مقتطفات الجمعة 2

سنة النشر : 22/11/2008 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلاً بكم في "مقتطفاتِ الجمعة" رقم 2 ، أرجو أن تنالَ رضاكم.
 
القرصنة البحرية في خليج عدن: تم خطفُ ناقلة النفط السعودية العملاقة "سيريس ستار" وبها مائة مليون دولار من النفط الخام، في أغربِ وأجرأ عملية قرصنةٍ بحْريةٍ في تاريخ قرصنةِ البحار. وفي اليوم نفسه اختـُطِفـَت سفينتان، تايلاندية، والأخرى إيرانية.. والحبلُ على الجرار. قراصنة خليج عدن الصوماليون استولوا على عشراتِ السفن في العام الماضي مقابل دفع مبالغ لتحريرها من أسرها. لأي خبيرٍ بحري لا يبدو الأمرُ مجرد قرصنة عصابات.. مستحيل. واسأل من عمل في الإرشاد البحري بأي ميناء. السفنُ العابرة للمحيطات تـُقاد بتعقيداتٍ تكنولوجيةٍ وقاطرات إرشادٍ وسحبٍ واتصال ضمن تردداتٍ خاصة مع القمر الصناعي، وقنوات اقتراب عميقة للموانئ وتجهيزات وأرصفة استقبال، وهذه الأمورُ ليست بمقدور قراصنةٍ يجوبون البحرَ بقوارب مزودة بالسلاح، إنها تحتاج تنظيما عاليا ومعرفة دقيقة وعميقة بالملاحة البحرية، ودراية محترفة بصنع وهندسة بناء السفن لكي تتم عمليات الاختطاف بنجاح.. ثم من يحمي موانئ الاستقبال؟ هنا الخطفُ ليس لسيارةٍ صغيرةٍ تـُخبـّأ في كراج، إنها مرَدةٌ من حديدٍ تمخر في محيط مبسوطٍ، وتصل لميناءٍ عميقٍ ومعدٍّ ومجهزٍ يطلّ على البحرِ المفتوح. ويعرف العالمُ أن قواتٍ دولية شـُكـِّلت لتمشيط ممرات المحيط الهندي إلى تخوم الأطلسي، والأسطول الخامس الأمريكي يجول بالمحيطين بسيادةٍ مطلقةٍ، بينما تـُخطف السفينة على طريقة "صدّق أو لا تصدق" على بعد 800 كيلو متر، من محاذاة السواحل الكينية إلى مقر القراصنة في ميناء حراردير الصومالي.. أقراصنة هؤلاء، أم قوة بحرية إمبراطورية؟
 
في مضيق "ملـَقا" بمحاذاة جزيرة جاوا الإندونيسية، والطرق والمضائق جنوب تايلاند انتشر قراصنة تايلانديون وإندونيسيون، ولكنهم كانوا يصعدون السفنَ الصغيرة ويهددونها بالطرق التقليدية ولم يملكوا وسائلَ التقنيةِ الملاحية، ولا ملاجئ السواحل ناهيك عن موانئ مُعدةٍ لإرساءِ السفن.. الذي يحدث في الصومال يثير كثيراً من الأسئلة، فمن يتصور أن ميناء القراصنة الصوماليين يجمع في حظيرته أكثر من 12 سفينة حتى الآن، بمكان واحد؟ لو أن هؤلاء القراصنة حكموا الصومالَ لجعلوها أكبر قوةٍ بحريةِ في الهندي.. لن يتمكن العالمُ من التخلص من ظاهرة القرصنة الجديدة إلاّ بعد فـَكِّ ألغازها الكبرى.
 
البعضُ يرى قرصنة خليج عدن مؤامرة منسقة، فالتجارة العربية تمر من خلالها لأمريكا الشمالية والجنوبية، والسفن تعبر قناة السويس مختصرة أياما طويلة، وتكلفة باهظة للدوران حول رأس الرجاء الصالح.. وطبعا، أول من ترتفع إليها الشكوك الدولة اليهودية ومن يشجعها. لا يملك أحدٌ حتى الآن أي أدلة – على الأقل في المعلومات المتاحة- ولكن قرارا بدأ من شركة نقل بلجيكية بالدوران حول الرجاء الصالح يشرح نتائج الوضع.. ويدعو للتأمل فعلا.
 
وربما هذا الذي دعا الأستاذ "يوسف الكويليت" ليكتب في جريدة "الرياض" بتاريخ 19 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري في مقال عنوانه (قراصنة وإرهابيون): "عندما تأتي بوارجٌ وطائراتٌ دولية، ومراقبة جوية على ما يجري في البحر الأحمر، فإن الموقفَ قد يخرج من محاربة قراصنةٍ إلى تدويلٍ لهذا الشريان العربي، وهي أمان طالما حرّضت عليها إسرائيلُ، سواء أثناء حروبها، أو في وقت سلمِها.".. وأستاذنا لا يمكنه كمراقب متابع أن يرى الأحداثَ بوجهها السطحي كما ترد في الأخبار، وتفسيرُه مبنيٌ على طريقة الدلالةِ التاريخية، ولا يمكن أن تتصدى لرأيهِ، منطقيا، دون أدلةٍ تنفيها.. وحتى الآن لا نملك منها شيئا!
 
وفي "الأخبار" المصرية في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، كتب أحمد رجب في (نصف كلمة): "عقلي وقلبي وكل مشاعري خارج السيطرة، فإن إنسانا من أعز الناس يقف الآن على حافة الحياة، وأتوسل إلى الله ألا يغيب عن ناظري، مصطفى حسين الذي قاسمني أعنف معارك الصحافة يخوض الآن، وحده، آخر معارك العمر دفاعا عن الحياة". وتأثرت عميقاً بكلام أحمد رجب عن صديقه، فهما تقاسما معا عقوداً من العمل الفكري الساخر المشترك، وكانا أشهر ثنائي صحفي ساخر في تاريخ الصحافة العربية. لاحظنا أنهما افترقا أخيرا، ودارت الأقاويلُ، ولكن كلام أحمد رجب يكفي كأكبر شاهد على علاقة كادت أن تتاخم حوافَ الأسطورة.
 
برأيي كمحبٍّ للرسم ورسام هاوٍ، وأخونا عبد الله الصايل قد يكون لاحظ ذلك أكثر مني، أن مصطفى حسين يملك أجملَ ريشةٍ رشيقةِ الخطوط في الكاريكاتير العربي، ويصلح بامتياز ليرسم بتكنيك عال في أفضل صحف العالم الكبرى، بمهارته في رسم الحالة التعبيرية والحركية لشخصياته لتخرج مفعمة وناضحة بالضحك والمفارقة الساخرة.. وسيبقى عِملاقا في تاريخ الكاريكاتير العربي، ورأيته شخصيا ولفتني كونه ممتدّ القامة عريضها، ويضحك بشكلٍ متواصلٍ.. وكأن طِفلا يسكنُ ذاك الجسدَ الكبير.
 
في أمان الله..