سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية
* "كل القلوب مع ملك القلوب"- شعار تهنئة إحدى الشركات.
.. والملك عبد الله يكرّس من شعبه ملكاً للقلوب، وهذا رائع جدا، أن يحب العاهلُ شعبـَهُ حباً جليّاً، وأن يحبه شعبـُه حُبّاً جليّاً. ونتحدث اليوم إذن عن ملك القلوب بما تسير به العاطفة السانحة مثل زورقٍ في بحرٍ هادئٍ بريحٍ رخية.. لا نتوسلُ إلاّ ما يصل القلبَ بالقلب، ويزيد من الحبِّ حبّاً بالتمني والترجي والأمل.. كله من معطيات الواقع.
ولأن مليكنا هو ملك القلوب، فإن القلوب تحدثك وتقول لك، بما يجري في الجسد والعقل مجرى الدماء، بصدق الإحساس. فإن جاء من يتملق وهو يكذب يشعر به القلبُ وإن مَنـَعَ العقلُ والحكمةُ من فضحه في وقته. وإن جاء مَن يصدق بقوله وشعوره، وصل مباشرة وسائغا للقلب، حتى ولو جاء من حييّ ٍلا يُطلِق اللسانَ، أو من متعفِّفٍ لا يرسلُ الكلام.. ولكن مليكنا يعلم، كما قال الساخر الأمريكي العبقري مارك توين، إن هناك نوعا سائدا من الناس يعتبرون الحقيقة أثمن ممتلكاتهم فيضنـّون بها على الآخرين.. أي يؤسفهم أن يَصْدِقوا! وبما أن مليكنا هو ملك القلوب، فإن قلبه سيكون مع الحقيقة، ومع القول الصادق متى ما جاء مغلفا بحفظ الاحترام، ومكتسيا بالتهذيب الجم، وزاخرا بالمعنى المتجرد الصادق للمصلحة العامة. ولأنه ملك القلوب فإن قلبه سيكون بمثابة الإنذار المبكر من كل مَن ينمق الكلامَ، ويصبغه، ويزوقه، ويحابي من غير معنى ولا مضمون.. وجرس الإنذار هذا قد لا ينطلق مدويا يسمعه الناس، ولكنه ينطلق في ضمير العاهل فيتعامل معه وجدانا وعقلا وحكمة واتزانا وضميرا.
ومليكنا هو مليك القلوب، ويعرف أنك إن صوَّبت نحو القلب أو المنفعة بخطة محكمة قد تصيب، وقد تخطئ.. فلا تثريب عليك. كل ما عليك أن تعيد المحاولة، فتحسن من أدائك، وأدواتك، وتتحرّى مكامن عثراتك، ومظان سهواتك، وما غفلت عنه من عناصر كان يجب أن تعي بها ولها.. وتعاود الكرة بلا تردد فلعلك تصيب، أو تكسب الخبرة في الطريق كيف أن تتجنب ما يعوقُ السهمَ عن رشقِ عين الهدف.
ومليكنا هو مليك القلوب، فيعرف أن الذي يصوِّب للفراغ فهو أكيد جدا من أنه سيصيب الهدف.. أي سيصيب الفراغ! على أن القلبَ لا يتعامل مع من لا يصوب نحوه للحب والنفع العام فمن يهدّف على الفراغ، فلا مآل له.. إلا إحالته للفراغ!
ومليكنا هو مليك القلوب، والقلب يبحث عن الحب والمنفعة، كالباحث عن المعدن الثمين في المناجم. ويعرف أن الحبَّ ليس في الوقوع في الفرص، بل في البحث عنها، فالحجرُ النفيس لا يُلقى في عارضة الطريق، وإنما نتوصل له بالحفر والعرق والجهد والصبر، والإيمانُ القلبي بأنه هناك موجود ينتظرنا، وأن كل ما علينا هو الجد والمتابعة وألا نفقد ذرة من هذا الإيمان في الطريق المضني.. مَن يظن أنه سيجد الفرص معلقة كالثمر على الأشجار، أو أنه سيلتقط الياقوتَ والمرجان من عرض الدروب، فلا محل له في قلب يعرف أن الثواب لا يأتي إلا بالعمل.. وعليه أن ينام في مكان آخر لتضمه الأحلام.. أو يتلاشى مع قهر الواقع.
يعرف مليكنا وهو ملك القلوب أننا دخلنا السوق العالمية وهي سوق متلاطمة عنيفة، ونحن أمامها بلا خيار إلا الصمود ومتابعة المسير. هو كالتجديف ضد التيار المائي المتدفق العنيف، إن لم تجدّف صعودا بكل ما تستطيع، وأكثر قليلا، فإن أي توقف حتى لالتقاط النفـَس، هو تعرض أكيد للانجراف والسقوط على صخور السفوح.. لذا فإنه من كل قلبه وبحكمته وعقله سيعمل أن يجعل كل قطاع وكل فرد فينا يعرف كيف يجدّف جيدا للصعود.. حيث إن لا خيار سواه. مَن يعتقد أن مجرد دخول السوق هو الهدف، فهو كمن يزج بقاربه في المجرى الهادر دون أن يحضر المجاديف!
ملكُ القلوب.. سيقول لنا تكلموا من قلوبكم.. حتى أراكم!