مقتطفات الجمعة 3
سنة النشر : 28/11/2008
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 3 ، أرجو أن تنال رضاكم.
قضية الأسبوع: "سلسلة إنجازية متواصلة": هو الدرسُ الذي خرجتُ به بعد كتاباتٍ طالت وطالتْ، الدرسُ الذي تعلمته بالتجربةِ والمشاهدة ومراقبة النتائج، الدرسُ هو: أي مقالٍ لا ينتجُ شيئا، أو ينتج مخرجاتٍ سالبةً هو في النهاية مقالٌ خاطئ، مهما كانت الأفكار التي به، لأن المهم هو النتيجة على الأرض، أو إمكانية أن يتحقق في الواقع، إن لم يكن اليوم ففي الغد. المقال المنتج، يكون بما يتضمنه من أفكار ودعوة، يحمل بذورا تكمن بالأرض تحمل عناصرَ النمو، قريبا أو في المستقبل، لتطل نبتة من السطح. لا يهم إن كانت مقالاتنا صحيحة ولكن غاضبة، فالغضبُ لا يورث إلا الغضبَ والثورة، نتيجة سالبة لا يريدها أحد. المقال الحادّ أو الناقد بعنف، ولو كان يحمل حادثاً مشهودا، لأي صاحب قرارٍ أو مصلحةٍ تجعل أصحابَ القرار في حالة اندفاع وانقضاض استجابة للطبيعةِ البشريةِ الغالبة في تحصين الذات، فلا تتحقق بيئةٌ مثاليةٌ للإنجاز أو التطوير، وتكون بشكلٍ غير مقصود، عصا تُضاف إلى مجموعة العصِي التي تعيقُ من سير عجلاتِ النمو. وقد جرّبتُ ذلك وكتبتُ، كغيري، مقالاتٍ ناقدة، وأرجو أنها صادقة، ولكن.. لا شيء!.. الدرسُ الذي تعلمته: كي نصلح من شأن هذا المجتمع، فلا بد أن نراه بيتاً، لن يترتبَ وينظف ويأمن ويحصل كل ساكنٍ على حقـِّه إلا بالتعاون، وتمرير المهام من شخص لآخر كلّ من موقعه.. والإعلامُ دورُه هنا أن يكون جرَسا ينبه العملَ الرسمي، ويحثه ويشجعه، ويفتح له فرص بدائل اتخاذ القرار الصحيح بلا إغضاب ولكن بتضافر وثقةٍ ومحبةٍ متبادلةِ الأطراف..والنتيجة: ما رأيته يتحقق بأمِّ عيني، سيكون ما نحسبه مستحيلا.. سهل الحصول. وحصل!
عندما نكتبُ لنقف مع مشاكل الناس يجب أن نجذبَ قلبَ المسؤول، فنلغي أن يركب رأسَهُ كردّةِ فعلٍ حين نغاضبُه، فنضرّ الناسَ الذين لم يستفيدوا إلا مزيداً من التعنـّت، لأننا لم نترك له فرصة حفظِ ماءِ الوجهِ لمراجعةِ القرار.. درسٌ مهم، تعلمتُ منه أنا شخصيا. علمنيه إياه فاطمة وناجي.. وغيرهما كثيرون.
وفاطمة هي البنت السعودية من أمٍّ مصريةٍ التي تعطلتْ أوارقـُها بعد أن أتت للسعودية، ولازمَتها ظروفٌ بالغة السوء، فقضتْ ثلاثُ سنواتٍ بعيدة عن أمِّها، تائهة غير مستقرة، وفقدت فرَصا كبرى من عمرها.. ومن كان قرب فاطمة كان سيكون شعورُه بالإحباط والغضب والاحتجاج ليس مستنكرا، ولكن هل تنتج هذه الأشياء شيئا؟ لا. نحن نلومُ الإجراءَ الرسميّ البطيء، ولكننا ننسى أن لنا دوراً يجب أن نقومَ به، فلا يكفي أن نشتكي، ونهربُ لأرض الأحلام، فالحقيقة ليست هناك أرض أحلام.. وإن وُجـِدَتْ فهي لأهلها، ولن تقبلنا.. الحلمُ يجب أن يُصنـَع على أرضِك، في قريتك، بمجتمعِك، ببلدِك.. لا خيارَ آخر.لما وصلـَت إليّ مشكلة فاطمة تعجبت أن يكون الواقعُ هكذا في بلدنا، ولكني كنتُ في قلبي متفائلا، فبدون التفاؤل سأفقد أهم وأقوى وأمضى أسلحتي، وعزمتُ أن أقف معها، ليس فقط من أجلـِها، بل من أجل ناسِنا جميعا، من أجل بلدِنا، من أجل إجرائِنا الحكومي، ومن أجل هيئاتنا المدنية، فقد يكون العيبُ لأننا جميعا لا نتصل معا بسلسلةٍ متماسكةٍ ومتواصلة.. لمـّا نكتفي بالانتقاد تزدادُ الهوّةُ، وتتباعد الفِرْقـَة، وتتصاعد أدخنة الغضبِ على الأطراف.. ولكن عندما نتشبث بالأمل ونبدأ نحن بتعليق الجرس والتنبيه والتفاهم الإيجابي مع جميع العناصر الفعّالة والفاعلة، سنحرِّك مولداً سيفاجئنا بقوته وتسارعه ليقود حمولة المشاكل إلى مراسي الأمان..
وهذا ما حصل فعلا.. فبعد خروج المقال " من قطع الحبلَ بفاطمة"، وصلت المشكلة لمظانها الحقيقية المباشرة وقرعت جرساً، فالناس يحبون أن يقدموا ويعملوا بأي موقع على أن تعطيهم الفرصة، تساعدهم، تتفهمهم، فبذلت شخصياتٌ رسمية ومدنية أكثر من طاقاتها العادية، وفي مدة وجيزة نالت فاطمة كل أوراقها الثبوتية بفضل إيمان راسخ بأن الناس في الأصل بيض القلوب.. ولما هاتفتني أول مرة كانت تقول: "أشعر أنه من المستحيل أن ألتقي أمي بمدة منظورة.."، وقلت لها مطمئنا: "سأعمل أن أراك تعانقين أمك قريبا".. قلت ذلك إيمانا بأن المسؤول في النهاية أخ وأب .. وإنسان. وتحقق الاثنان: إنسانية المسؤول، ورأيت فاطمة تعانق أمّها.
أما حبيبي الراحل الصغير "ناجي الأحمد" يرحمه الله، فقد هاتفتني مديرة مدارس الفكر بجدة، وكانت قد ترأست ونظمت حملة كبرى باسم "ناجي" لصالح أصحاب الاحتياجات، وتـُوِّجت بخطابٍ لعاهل البلاد مرفقا به المقالات التي كتبتـُها عن ناجي.. بالأمس هاتفها إعلاميٌ من جريدةٍ عربيةٍ دوليةٍ ليقول لها أن قراراً تعميمياً وعليه توصياتُ الملك عبد الله للجهات التعليمية لمراعاة ظروف أصحاب الاحتياجات بالجامعاتِ والمدارس، وأنه أمامه الآن.. شرحاً على تلك الرسالة. كل ما فعلته تلك السيدة الاجتماعية النشطة، أنها آمنـَتْ بتلك السلسلةِ التواصليةِ للإنجاز، وكوَّنت حلقة إيجابية لتشارك بتحقيق قرارٍ إنساني على مستوى الأمة. وهذا درسُ ناجي الصغير، وأستاذي الكبير، لي.
.. فهلاّ رفعنا علمَ المهادنة مع الجهات المسئولة من طرف الإعلام، بشرط أن يكون المسئولُ متعاونا متجاوبا ( لا مدافعا نافيا ) بحواسِّه الإيمانيةِ والإنسانيةِ قبل أي شيء، لنحقق معا نظرية "السلسلة الإنجازية التواصلية".. أن نكونَ، كلنا: "فريقُ عمل".
في أمان الله..