل أن تنسق مع الوزاراتِ والمؤسسات المختصة والغرف التجارية والهيئات الاقتصادية لدعم هذه الفكرةِ الرائعة، والتي هي - برأيي - بمثابة حلٍّ مِحْوَريٍ استراتيجي لما نواجهه من صعوباتِ فرص العمل للفتيات، وهنّ سيُدْهِشـْنَ هذا المجتمعَ عندما تـُطلـَق أياديهن ضمن بيئاتٍ مناسبة، في ريادةِ أفكارِ الأعمال.. وسترون. ويثبت مجلسُ شاباتِ الأعمال في الشرقية، أنه يشقُّ طريقاً جديدا، لمستقبلٍ جديد.
"وهيب بن زقر"، شخصٌ من صنفٍ خاص، ومن عقلِ فاحص، ومن قلب محبٍ خالص.. "وهيب بن زقر" جمع بين الأعمال الكبرى، والفلسفات الكبرى، ولم يكن مجرّد جامع مال، بل كان مغامرا، كشـّافاً لآفاقٍ جديدة، دوما يبحث عن جديدٍ، ويسابقُ شروقَ الشمس ليكون أول الموجودين عند الإشراق.. دخل وهيبٌ مغامراتٍ عمليةً كبرى قبل الفوراتِ التي نراها الآن اتجاهاتٍ وتقليداً، لما توافرت الفرصُ، وفـُرِشتْ الأرضُ وجُهـَّزَتْ المواقع.. كان وهيبُ، وقتها، مثل مجترحي الصعاب، وكُشـَّاف المجهول، ومكتشفي العوالم، يتزود بالعلم والأدوات والمنطق والمخيلةِ الهائلة.. وقدَرُ هذ الرجل أن خيالـَه سابـَـقَ ذكاءَه، وأشعلَ مولَّداتِ طموحِهِ، واستنزف نسغَ حيويتِه، فوهيب هيكلٌ إنسانيٌ صغير، داخله ورشةٌ عملاقةٌ ضاجّة تتفجرُ طاقاتٍ إنجازية، والهيكلُ مزودٌ بطاقاتٍ متجدِّدةٍ من التصميم، ومع التصميم شيءٌ من عنادِ من يرى أشياءَ بوضوحٍ لا يراها الآخرون إلا محضَ سراب.. ولما تكشـّف السرابُ، صار واقعاً ساطعاً، ومورِسَ عملياً. وهيب من أصحاب "التوازن الحركي"، مثل سائق الدراجةِ الهوائية، لابد له من الحركةِ للسير قـُدُماً، وليس من فئةِ من يُطلق عليهم المحللون الأجانبُ صفة: "الكمال اللازماني Timeless Perfection" الذين يحلمون فوق الواقع ولا يرون العراقيلَ المحتملة الحصول. ويمرضُ الهيكلُ الصغير، بعد أن أنجز مهام لاقتصادِ وفكرِ الأمّة.. عنوانٌ مكرَّرٌ من أزمان لكل مدوِّرِي طرق ومساراتِ التاريخ. وهيب بن زقر ويعلمنا التشبّثَ بالحياةِ بينما يحاول جاهِداً أن يبقى على تخومِها..وهيب من النادرين، وجديرٌ أن نعرفه الآن أكثر، قبل أن نضطرّ للتعرفِ عليه، كما هو ديدَنـُنا، بعد فوات.
وفي يوم الأربعاء العاشر من كانون الأول (ديسمبر) الجاري، بجريدة "المدينة"، يكتب الأستاذُ دكتور "سالم أحمد سحاب"، مقالا بعنوان "نوعية المُنـْجـَز"، يقول ما معناه أن ذاكرتنا كمجتمع، وكمتابعين رسميين، ننظر إلى نوعية الإنجاز، وننسى كل ما سبقه من معاناةٍ، قبل أن يصير منجزاً ويخفف عنا الأعباءَ التي كنا نعانيها قبله، ويضرب أمثالاً على الجسور والأنفاق ألتي خفـَّفتْ اختناقاتِ الطرق، وضياع الوقت، والتسبب في العطل والحوادث، فننسى أن نعتني بها ونصونها لتعتليها الشقوقُ وآفاتُ التآكلِ قبل أوانها، وفي "المدارس" الحكومية التي تـُبنى اليوم لتتداعى بنهاية اليوم بسبب قلة الاكتراث، ويقارنها بمدارس أرامكو التي تبقى عقوداً من الزمن كالجواهر كما يصف. ورسالته أن منجزاتنا وتجهيزاتنا التحتية والفوقية عبارة عن مجوهرات.. وصيانة المجوهرات من أمرِ العقل والبداهة.. ومن لا يصون الجواهرَ، أنا أسألكم، ماذا نسميه؟!
ومقالٌ مؤثرٌ وصريحٌ في "الشرق الأوسط" ظهر الخميس في الحادي عشر من الجاري، بعنوان " ابني يركض مع (تيار المردة)"، للكاتبة اللبنانية "سوسن الأبطح" تقول فيه، إنها كانت كأمٍّ فرحة ومغتبطة وفخورة لأن ابنها سيشارك في ماراثون، ضمن تنسيق مدرسي، وسط العاصمة اللبنانية، وتفاءلت أنه من بشائرِ عودة العاصمة الزاهية لعهودها الجميلة، ثم تتبخر فرحتها، وتنقلب إلى غضبٍ وإحساس مريرٍ بالخديعة، وأن الذي جُرَّ إلى هذا المستنقعِ، الذي طالما تمنتْ أن يخرج لبنانُ منه، هو طفلـُها والذي تراه رمزا للبنانٍ قادمٍ ومتعافٍ.. ثم يتضح أن وراء التنظيم "تيارد المردةِ" الطائفي، الذي يتزعمه سليمان فرنجية، والأسوأ- كما تقول - أن المدرسة وابنها – كلهم ركضوا تحت لوائه. ثم سألت سؤالا مذهلا: ماذا لو تقدم متعصبٌ ضد تيار المردة، وأطلق الرصاص، أو فجّر، وكان الضحية ابنها البريء الذي لا ذنب له إلا أنه جرى على أرضِ بلاده؟ سؤالٌ لا يُحِب أحدٌ أن يسمعَ إجابتـَه!
برأيي الشخصي، أن الفرقَ بين العاملِ والمسؤول، أن العاملَ هو الذي يُدفـَع له مقابل عملِهِ، ويُخصَم عليهِ مقابل عدم عمله.. أما المسؤولُ فيـُدفـَعُ له مقابل "رؤيته"، فكيف نخصمُ عليه متى لم يكن له أيّ رؤية؟!
في أمان الله..