في العيد: حوارٌ مع إيليا!

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 

* فتشت جيب الفجر عنها والدجى

ومددتُ حتى للكواكبِ أُصبعي

أتمنى في هذا العيد أن نكتشف حقيقتنا كما نحن، كما أرادنا الله أن نكون، لا كما يريد لنا أي أحد غيره أن نكون. أن نكون كما خلقنا، كما يلائم بشرتنا فلا نتلون ولا نتمكيج، ونؤمن أن جمالنا إنما هو في تكويننا الخالص، لا في إضافاتنا المخلـَّقة، وزوائدِنا المستوردة، أن نكون نحن أولا بشكلنا وعقلنا وخاصتنا العرقية والأخلاقية والإيمانية.. ثم نتطور صحيحا، وانفتاحا، وحبا، وارتباطا وتعاملا مع كل الدنيا من هذا الثبات العميق. أن نقف ونناور على أرضنا الصلبة .. لا على تراب رخو يهب علينا من كل ريح صرصر خارجية. هذه الحقيقة، هي فجر ليالينا، وهي الكواكب التي تضيء في سمائنا.

* والبحر كم ساءلته فتضاحكتْ

أمواجُهُ من صوتي المتقطع ِ

أتمنى في هذا العيد ألا نجعل البحرَ يضحك علينا ولا غير البحر. أتمنى أن نركب البحورَ السبعة ونحن نحمل بوصلتنا نحن، إلى الجهة التي نحددها نحن، على المسار الذي نحدده نحن، وقبل كل ذلك أن نركب السفين التي نصنعها نحن، أو نعرف كل صفائحها ومَكـَنـِها ومساميرها نحن، ولا يهمنا بعد ذلك إن أركبنا العالمين معنا، لأنه ليس بالضرورة أن نقودهم، ولكن أن نقود نحن رحلتنا.. مصيرنا. لن يمكن للبحرِ أن تضحك علينا أمواجُهُ متى جعلناها هي التي تدفع سفائننا لتمخر عبرها..

* وحطمتُ أقداحي وطلقتُ المُنى

ونسختُ آياتِ الهوى من أضلعي

الحقيقة لا أحد يحطم أقداحَه وإنما يحطمها له الآخرون متى كانوا أقوى منه بأسا وأمضى منه عزيمة، أو أنه يحطم أقداحَه وينسحب عن آماله متى استبدّ به اليأسُ والضعفُ والاستسلام. لذا أتمنى في العيد أن تبقى أقداحنا في أيادينا نقبض عليها بقوة وفخر ونحن نملأها بما يُساغ من الشراب ونتجرع منها بالعافية والهناء.. لا يجرّعنا أحد، لا يملأ أقداحنا أحد..

وأتمنى ألا يسول لنا أحدٌ أن ما نهواه فيما عرفناه واحترمناه وقدرناه من تراثنا وتاريخنا, يجب أن نستله من أضلاعنا لنملأ هذه الأضلع بالخواء.. وأن أحدا لن يعطينا مخَّ ضلوعه.. لا أحد!

* وكأن أشباح الدهور تآلبت في الشط تضحكُ كُلُّها من مرجعي

لن نستغرب ويجب ألا تضحك علينا الدنيا والتاريخ والمستقبل إن رمينا مراكبنا ويأسنا ونسينا أن نضع طوق النجاة، فلن ينتظرنا إلا الشامتون. نتمنى في هذا العيد أن تكون مراكب إبحارنا متينة، وأن نزودها بطوَق النجاة لو هبت الأعاصير.. المهم ألا نترك لنا سبيلا للغرق، ولا انكسارا للعودة الخائبة. قد لا تفرح أشباح الدهور.. عندما نتفوق لأنفسنا.. حينها، من لا يفرح لنا، سيكون آخر همنا!

* وكأنني العصفور ُ عرى جسمَهُ

من ريشه المتناسق اللامع ِ

نتمنى في هذا العيد أن نكون صقورا نحوم أجواز الفضاء مع الشواهين والصقور والنسور.. وألا نصير عصافير تنتف ريشنا الكواسرُ من الطيور، والضواري على الأرض. وأن نكون خالين من الإسار والأسر، فنجوب السماكَ أحراراً مرفوعي الهامات، وألا ننتف ريشنا، ولا ننتف ريش البغاثِ من الطيور. أن نحمي ريشـَنا لا ينتفه أحد، وأن نحمي ريشَ الآخرين لئلا نتنفه، ولا نقبل أن ينتفه أحد.

* فكأنني البستانُ جرّد نفسَهُ

من زهره المتنوع المتضوع ِ

وهذه مهمة يا إيليا، فلقد فعلنا ذلك، أو بعضا من ذلك.. نعترف أننا فعلنا. فلقد مرت علينا أزمانٌ بعثرنا ثروات الأرض التي حبانا بها ربُّ الأرض، فأهدرنا المياه، وأزعجنا منابع النفط.. ولكن نتمنى في هذا العيد أن نحافظ على زهورنا في حديقتنا، وألا نقطفها إلا موعد استحقاق القطاف، وتكون هناك أزاهر أشد ألقا قد نمت على الغصون. لقد عبثنا ببيئتنا، فتلوث البحرُ، وتلطخ الهواءُ، وتشوهت البراري، وتلك أهم رياحين حديقتنا. ولنتمنى في هذا العيد أن ننقي الهواءَ، ونجمل الصحراءَ، ونبعث الزرقة والحياة في مياه البحر.. وأن نزيل قذى النظر من سواحلنا الأزلية.. فنزهر كلنا من جديد.

.. ولكن يا "إيليا" إن لم نستفد من أمانينا ولم نحقق طموحنا، أو أننا لم نكن جادين في السعي إلى ذا ولا ذاك..؟

إيليا:

وعلمت ُ حين العلم ُ لا يجدي الفتى

أن التي ضيَعتـُها كانت معي..