شبابـُنا.. المنبوذون الجـُدُد؟ (2 من 2)

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 

في مقال السبت أطلق أحد أبطال قصتنا، وهو الشاب عادل، على فئته من الشباب العزاب صفة "المنبوذين الجدد". ثم في آخر المقال ذيلناه بهذه الأسئلة:

هل نحن نحب الشباب العزاب؟ أم نحن لا نحبهم؟ الإجابة صعبة! ولكن هل نخاف منهم، ونتوقاهم كما نتوقى وهج النار؟ نعم.. نعم!

من المذنب؟ هل هم المذنبون؟ أم نحن المذنبون؟ .. من الضحية؟ هم؟ نحن؟ كلنا؟

من المسؤول.. من؟

وأنا هنا لن أجترح العجائب وأقدم الحلول السحرية، ولن نستطيع كلنا أن نحيل واقعا حاليا برمته إلى واقع جديد.. ولكن الفهم والتفهم هو أول الطرائق للاستدلال على اتجاهات الطريق الناجع.. وشيء غالب مهم في عملية الفهم والتفهم، أنها تصفي النفوس، وتخلق جوا مرنا مقبولا وإن كان ليس مرغوبا بالتمام، ولكنه يعطي هذا الشعور المتفائل بأن أهمية الأطراف قائمة فيوقف حقن النفوس، ويخفف من تركيز الغضب، والشعور بالمرارة..وكأنها منطقة بينية انتقالية حتى نصل إلى الحل المقبول، أو إلى المحطة أو المنطقة النهائية.

أما الإجابة عن أسئلتي المعقولة فإجاباتها مرفقة معها، ولكن أسئلتي عن من المذنب في نشوء طبقة تعم البلاد من المنبوذين (وهي صفة تفرض حقيقتها بعيدا طبعا عن المحبة، واقع سائد، وله تبريراته بلا شك) أعترف أمامك بأنها أسئلة عبثية.. لا يهم أن نعرف من هو المذنب، ولن نعرف على وجه التحديد، ولكنها ظروف تجمعت ثم أرسلت شواظا من نار.. لم نصنعها برغبتنا، ولكن بشكل ما أذكيناها بأيادينا، بأفعالنا.. من الجهتين. حقيقة!

هناك خطأ ما في مجتمعنا. ولا بد أن نجد له تفسيرا. خذ مثلا قضية منع العزاب من دخول المجمعات وذلك لأنه بالدلائل الدامغة، والوقائع المسجلة، حصلت إزعاجات كثيرة ويومية من الشباب العزاب للأسر التي تتسوق داخل المجمعات.. فما كان من حل إلا منعهم تماما من دخول الأسواق.. أي بدأنا بتشكيل طبقة المنبوذين. هل أجرم الشباب؟ يمكن. هل أجرمنا كمجتمع نريد أن تتسوق نساؤنا بعيدا عن دبق إزعاجات العزاب من الشباب؟ أيضا يمكن!

لماذا أقول هذا الكلام؟ لماذا أتهم الشباب بالجرم، ثم أتردد؟ لماذا أتهم دائرة المجتمع بالجرم، ثم أتردد.. هل تعطيني فرصة لأعطيك مقارنة واقعية؟ حاضر!

أنا من المنطقة الشرقية ومدينتي لا تبعد إلا مسافة قصيرة عن مملكة البحرين. وفي المنامة بالذات أسواق مركزية كبيرة منها "سوق السيف" وهو الأشهر. أقول لك، في معظم الأيام، وفي العطلات الأسبوعية أو الطويلة، يمتلئ المركز وغيره من مراكز التسوق في العاصمة البحرينية بالشباب السعودي، كثير منهم من العزاب. كما يغص مركز السيف بصورة تقليدية بمئات الأسر السعودية، تدور في المركز للتبضع، وتناول الطعام، واحتساء الأشربة في المقاهي المتناثرة في عرصات المركز. لم يفكر القائمون على المركز يوما في منع العزاب السعوديين (وغير السعوديين بالطبع)، بل إن ذلك لا يخطر لهم على بال. من جهة أخرى: هل اشتكت الأسر المتسوقة لإدارة المركز من مضايقات الشباب؟ أنا شخصيا أعرف بعض مشرفي المركز، ولم أسمع يوما أنهم طرحوا موضوعا مثيلا. وأنا أتجول في "السيف" أكثر من أي مركز آخر، وأشتري كل كتبي من مكتبة في السوق، ويهاتفونني عند وصول الكتب الجديدة، وأقضي ساعات داخل المكتبة، ثم وقت أقضيه متلهفا في أي مقهي لتصفح الكتب الجديدة.. لم أر ولا مرة واحدة، ولا مرة يتيمة، منظرا يضرب راحة العين. لم أر شابا يتعدى على امرأة، ولا شبابا يضايقون أسرا.. صحيح أنهم يدورون بكامل هندامهم في ردهات السوق، ولكنهم والله يضيفون إليه جمالا بأناقتهم وحسن سيرهم. وإنك تميز الشاب السعودي في مركز السيف لأنه الأكثر إشراقا في إهابه، وثقيل الخطى في مشيته.. شهادة محايدة، لأني ذكرت جانبي القصة..

طيب، هل نحن نصنع شبابا مخصصين للتصدير، فيكونون مؤدبين راقين في مجمع السيف، وننتج صنفا آخر محليا أقل مواصفات في الجودة؟! معاذ الله!

هل تعرف أن الذي ساد في البحرين الآن بين الشباب في الرداء الخليجي هو الموديلات السعودية بين البنات والأولاد؟ السر ليس فقط موديلا، إنه إعجاب خفي، أو ظاهر..

يعني، أن المنبوذين يعبرون الحدود فيصيرون مقبولين ضمن جموع الناس..

لم ننته بعد، ولن ننتهي في مقال وألف، ولا يوم ولا عديد الأيام.. لقد فقدنا الثقة والاحترام بيننا وبين شبابنا، فشعروا بأنهم من المنبوذين، ونحن صوتنا على ذلك بصوت مخنوق، أو مسموع.. ولكن بصمنا عليه بالعشرة!

حان للأمة أن تعرف لم ننزعج من الشباب؟ وحان لها أن تتفهم لم تفور هرمونات الشباب؟

.. الإجابة، أول طريق الحل!